الرئيس محمد مرسي خطب في الحشود، تمامًا كما فعل عبدالناصر والسادات ومبارك قبله، وهللت له الجموع وهللنا معها، لعل وعسى أن لا يصل الى حيث انتهى غيره، فهذا الرئيس الذي رفض أن يحيط به الحرس الرئاسي وقال إنه لا يقبل بأي حاجز بينه وبين شعبه، نخشى أن نراه وقد عزل عن الناس، وحوصر بالمنافقين وسقط في الشرك الذي وقع به من سبقوه.
أحمد الجارالله: مرسي... لعل وعسى!
أنهت مصر عهد الفراغ الرئاسي، أمس، بعد أن أقسم الدكتور محمد مرسي اليمين أمام المحكمة الدستورية، ومثلما قبل الشعب المصري بنتائج الانتخابات ورحب بالرئيس الجديد، نحن أيضًا نقول للدكتور مرسي أهلاً... أهلاً خليجية لها خصوصيتها كما لمصر خصوصيتها عند كل الخليجيين.
انتخاب مرسي الخارج من صفوف الاخوان المسلمين لن يبدل رأينا بهذه الجماعة وتاريخها، لكننا لن نتعاطى مع الرئيس محمد مرسي من موقع الانتماء الحزبي الذي كان عليه قبل انتخابه، غير أننا سنبقى نراقب ونتابع حتى تثبت التجربة أن الرجل قد خلع عباءة الحزبية الضيقة وارتدى جلباب الانتماء الى الشعب، خصوصًا بعد إعلانه أنه سيمارس دوره كرئيس لجميع المصريين وسيقيم علاقات متكافئة مع كل دول العالم وفي مقدمها الدول العربية، وسيعيد لمصر هيبتها ودورها، وهذه خطوة جيدة، بل أمل عربي لأن جميع العرب ينظرون لمصر كشقيقة كبرى وشعبها خير أجناد الارض، وهي مسؤولية كبيرة من واجب قيادتها المحافظة على ذلك الموقع.
موقف محمد مرسي هذا يفرض علينا أن نذكره بمن سبقوه وما قالوه وكيف تعهدوا للشعب أن يكونوا في خدمته، لكنهم تحولوا لاحقًا الى فراعين من خلال الحاشية التي أحاطت بهم. قد يكون أحدهم ليس كذلك بطبعه لكنه وجد نفسه في النهاية يؤدي الدور حين عزله المطبلون والمبخرون عن الناس. هذا ما حدث مع الملك فاروق الذي تسلم الحكم شابًا وتوسم فيه المصريون خيرًا, لكنه أحيط بالمنافقين الذين وضعوا حاجزًا زجاجيًا بينه وبين الناس, وكانت النتيجة نفيه, وكذلك الأمر بعد ثورة يوليو العام ,1952 اذ تسلم جمال عبدالناصر زمام الحكم كزعيم شعبي, هللت له مصر ومعها غالبية الشعوب العربية, لكن فجأة رأيناه يحكم أرض الكنانة من خلال الهاتف وما تكتبه صحافة العالم، بعدما احاط نفسه بأربعة أجهزة مخابرات مارس صلاحياته من خلالها, الى أن أصبح فرعونًا, وعندما توفاه الله انكشف المستور, وما أورده صلاح نصر في مذكراته كافٍ لمعرفة خفايا تلك الفترة.
أيضًا لم يكن عهد السادات أفضل حالاً, وهو الرجل الذي ازدحم المطبلون حوله, مصريًا وعالميًا, فانتهى مقتولاً برصاص مجموعة من جيشه, والكلام في شأن ذلك لم ينتهِ حتى يومنا هذا.
والامر ذاته تكرر مع حسني مبارك الذي احتشد الناس في الساحات والميادين لتأييده, لكن الحاشية التي أحاطت به عزلته عن محيطه الى أن ضاق الشعب ذرعًا وكانت الثورة.
الرئيس محمد مرسي خطب في الحشود, تمامًا كما فعل عبدالناصر والسادات ومبارك قبله, وهللت له الجموع وهللنا معها, لعل وعسى أن لا يصل الى حيث انتهى غيره, فهذا الرئيس الذي رفض أن يحيط به الحرس الرئاسي وقال إنه لا يقبل بأي حاجز بينه وبين شعبه, نخشى أن نراه وقد عزل عن الناس, وحوصر بالمنافقين وسقط في الشرك الذي وقع به من سبقوه.
نريد محمد مرسي زعيمًا شعبيًا لا يرتدي سترة واقية من الرصاص خوفًا من انتقام مظلوم أو حاقد, فالرجل جاء الى الحكم على أكتاف الثورة التي تعاطفنا جميعا مع مطالبها, لأنها مطالب عادلة.
