د. أسعد عبد الرحمن

في عام 1999، عندما دخل نتنياهو في مواجهة مع بيل كلينتون كانت النتيجة إطاحة الحكومة الإسرائيلية. ومنذ عودته رئيساً للوزراء في 2009، بعد عقد من خروجه، يتكرر اليوم سيناريو مواجهة القرن الماضي مع الرئيس الحالي للولايات المتحدة أوباما، حيث يستمر نتنياهو في مواجهة أوباما، الذي أطل عبر الإعلام الأميركي أثناء السباق الرئاسي متحدثاً ضد سياسات الرئيس، بل إنه استقبل المرشح الجمهوري quot;ميت رومنيquot; في إسرائيل، وأقام له حملة جمع تبرعات، ثم عمل أصدقاء إسرائيل في الولايات المتحدة، وعلى رأسهم اللوبي الإسرائيلي quot;آيباكquot;، علناً على دعم المرشح الجمهوري في وجه المرشح الديمقراطي.

ومع ذلك، نقلت صحيفة quot;هآرتسquot; الإسرائيلية، عن مصادر مقربة من الرئيس الأميركي، أنه لا ينوي خوض مواجهة مباشرة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في ولايته الثانية، تتعلق بالمسار الفلسطيني، بل اتباع سياسة quot;إهمال ناعمquot;، ظهر أول مؤشراتها في عدم ممارسة الولايات المتحدة ضغوطاً وجهوداً استثنائية تتعلق بالتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية بصفة مراقب، وفي عدم كبح الردّ الأوروبي الشديد على قرار نتنياهو دفع خطة البناء الاستعماري/ quot;الاستيطانيquot; في منطقة quot;أي ـ 1quot;. وبحسب هذه المصادر، تنقل quot;هآرتسquot;: فإن quot;نتنياهو مهتم بإنتاج مشهد عبثي لمسيرة السلام من أجل إنقاذ نفسه من العزلة الدولية ولذلك لن يسمح رجال أوباما لنتنياهو بإنتاج هذا المشهد، وسيفرضون عليه أن يلمس آثار تمرده، وسيسمحون للعالم الغاضب بأن يقوم بالبقيةquot;. ويؤكد ما سبق مقال نشرته مجلة quot;نيوزويكquot; حيث يقول الشخصية الليبرالية الأكثر بروزاً في الجالية اليهودية الأميركية، والمقربة من أوباما، الصحفي اليهودي (بيتر بيرنت): quot;طاقم أوباما بلور استراتيجية جديدة، ترتكز على الوقوف جانباً والسماح لبقية العالم بالمواجهة مع نتنياهو، استناداً إلى تقدير مفاده أنه في اللحظة التي تتوقف فيها الولايات المتحدة عن محاولة إنقاذ إسرائيل من تداعيات نشاطاتها، وعندما تشعر بالعزلة الدولية المتزايدة، ستبادر إسرائيل إلى تغيير الاتجاهquot;. وينقل quot;بيرنتquot; عن مسؤول رفيع في الإدارة الأميركية، قوله إن quot;اتجاه الرأي العالم العالمي هو ضدّ إسرائيل، وفي جوّ كهذا، إذا ما وقفت الولايات المتحدة جانباً ولم تفعل شيئاً، تكون بالذات قد قامت بشيء ماquot;. وعلى رغم ذلك، وكله بحسب quot;بيرنتquot; نقلًا عن مسؤولين أميركيين: quot;ستواصل الولايات المتحدة مساعدة إسرائيل في المجال الأمني كما تفعل حالياً، وبالتالي ستواصل تمويل شراء منظومات القبة الحديدية وستساعد في كبح مسارات فلسطينية ضد إسرائيل في محكمة لاهاي الدولية. وفضلاً عن ذلك، ستعمل من أجل منع انهيار السلطة الفلسطينية، وأيضاً منع اشتعال أعمال (عنف) في الضفة الغربية وتجدد إطلاق الصواريخ من غزةquot;.

