بيروت - الرأي: وجد لبنان نفسه مرّة جديدة وسط حلبة «صراع الفيلة» في لحظة هيجان دولي وإقليمي على امتداد المنطقة المرقّطة بالحرائق الكبيرة، من اليمن «غير السعيد» الى سورية المفتوحة على حروب كثيرة، مروراً بالعراق المتقطّع الأوصال من الموصل وسواها، وليبيا التي كأنها في «داحس وغبراء» جديدة.
&
فلبنان الذي «يتفنّن» في تقطيع الوقت وترحيل أزماته، أصبح جزءاً من المسرح الاقليمي المفتوح على حروبٍ جديدة وأحلافٍ جديدة وخرائط جديدة وتحولاتٍ الاكثر وضوحاً فيها هو الغموض الذي يلفّ مساراتها ونهاياتها على وقع «حروب عالمية جديدة» ساحتها الشرق الأوسط.
&
ولم يتأخّر ملفا العسكريين الأسرى والموقف من التحالف الدولي ضد «داعش» في التحوّل مادة جديدة للانقسام بين فريقيْ 8 و 14 آذار وإن تجنّبا تحويل هذا الخلاف فتيلاً من شأنه «تفجير» حكومة الوحدة الوطنية من داخلها، ولا سيما ان قوى 14 آذار تحمّل «حزب الله» ضمناً - وبعض أطرافها علناً - مسؤولية التسبّب بخطْف «داعش» والنصرة» العسكريين من خلال اتهامه باستدراج «الخطر التكفيري» الى لبنان نتيجة انخراطه في المعارك داخل سورية، آخذة عليه في الوقت نفسه ضغطه لـ «فرْملة» المسار التفاوضي مع «النصرة» و«داعش» بهدف جرّ الجيش اللبناني الى معركة القلمون من ضمن تنسيق مع الجيش السوري النظامي، في حين يعترض «حزب الله» على اي التحاق للبنان بالتحالف الاميركي - الغربي - العربي لضرب «داعش» في سورية والعراق وهو التحالف الذي يؤكد رئيس الحكومة تمام سلام ان بيروت معنية به من الناحية «الدفاعية».
&
وقد ظهّر الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله في إطلالته التلفزيونية ليل الثلاثاء هذا البُعد الانقسامي حيال هذا الملفين، ولا سيما بعدما تحوّل موضوع العسكريين مثار «حبس أنفاس» مع انطلاق الحرب على «داعش» في سورية والتي لا توفّر مواقع «النصرة»، وفي ظل اقتناع اوساط مراقبة بان القناة القطرية للتفاوض التي وافقت عليها الحكومة اللبنانية لم تعد مجدية نتيجة مشاركة الدوحة في العمليات العسكرية ضدّ «داعش». وتبعاً لذلك، ارتفع منسوب التعويل على القناة التركية التي يُرجح ان تتفعّل مع اللقاء المرتقب في نيويورك بين رئيس الوزراء اللبناني تمام سلام والرئيس التركي رجب طيب اردوغان علّها تكون «الخرطوشة الأخيرة» لبتّ هذه القضية التي صارت «قنبلة متفجّرة» يُخشى ان تدرك تداعيات خطيرة على الواقع اللبناني الذي يحمل كل بذور الانزلاق الى «المحظور» في ظل الاحتقان المذهبي المتصاعد والفراغ الرئاسي المتمادي والذي لا يشي بانفراج قريب وسط «الغبار الكثيف» الذي يحوط المشهد الاقليمي المتحوّل وعدم اتضاح آفاق الحوار الايراني - السعودي ومدى امكان بلوغه تفاهمات وخصوصاً بعد «قلب الطاولة» الذي شهدته اليمن، من دون إغفال عدم انقشاع الرؤية حيال ارتدادات العملية العسكرية للتحالف الاميركي - العربي في سورية وتأثيراتها المحتملة على وضعية نظام الرئيس بشار الاسد.
&
وكان لافتاً بحسب دوائر سياسية في بيروت ان السيد نصر الله في إطلالته الطويلة لم يعرّج على الواقع اللبناني وأزماته السياسية وتحديداً الانتخابات الرئاسية او المناخ المستجدّ بعد نجاح 8 و 14 آذار في التوافق على «فكّ الاشتباك» بين ملفيْ الرئاسة والتشريع في البرلمان، بفعل موافقة فريق 14 آذار على تشريع الضرورة في مجلس النواب الذي سيعود الى دوره على هذا الصعيد الاربعاء المقبل، في تطور اعتُبر «المفتاح» لتعبيد الطريق على التمديد للبرلمان الذي تنتهي ولايته في 20 نوفمبر. ورغم حرص طرفيْ الصراع على تفادي اي كلام عن «مقايضة» على هذا الصعيد، فان من شأن تعطيل «صاعق» تمدُّد الفراغ الى مجلس النواب في ظل رفض صريح من قوى وازنة (لا سيما «تيار المستقبل») و«مضمر» لغالبية الأطراف الاخرى لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها (16 نوفمبر) قبل إتمام الاستحقاق الرئاسي، ان يوفّر تمديد عمر «بوليصة التأمين» السياسية للواقع اللبناني الذي يمكن ان يكون مقبلاً على مزيد من فصول التوتير الأمني في ضوء استمرار «فتيل» ملف العسكريين والمخاوف من تلقيه تشظيات الحرب على «داعش».
&
وكان نصرالله أسف في إطلالته عبر قناة «المنار» لكون «البعض في لبنان استخدم قضية العسكريين لتحقيق مكاسب سياسية وتصفية حسابات وإثارة نعرات طائفية ومذهبية»، معتبراً أن «كل مَن نقل عن حزب الله رفضه التفاوض منافق وكذاب».
&
وحول «التحالف الدولي» لمحاربة «داعش»، شدد على «اننا لا نوافق على ان يكون لبنان جزءاً من التحالف الدولي».