نعم, ما يراد من مرسي, مصريًا وخليجيًا وعربيًا, وحتى دوليًا, السعي الى قطف العنب, وليس قتل النواطير والتشفي أو الانتقام, لأن عظمة الثورة في الاصلاح الذي تحدثه, وليس في الثأر, هذا ما يجب أن يعمل عليه الرئيس الجديد ليكون فعلاً رئيسًا للجمهورية الثانية, فربما يكون تحقيق الآمال معه, علمًا أن لا أحد يعلم أين الخير الا الله وحده, ولعل زمن مرسي يكون فيه الخير فلا نأسف أو نتباكى على زمن مضى.
(السياسة الكويتية)
ياسر عبدالعزيز: مصرhellip; المعركة الكبرى لم تبدأ بعد
الواقع أنه من الصعب جداً اعتبار أن المعركة حُسمت بالفعل، وأن العسكر سيتخلون ببساطة عما بقي لديهم من صلاحيات وسلطات لا تفقدهم فقط القدرة على laquo;الحفاظ على المؤسسةraquo; وlaquo;صيانة المصالح الوطنيةraquo; كما يعلنون، ولكن تفقدهم أيضاً الحفاظ على laquo;أمنهم الشخصيraquo; وlaquo;سيرتهمraquo; وlaquo;مستقبلهم السياسي.
لم تكن العلاقة بين ldquo;الإخوان المسلمينrdquo; والمجلس العسكري في مصر ldquo;سمناً على عسلrdquo; طوال الفترة التي تلت إطاحة مبارك بالطبع، لكنها كانت في معظم الأوقات إيجابية وعملية، وقبل كل شيء، فقد كانت مثمرة للطرفين في فترات كثيرة؛ إذ أمّنت للعسكر هدوءاً واستقراراً مطلوبين في أحيان عديدة، ومكّنت ldquo;الإخوانrdquo; من كل المؤسسات الدستورية المنتخبة التي أنتجتها ثورة يناير عبر الانتخابات.
إنها علاقة مثمرة بالفعل، نتجت عن شراكة براغماتية، جاءت أحياناً على حساب بعض القوى الثورية من التيارات المدنية والليبرالية، وجاءت أحياناً أخرى على حساب أهداف الثورة نفسها، لكن تلك العلاقة تدخل نفقاً معتماً الآن؛ فقد انتهى ldquo;شهر العسلrdquo; على الأرجح، وتكسرت إرادة التعاون على صخرة التساؤل الجوهري: ldquo;لمن السلطة الفعلية في مصر بعد 16 شهراً من إطاحة مبارك؟rdquo;.
يبدو أن العسكر لا يريدون التفريط في السلطة الفعلية بسهولة؛ لذلك فقد سارعوا بإصدار ldquo;إعلان دستوري مكملrdquo;، يجعل صلاحيات الرئيس منقوصة بالفعل، ويمنح المجلس العسكري فرصة الاستدامة، وصلاحية التشريع الموقت، وحق استخدام ldquo;الفيتوrdquo; ضد الدستور المنتظر إعداده، فضلاً عن تقييده سلطة الرئيس في إعلان الحرب، ودعوة القوات المسلحة لمواجهة اضطرابات داخلية، والتدخل في تفصيلات عمل الجيش، وتعيين قياداته.
يرتبط هذا الأمر بحكم المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب المنتخب ذي الأكثرية ldquo;الإخوانيةrdquo;، وهو الحل الذي يظل محل جدل كبير، خصوصاً أنه استلزم ضرورة أداء الرئيس المنتخب اليمين الدستورية أمام تلك المحكمة، ما يعد إقراراً ضمنياً من جانب مرسي وrdquo;الإخوانrdquo; بخطوة حل المجلس، وبالتالي هو إقرار ضمني بسلطة العسكر، ودورهم التشريعي الموقت.
قبل أربعة أيام ظهر جنرالان بارزان من أعضاء ldquo;المجلس العسكريrdquo; على إحدى الشاشات المصرية، حيث أعلن أحدهما بوضوح أن ldquo;المشير محمد حسين طنطاوي هو وزير الدفاع في الحكومة المقبلة المنتظر تشكيلها بواسطة الرئيس المنتخبrdquo;.
ليس هذا فقط، لكن رئيس الوزراء المستقيل كمال الجنزوري كان قد ألمح إلى أن ldquo;المجلس العسكريrdquo; سيحتفظ بحق تعيين عدد من الوزراء في الوزارات السيادية.
