باريس
اضطرابات quot;آميانquot; وبداية الاختبارات الجدية لعهد هولاند، واحتدام السجال في الحملة الانتخابية الأميركية، والتفاقم المستمر للعنف الطليق في سوريا، موضوعات ثلاثة استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية.
عنف الضاحية
عودة العنف الحضري هذا الأسبوع شكلت أول تحدٍّ جدي لرئاسة فرانسوا هولاند، الذي أكمل بالكاد مئة يوم في قصر الأليزيه. وقد مثلت أعمال العنف التي شهدتها بلدة quot;آميانquot; عودة صاخبة لأجواء عنف الضاحية ومشكلات النسيج الحضري المضطرب في مناطق الظل الفرنسية. صحيفة لوموند نشرت افتتاحية ناقشت فيها هذه التطورات، وجاءت تحت عنوان quot;النظام، القانون الجمهوري وماذا بعد؟quot;، وهو عنوان يكاد يختصر مفردات المشهد وأولوياته، ليس فقط لدى الحكومة، وإنما أيضاً لدى الشارع الفرنسي العادي نفسه. واعتبرت الصحيفة في افتتاحيتها أن كل الأنظار تتجه الآن إلى اليسار الحاكم الجديد، لمعرفة ما إن كان سيستطيع تقديم حلول لمشكلات الضاحية الأمنية، على نحو يضمن عودة أجواء الاستقرار والأمان وحكم القانون، مع إحداث قطيعة، في الوقت نفسه مع قرابة عشر سنوات من الساركوزية الأمنية، التي عجزت من حيث أرادت الصرامة، وفشلت من حيث أراد ضمان النجاح في السيطرة على العنف الحضري.
والملاحظ في أحداث quot;آميانquot; أن ردود فعل وزير الداخلية الجديد quot;مانيل فالquot; وتدابيره كانت فورية، وفعالة إلى حد بعيد، كما أنه تحرك بدعم كبير من رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، وضمن جهد منسق وفعال. ولاشك أن اليسار الفرنسي يضع في حسابه وهو يحاول احتواء أحداث العنف الأخيرة تلك الدعوى التي طالما استثمرها اليمين القائلة إن قبضة اليسار الاشتراكي في الأمور الأمنية مرتخية عادة، وإن مواقفه تجاه مثل هذه القلاقل مائعة، أو غير فعالة على الأقل. ولهذا اضطر الرئيس هولاند لقطع عطلته يوم الثلاثاء الماضي لمواجهة الموقف، وقد صرح بأن quot;الأمن ليس فقط أولوية، ولكنه واجب. هنالك عنف، وانحراف، وجريمة لابد من مواجهتها، وردعها، ومحاسبتهاquot;. كما صرح رئيس الحكومة quot;جان- مارك إيروتquot; بأن أقل ما يمكن أن يوصف به ما جرى في quot;آميانquot; هو أنه quot;غير مقبولquot; إطلاقاً، مؤكداً أن الحكومة سترد quot;بأشد صرامة ممكنةquot;.
وبعد استعراض هذه المواقف وردود الفعل الحازمة تساءلت لوموند: وماذا بعد؟ وقد استعيد النظام، وأظهرت الصرامة والفاعلية، ولكن أي وجه ستأخذه سياسة اليسار الأمنية بعد الآن؟ هل ستستمر مثلاً في التعامل مع المناطق الأمنية الحساسة، بذات الأولوية، مثلما تحدث عن ذلك هولاند عندما كان مرشحاً رئاسياً؟ وهو ما يقتضي بطبيعة الحال تسخير مختلف أجهزة الدولة لهذه الغاية، بحيث تمنح مناطق الظل في الضواحي حلولاً لمشكلاتها، بكيفية تتجاوز الحل الأمني وحده؟
وفي الأخير اعتبرت الصحيفة أن أحداث عنف quot;آميانquot; تظهر أن احتقانات الأحياء المعتبرة quot;حساسةquot; أمنياً ما زالت قائمة، ويتوقع أن تبقى كذلك خلال الأشهر المقبلة بفعل تداعيات الأزمة الاقتصادية، وتفاقم الاستياء الاجتماعي، المؤججة لأجواء القلق وعدم الأمان. ولذا فإن من العاجل على رئيس الجمهورية والحكومة تحديد رؤيتهم الأمنية بطريقة إيجابية، وفي ذات الوقت صارمة.
رومني وريان
الكاتب بيير روسلين كتب افتتاحية لصحيفة لوفيغارو تحت عنوان: quot;بول ريان: رهان رومني الطموحquot;، قال في مستهلها إن اختيار quot;ريانquot; على بطاقة نائب الرئيس يثبت أن المرشح الجمهوري الأميركي قد أعد نفسه بالفعل لخوض انتخابات نوفمبر المقبل وفي جعبته مشروع حقيقي، مختلف تماماً عما يتقدم به منافسه الرئيس منتهي الولاية باراك أوباما الذي يريد استمرار التمسك بروح دولة الرعاية، وتوسيع التزامات الحكومة الفيدرالية. وفي المقابل يريد رومني ورفيقه تقليص هذه الالتزامات، على اعتبار أن ذلك هو أقرب طريق لضمان عودة أجواء الانتعاش والازدهار.
