محمد كريشان

ليس بيت القصيد ما يعانيه بالضبط الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، ولا ما إذا كان يشكل خطرا على حياته أم لا، فالمرء لا يمكن له في كل الاحوال إلا أن يتمنى له الشفاء والسلامة. المهم أكثر أن الجزائر تعبـُــر الآن على الأرجح من حالة القلق على الرجل، إلى حالة القلق على البلد.
في الدول المتقدمة الحق في معرفة الحالة الصحية لأعلى هرم الدولة تتجاوز مجرد الفضول الإنساني، إلى الحق في معرفة أحد المؤشرات المهمة في لوحة الاطمئنان على الحالة العامة للبلاد. تعارف الناس هناك على أنه لا يجوز ترك مصير قرارات مهمة بيد رجل لا نعرف بالضبط ما الذي يعانيه، وبالأخص ما الذي يمكن لوضعه الصحي أن يؤثر على سلامة اختياراته الكبرى وبعضه يتجاوز الاستقرار الأمني إلى الضغط على الزر النووي.
ومع أن رؤساء دول كبارا مثل الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران نجحوا لسنوات في إخفاء مرضهم، إلا أن القاعدة الأساسية هي حق الرأي العام في معرفة تفاصيل الوضع الصحي لرئيسه، بشكل يضاهي حقه في معرفة احتياطي المواد الغذائية للبلاد أو العملة الصعبة، أو وضع البورصة. وفي كثير من الحالات ظلت دول كثيرة تعاني الحمى والسهر سياسيا واقتصاديا لا لشيء سوى أن رئيس الدولة مريض أو امتد به المرض طويلا، كما حصل مع الملك فهد بن عبد العزيز حتى وفاته والرئيس الحبيب بورقيبة حتى إبعاده عن الحكم.

وعندما يتحول رصد الناس لصحة الرئيس همّـا يوميا متجددا، خوفا على البلاد أكثر من الخوف عليه، فذلك مؤذن بشرور محتملة . هذا ما تبدو الجزائر عليه اليوم بعد أن عاشته في الفترة الماضية في شكل هواجس متقطعة تتجدد بين الفترة والأخرى. الجزائر حاليا في وضع مالي جيد استطاع أن يجنب البلاد موجة احتجاجات على الأوضاع الاقتصادية للمواطن، وإن كان الكل يتحدث همسا أو جهرا عن حالات فساد عديدة متوارثة وجديدة. وحتى عندما شهدت الجزائر بعض المظاهرات المحدودة في سياق الأجواء الارتدادية لـrsquo;الربيع العربيrsquo;، كان الكل يجمع تقريبا على أن البلاد، وهي ترى الأمور إلى من آلت في النهاية، بعد إزاحة الدكتاتوريات في تونس ومصر وليبيا، لم تكن مستعدة على الإطلاق لأن تجدد آمالا مقبورة في التغيير، فبداية تسعينات القرن الماضي تحولت إلى سنوات عديدة من الإرهاب والدماء والدموع ذهب ضحيتها ما يفوق المئة ألف شخص.
الكل فهم خوف الجزائريين من عودة الكابوس، بل وتفهـّـمه (الأفضل أن نتعايش مع وضع لا يسرّ كثيرا على أن ندخل في وضع لا يسرّ أبدا). هذا المزاج الوطني الطاغي هو الذي كبح بالفعل جماح أي رغبة في التغيير رأى الناس أنها لا تخلو من مجازفة سبق أن جُـربت فدَمـّـرت. هذا المزاج بالضبط هو الذي كان يمكن أن يشجع السلطة على الإقدام على إصلاحات حقيقية بعيدا عن أن تحسب عليها استجابة لموجة احتجاجات أخافتها، لكنها لم تفعل وإن فعلت فليس بالقدر الذي طمع فيه الناس وتستحقه البلاد، بل ويتيحه وضعها المالي المريح بفعل فائض عائدات النفط الكبير الذي سمح لها بتسديد كامل ديونها القديمة دفعة واحدة.
أكثر من ذلك، بدأ بعض حملة المباخر يروجون لإمكانية أو ضرورة تمكين بوتفليقة من مدة رئاسية جديدة وهو ما لم يكن مناسبا حتى قبل هذه الإصابة الأخيرة، فما بالك بعدها. الآن لا تبدو للفكرة أية وجاهة على فرض أصلا أنها كانت لها وجاهة من قبل. ليكن مرض الرئيس فرصة لوضع حد نهائي لهذا الاحتمال والاستعداد من الآن لتحول مدروس وآمن. عندها سيكون شفاء الرئيس المأمول شفاء للبلاد بكاملها من الجمود والتردد وليس بداية استفحال مرضها مع ما يعنيه ربما في المستقبل القريب من استحالة نفع العقاقير، مع أنها كانت تنفع فعلا عندما تجاهلها القوم.