أمجد عرار
يبدو أن رئيس الوزراء الليبي المطاح به علي زيدان أفلت من خطف ثان، مثلما أفلتت ناقلة النفط الكورية الشمالية من قدرة ما يسمى الجيش الليبي مجازاً على تنفيذ تهديداته بقصفها أو السيطرة عليها، لمنع ميليشيات إقليم برقة من تصدير النفط من وراء ظهر الحكومة في طرابلس، حيث بلغت خسائر quot;الصراع على النفطquot; ستة مليارات دولار منذ أن أحكم مسلحو برقة سيطرتهم على ثلاثة موانئ نفطية في البلاد، وإعادة إحياء اتفاق يعود للخمسينات يقسم ليبيا إلى ثلاثة أقاليم . أفلت زيدان من احتمالات الخطف، مثلما نجا قبلها من قنبلة وضعها مسلّح على طاولة مكتبه مهدداً بتفجيره إن هو اتخذ قراراً لا يروق لبعض الميليشيات . ومن المرجّح أن يكون قد توجّه إلى ألمانيا، مع أن قلبه يتجّه إلى فرنسا التي يتماهى مع فكرتها القائلة إن المجتمع الليبي غير متجانس، وهي فكرة تصب في خانة التقسيم إياها .
المؤتمر الوطني العام في ليبيا الذي يعد بمنزلة برلمان، لم يستطع عقد جلسته قبل يومين في مقر وتحت قبّة، كما برلمانات الدول، إنما داخل فندق في العاصمة طرابلس، لأسباب أمنية بعدما تعرّض مقر المؤتمر لعملية اقتحام وتخريب قبل عشرة أيام . مع ذلك لاحق محتجون المؤتمرين إلى الفندق، بعد أنباء عن مغادرة ناقلة النفط الكورية الشمالية بما تحمله من نفط، ميناء السدرة الخاضع لسيطرة الجماعات المسلحة، شأنه شأن ميناءين نفطيّين آخرين في إقليم برقة المتململ للانفصال الذي يتصرف قادته وميليشياته بأمر واقع استقلالي .
المؤتمر الوطني المؤقّت الذي جدد لنفسه قبل بضعة أسابيع، والذي يعتبره مسلّحو برقة وقبائلها غير شرعي مثل الحكومة التي معظم وزرائها مستوردون، أطاح زيدان وقرّر تكليف وزير الدفاع عبدالله الثّني، إدارة شؤون البلاد لفترة مؤقتة، حتى انتخاب رئيس مؤقت جديد للحكومة المؤقّتة . سيرى ذوو العقول الربيعية الخضراء أن هذا يمثّل دليلاً على حالة ديمقراطية في إطار مرحلة انتقالية أو مؤقّتة، وربما يكون quot;المؤقّت هناquot; مفتوحاً وبلا حدود، أي على غرار الفترة المؤقتة في اتفاق أوسلو بين القيادة المتنفذة لمنظمة التحرير الفلسطينية وquot;إسرائيلquot;، وهو اتفاق مضى عليه واحد وعشرون عاماً ولا يزال quot;مؤقّتاquot; .
إذاً هناك برلمان ليبي يحجب الثقة عن الحكومة ويسقطها وينتخب غيرها . هناك في ليبيا حرية تصل حد تعرض رئيس الحكومة للاختطاف والتهديد ثم يتصرف بوحيهما . هناك تعددية تحن للماضي، إلى ما قبل الدولة، ميليشيوية قبلية تتيح لثلّة مسلحين أن تستولي على نفط البلاد والحكومة عاجزة عن فعل أي شيء . ليبيا بفضل quot;الربيعquot; ستدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية في مجال السلاح الميليشيوي، فهل توجد دولة في العالم تحتوي على أعداد من قطع السلاح بيد الميليشيات تفوق عدد السكان بأربعة أضعاف .
إذا كانت السفينة الكورية الشمالية أفلتت مع النفط على متنها، فإن سفينة ليبيا غرقت في الفوضى من كل نوع، حيث يوجد على متنها من يحفرون أرضيتها . وهناك من المؤشّرات ما يكفي للاستدلال على أن شحنة الناقلة الكورية، قد تدق آخر مسمار في نعش وحدة ليبيا، وقد تكون شرارة حرب أهلية، يتحوّل فيها النفط الليبي إلى وقود لحرق البلاد والعباد .
التعليقات