وفي عمر لا يتجاوز 42 عاماً يضفي quot;ريانquot; على البرنامج الانتخابي الجمهوري حيوية لم تكن منتظرة أصلاً من رومني. ومثل سارة بالين التي رافقت المرشح الجمهوري السابق في الانتخابات الماضية جون ماكين، يعتبر quot;ريانquot; أيضاً مقرباً من حركة حفل الشاي اليمينية. كما أن توجهه الفكري الأصلي يجعله منافساً أصلب مراساً بكثير.
ومثلما جرى في عهد ريجان منذ أكثر من ثلاثين عاماً، سيواجه الجمهوريون الذين يعبئون كافة طاقاتهم الدعائية والحزبية الآن، تهماً واسعة بأنهم يقفون مع الأغنياء ضد الشرائح الأقل دخلاً من الأميركيين. وفي المجمل فقد جازف رومني بتغيير مسار السباق نحو البيت الأبيض وموضوعات السجال الانتخابي ليصبح حواراً فكرياً جدياً في العمق، حول خيارات تهمّ الأميركيين، وذات إسقاطات تمتد إلى بقية العالم أيضاً.
ومن جانبه استعرض الكاتب فرانسوا سيرجان في افتتاحية لصحيفة ليبراسيون جوانب من حملة كل من أوباما ورومني، ومساعيهما لاستمالة بعض قطاعات المجتمع الأميركي الواسعة، وقد كان آخر ذلك ما يشبه السباق بين حملتي المرشحين لخطب ود الفلاحين، ومواساتهم في الولايات المتضررة من الجفاف الذي يضرب بعض المناطق الأميركية. وفي سياق السجال على هذه الجبهة ربط البعض بين تفاقم حالات الجفاف وظاهرة الاحتباس الحراري العالمي، وهو ما يعني استطراداً إقحام سياسات هذا المرشح أو ذاك وبرامجهما البيئية، لمحاولة إقناع الناخبين المعنيين بحالة الجفاف، أو النشطاء البيئيين المهتمين بالظرف المناخي. كما دخلت على خط السجال أيضاً قضية توجيه ما يقارب نصف المحاصيل من الذرة لصناعة quot;الإيثانولquot; والطاقة الخضراء، وتأثيرات ذلك اجتماعياً وبيئياً. هذا إضافة إلى تأثيراته الواسعة على السوق الدولية للأغذية وخاصة أن هنالك كثيراً من المراقبين ربط تنامي هذه الظاهرة بالارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية الذي عرفه العالم منذ سنة 2008. وقد عانت الدول الأكثر فقراً وهشاشة من التداعيات السلبية لذلك أكثر من غيرها، ما أدى إلى اضطرابات وتظاهرات في إفريقيا، وبعض البلدان الأخرى التي تعتمد أساساً على استيراد المحاصيل الغذائية. وفي النهاية يخلص الكاتب إلى أن quot;الجفافquot; وتداعياته لن يكون فقط هو كلمة السر في هذه المرحلة من الحملة الانتخابية، بل لعله سيتحول مع مرور الوقت إلى إحدى إيقونات الخطاب الانتخابي طيلة العام.
حرب مفتوحة
تحت هذا العنوان كتب آلان كونستان مقالاً في صحيفة لوموند استعرض في بدايته مشاهد من العنف الطليق الذي تمارسه قوات الأسد بحق المدنيين السوريين، مؤكداً أن سوريا تشهد الآن حرباً حقيقية مفتوحة، تنقل مشاهدها المروعة شاشات الفضائيات، في وقتها الحقيقي، دون أن يتمكن المجتمع الدولي من إيجاد السبل الكفيلة بوقف المجازر والتعديات الجسيمة التي يقترفها النظام بحق المواطنين المدنيين السوريين.
ونقل الكاتب مضمون بعض مشاهدات وشهادات المراسلين الأجانب الذين جازفوا بأرواحهم لنقل حقيقة ما جرى ويجري في معركة حلب، ومعركة دمشق، وفي غير ذلك من أماكن ومواقع وساحات هذه الحرب المفتوحة، غير المتكافئة. كما ينقل مشاهد من صور اللاجئين والنازحين المدنيين الذين اضطرتهم اعتداءات قوات النظام السوري إلى اللجوء إلى حدود لبنان المجاور، كما يستعرض شهادات حول تمكن بعض نشطاء الثوار من التسلل إلى حي التضامن في العاصمة دمشق، التي يحشد فيها النظام أكبر قدر من قواته القمعية.
إعداد: حسن ولد المختار
التعليقات