في تقرير لـ quot;CNNquot;، تحت عنوان هل quot;قاربتquot; غزة بين أوباما ونتنياهوquot;، يرى محللون أن quot;أزمة غزة الأخيرة ربما ساهمت في quot;إذابةquot; الجليد بين واشنطن وتل أبيب، ومهدت مسار العلاقات بين الحليفين الذي تخللته quot;مطباتquot; الملف النووي الإيراني وquot;المستوطناتquot;. ففي بيان أميركي، تخللته اللغة المألوفة بتأكيد واشنطن دعمها الراسخ لأمن إسرائيل، قال البيت الأبيض quot;إن الرئيس أوباما أشاد بنتنياهو لموافقته على الاقتراح المصري لوقف إطلاق النار- وهو ما أوصى الرئيس رئيس الوزراء الإسرائيلي للقيام به. وبالمقابل، رد نتنياهو، على البيان بآخر جاء فيه أنه quot;قبلquot; بتوصية أوباما لتوقيع الاتفاق، وquot;شكرquot; الرئيس الأميركي على دعمه لبلادهquot;. ولهذا، يبرر ديفيد ميللر المفاوض الأميركي السابق بعملية السلام بالشرق الأوسط، الموقف الأميركي بالقول: quot;أعتقد أن ما نراه حالياً هو مجهود من جانب الرئيس لإيداع بعض العملات في رصيد علاقته مع نتنياهوquot;، مضيفاً أنه quot;بدافع الضرورة شدد الرئيس الأميركي مراراً على حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، وفي ذات الوقت، دفع كافة الأطراف المعنية لإيجاد حل سريعquot;. وختم قائلاً: quot;باعتقادي أن العلاقة بين نتنياهو وأوباما هي العلاقة الأكثر اختلالاً بين رئيس أميركي ورئيس حكومة إسرائيلي.. وجانب كبير من ذلك يعود إلى الثقة المفقودة بين الجانبينquot;.

لكن هذا الرأي لا يتفق تماماً مع تحليل كتبه الكاتب الإسرائيلي quot;ألوف بنquot; حيث كتب يقول في مقال بعنوان quot;أوباما لن يعاقب نتنياهوquot;: quot;ثمة من يتوقع في إسرائيل أن يغير أوباما السياسة الخارجية الأميركية انتقاماً من نتنياهو، ويدلل على ذلك بمواقف الرئيس الأميركي في دورته الأولى، والذي كان يريد إخراج إسرائيل من الضفة الغربية وإقامة دولة فلسطين المستقلة على بقايا المستوطنات، لكن رغبته في إعادة انتخابه وحاجته إلى المتبرعين والناخبين اليهود منعتاه من القيام بذلك. بيد أن أوباما يستطيع اليوم، بعد انتخابه لولاية ثانية، أن يتصرف مع إسرائيل من دون كوابح، وفي حال واصل نتنياهو توسيع المستوطنات والادعاء بـquot;عدم وجود شريكquot;، فإنه سيصطدم بموقف أميركي أكثر تشدداًquot;. ويضيف: quot;من المحتمل أن يكون أوباما يرغب في قرارة نفسه في أن يتصرف بهذه الطريقة مع نتنياهو، لكنه يعلم أنه ليس مواطناً عادياً، وأن ما يجري ليس مسألة شخصية، فهو رئيس دولة عظمى ولا يرغب في فشل لا ضرورة لهquot;.

إن أوباما لا يثق في نتنياهو، ويعتقد أنه يتحمل مسؤولية أساسية عن إحباط محاولات إعادة إحياء مسار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية (وهو التوجه الذي كان قد وضعه في صدارة اهتماماته في ولايته الأولى). واليوم، أصبح واضحاً أن أوباما لن يساند نتنياهو، وإن كان لن يصطدم معه بشكل مباشر وصريح. ولأن أوباما سيكون أكثر حرية في ولايته الثانية، تبدو دوافع تحسن الأجواء بينهما أضعف من بواعث استمرار النفور، في ظل توافق عديد المراقبين الإسرائيليين على أن أساس التوتر هو اختلاف الرؤية السياسية: فأوباما يؤيد quot;حل الدولتينquot;، وهو مع وقف quot;الاستيطانquot; وإخلاء بعض quot;المستوطناتquot; ومنح تسهيلات للفلسطينيين، فيما نتنياهو قومي يميني مناصر لـquot;الاستيطانquot; وquot;الترانسفيرquot;، رافض للحقوق الوطنية الفلسطينية، متشبث للغاية بالوضع الراهن، يسرع البناء في المستعمرات/ quot;المستوطناتquot; في الضفة الغربية وتهويد القدس. والحال كذلك، يرى بعض العالمين ببواطن الأمور أن سياسة أوباما لن تكون عبر توجيه ضربة قاتلة مباشرة لنتنياهو بقدر ما سيحاول الفوز بمراكمة النقاط، ومن خلال سياسة quot;عانقه.. كي تكف يديه وتقيدهquot; بدلًا من عداء ظاهر وصارخ. وستبدي لك الأيام ما كنت جاهلًا!