بمجرد إعلان فوز مرسي بانتخابات الرئاسة يوم الأحد الماضي، خطب القيادي البارز في ldquo;الإخوانrdquo; الدكتور محمد البلتاجي في ميدان التحرير بين أنصار ldquo;الجماعةrdquo;؛ فأكد بصوت جهوري مشدداً على كل حرف أن ldquo;مرسي هو القائد الأعلى للقوات المسلحةrdquo;. من المعروف أن الرئيس المصري هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، لكن البلتاجي رأى أنه من المهم أن يذكر هذه الحقيقة في هذا التوقيت بالذات.
وبمجرد أن فرغ مرسي من الخطبة التي ألقاها في ميدان التحرير أمس الأول الجمعة، هتف حامل ldquo;المايكروفونrdquo; قائلاً: ldquo;يا طنطاوي قل الحقhellip; مرسي رئيسك أم لا؟rdquo;. يحتاج الأمر إذن إلى التساؤل عما إذا كان مرسي يرأس طنطاوي من عدمه (hellip;).
لم يتحدث مرسي صراحة في تلك الخطبة التاريخية عن نزاع مع المجلس العسكري على السلطة، لكن أي تحليل دقيق لما جاء في خطابه يمكن أن يستشف ذلك بسهولة، فقد أكد الرئيس المنتخب أنه يرفض، بل لا يملك، التخلي عن أي من صلاحياته، كما حرص على أن يقسم اليمين رمزياً أمام الجماهير المحتشدة في ميدان التحرير، واصفاً إياها بـrdquo;صاحبة السلطة الحقيقيةrdquo;، ومؤكداً أن إرادتها أعلى من إرادة أي ldquo;مؤسسة أو هيئة أو جهةrdquo;، وخاتماً بأن ldquo;المحتمي بالجماهير لا يخسر أبداًrdquo;.
لقد ظهر من خطاب مرسي أنه سيقسم اليمين في ldquo;المحكمة الدستورية العلياrdquo;، كما نص الإعلان الدستوري المكمل، لكنه استبق ذلك بالقسم في ميدان التحرير، كما حيّا القضاء المصري وأكد قبوله بأحكامه، لكنه أيضاً دافع عن اختيارات الجمهور لنوابه من أعضاء مجلس الشعب، وكأنما يريد القول إنه سيتماشى مع القواعد الدستورية والقانونية والإجرائية، وفي الوقت نفسه سيصر سياسياً على مواقفه ومواقف حزبه وجماعته.
يتضح ذلك جلياً حينما ختم مرسي خطابه بالقول: ldquo;سنلتقي في التحرير كلما احتاج أحدنا إلى الآخرrdquo;، أي أنه سُيبقي سيف الاحتجاج الميداني مصلتاً في مواجهة سلطة العسكر، وهو أمر لا شك يزعج المجلس العسكري كثيراً بالنظر إلى الدرجة العالية من الفاعلية التي اتسم بها أداء الميدان كلما كانت أغلبية المتظاهرين فيه من التيارات الإسلامية في الفترة التي تلت إطاحة مبارك.
يسود اعتقاد واسع في مصر بأن المعركة الكبرى انتهت لمصلحة الإسلاميين، إلى درجة أن بعض مؤيدي المجلس العسكري نفسه باتوا ينتقدونه علناً وبعنف في أعقاب فوز مرسي بالرئاسة بدعوى أنه ldquo;سلم البلد الىrdquo;الإخوانrdquo;، كما بدأ كثيرون من نقاد ldquo;الإخوانrdquo; وأعدائهم التاريخيين بالتقرب إليهم بشكل أو بآخر، بينما عبر بعض خصومهم عن إحباطهم الشديد ورغبتهم في الهجرة، في وقت انتعشت آمال الإسلاميين بوضوح، وبدأت أحاديثهم وممارساتهم تتخذ سمتاً يعكس الشعور بالزهو والتمكن.
وخارج مصر يبدو الأمر ذاته واضحاً، خصوصاً من جانب الدول الغربية الكبرى، التي يظهر يوماً بعد يوم أنها ldquo;متشوقةrdquo; لرؤية مصر من دون سلطة العسكر أو أي من ldquo;صلاحياتهمrdquo;، وفي ظل سلطة ldquo;الإخوانrdquo; المنتخبة، التي بدا أن هناك نوعاً من الاطمئنان لها، وخصوصاً في ملفي التعاون الاستراتيجي مع الغرب وإسرائيل.
والواقع أنه من الصعب جداً اعتبار أن المعركة حُسمت بالفعل، وأن العسكر سيتخلون ببساطة عما بقي لديهم من صلاحيات وسلطات لا تفقدهم فقط القدرة على ldquo;الحفاظ على المؤسسةrdquo; وrdquo;صيانة المصالح الوطنيةrdquo; كما يعلنون، ولكن تفقدهم أيضاً الحفاظ على ldquo;أمنهم الشخصيrdquo; وrdquo;سيرتهمrdquo; وrdquo;مستقبلهم السياسيrdquo;.
لقد انتهى ldquo;شهر العسلrdquo; بين العسكر وrdquo;الإخوانrdquo;، والأمل أن يجد الطرفان طريقاً إلى ldquo;حل وسطrdquo; متوازن، بدلاً من أن يأخذهم الصراع إلى شتاء طويل ثقيل على مصر والمنطقة.
( الجريدة الكويتية )
شملان يوسف العيسى: التعامل مع quot;الإخوانquot;
باركت القيادات السياسية في دول الخليج العربية للرئيس المصري المنتخب الدكتور محمد مرسي وتمنت له النجاح والتوفيق في إدارته لشؤون الشقيقة مصر. والتساؤل المطروح في دول الخليج اليوم إنما يتعلق بكيفية التعامل مع رئيس ينتمي إلى جماعة quot;الإخوان المسلمينquot;، خصوصاً وأن هذه الجماعة لها نشاط فعّال في بعض الدول الخليجية، وبعض القيادات في المنطقة أبدت تخوفها من دور quot;الإخوان المسلمينquot; وانتشارهم في بعض الدول.
علينا في الخليج أن نعي بأن quot;الإخوان المسلمينquot; الذين استطاعوا، وعن طريق الانتخابات الحرة، الوصول إلى السلطة والسيطرة على الحكومة الفلسطينية في غزة، والوصول إلى برلمانات الأردن والبحرين والكويت والسودان... استطاعوا اليوم الوصول إلى السلطة في أكبر دولة عربية، أي جمهورية مصر العربية، حيث مركز الثقل العربي. فوصولهم إلى الحكم، بعد أكثر من ثمانين عاماً في المعارضة، سيجعلهم تحت المجهر والمراقبة خلال الأشهر القادمة، لأن معظم الناس في مصر والوطن العربي يريدون اختبار نياتهم، وكيف سيتعاملون مع العديد من القضايا المحلية المصرية أو القضايا العربية والدولية المعقدة.
لكن ماذا عن موقف الدول الخليجية من وصول مرسي إلى سدة الحكم؟ لا شك أن جمهورية مصر العربية ودول الخليج معاً، لديهم جميعاً مصالح تاريخية مشتركة لا يمكن أن تتأثر بوصول الرئيس الجديد، خصوصاً وأنه تعهد بتعزيز العلاقات مع دول الخليج العربية.
أما على المستوى الشعبي الخليجي، فإن الرأي العام في دول الخليج العربية، ومن خلال متابعة ما تكتبه الصحف وأصحاب الرأي في هذه الدول، منقسم إلى قسمين، فهنالك دعوة لمساعدة مصر عبّر عنها الكاتب السعودي عبدالرحمن الراشد حيث قال: quot;ليس غريباً أن يوجد قلق من صعود حركة الإخوان لحكم الدولة العربية الأكبر... لكن علينا ألا ندع القلق يتغلب على التعامل مع الواقع الجديد بواقعية، ومن يدري، فقد يكون صعود الإخوان برلمانياً ورئاسياً أمراً إيجابياً لأسباب عدةquot;.
نحن من المؤمنين بإعطاء الرئيس مرسي فرصة لإثبات مقدرته على إدارة مصر نحو الديمقراطية التعددية والإقتصاد الحر، فالرئيس الجديد وحزبه وصلا إلى السلطة من خلال الديمقراطية التي افتقدتها مصر منذ وصول العسكر للسلطة عام 1952. والديمقراطية ليست انتخابات تشريعية ورئاسية فقط، بل هي ثقافة وتقاليد وسياسات عمل، وهذا معناه بالنسبة للرئيس الجديد الإلمام بكل قضايا مصر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وأن يسعى الى التعاون مع كل القوى السياسية والاجتماعية.
نشكر الرئيس المنتخب على إعلانه عن استقالته من الحزب ومن الجماعة، وهذه خطوة تُسجل له لأنه أصبح رئيساً لكل الشعب المصري وليس لحزب سياسي فيه.
لكن ما نتخوف منه فعلاً هو عدم ذكر الرئيس مرسي أي شيء عن الدولة المدنية في خطابه الأول المليء بالآيات القرآنية والعبارات الوعظية... حيث تحاشى ذكر الدولة المدنية واكتفى بترديد عبارة الدولة الدستورية، رغم أنه إلى الآن لم نعرف طبيعة الدستور المصري القادم.
وأخيراً نتمنى للدكتور مرسي التوفيق والنجاح في المرحلة الجديدة من حياة الثورة المصرية؛ فمصر بحاجة إلى حكومة مدنية قوية قادرة على تحقيق مطالب الشعب بالقضاء على البطالة وتحسين الاقتصاد والقضاء على الفساد وتعزيز الحريات.
(الاتحاد الاماراتية)
التعليقات