إعداد: حمزة عليان - مهى الحمود

تكتسب زيارة سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح إلى روسيا الاتحادية مجموعة من الدلالات ذات الأهمية، من حيث توقيتها والدور الذي تقوم به موسكو تجاه الأزمة السورية وما يستتبعه من تحديات وانقسامات تجاه هذا العمل.. فالكويت كانت على الدوام، صاحبة السياسة المتوازنة في علاقاتها مع القوى العظمى، فلا هي مشرقية بالمعنى الكامل ولا غربية وإن أخذت وجمعت ما بين الاثنين، ووفّقت بينهما تبعاً للمصالح العليا للدولة والتوجيهات التي تسير عليها.

الزيارة التاريخية التي يقوم بها صاحب السمو إلى موسكو هي الأولى التي تتم بصفته أميراً لدولة الكويت، وإن كانت هذه العاصمة تعرف تماماً مكانة وحجم ودور سموه عندما كان يتبوأ منصب وزير الخارجية أو منصب رئيس الوزراء.

فهو مؤسس العلاقات الدبلوماسية بين دولة الكويت والاتحاد السوفيتي (11 مارس 1963) وباني تلك العلاقات يوم لم تكن دولة خليجية تقتحم هذا السور وتعلن عن افتتاح سفارة في أراضيها لدولة شيوعية عظمى، فقد اخترقت الكويت في حينه «مؤامرة الصمت» إن صح التعبير، ضد موسكو، على حد وصف السفير السوفيتي السابق بوغوت أكوبوف.

ارتبطت الكويت بعلاقات متينة مع الاتحاد السوفيتي، ثم روسيا الاتحادية، بعد الأزمة الأولى التي أعقبت الاستقلال وانتهت في حينه بسلسلة من التفاهمات والاتفاقيات التي كانت بحق مؤشراً إيجابياً لتحسن العلاقات فأول ملحقية ثقافية خليجية في موسكو افتتحتها الكويت ثم كرت السبحة. إضافة إلى أنها من أوائل الدول الخليجية التي منحتها قروضاً وقدمت إليها مساعدات غذائية، وعقدت معها اتفاقيات عسكرية، تم بموجبها تزويد القوات المسلحة الكويتية بصواريخ سام - 7.

على أن تتويج العلاقات بين الدولتين ظهر إبان الحرب العراقية ــ الإيرانية، وتعرض السفن وناقلات النفط الكويتية الى هجمات عسكرية إيرانية، مما اضطرها الى الطلب من الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن، ومنها الاتحاد السوفيتي برفع علم بلادها على ناقلات النفط الكويتية كي تعبر مضيق هرمز بسلام، وهو ما تحقق على أرض الواقع.

القبس أعدَّت ملفاً شاملاً، بالمناسبة التاريخية لزيارة صاحب السمو أمير البلاد والوفد المرافق، تناولت فيه عدداً من القضايا والمواضيع، منها الجانب التاريخي للعلاقة والوثائق الخاصة بمرحلة حكم الشيخ مبارك ودخول الروس على الخط الساخن، كذلك قصة «الفيتو» السوفيتي على عضوية دولة الكويت في مجلس الأمن، وشهادات حية من سفراء كويتيين وسوفيتيين وإعلاميين كويتيين عاصروا مراحل زمنية في مسيرة التطور التي شهدها البلدان على مدى أكثر من مائة عام.
القبس

أهلا ومرحباً بأميـــر الإنـسانيـة

من التقليدي بالنسبة لروسيا والكويت أن تعيرا اهتماما بالغا لتطوير وتعزيز تعاونهما المثمر.

كانت الكويت هي الأولى في دول الخليج التي أقامت علاقاتها الدبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي السابق وذلك في مارس عام 1963، حيث مازلنا نعمل معا منذ ذلك الحين من أجل الارتقاء بصلاتنا الى الامام في كل المجالات وعلى جميع المستويات.

هذا.. ونستطيع أن نعتز، بلا مبالغة، بنزاهة وثقة ومصداقية حوارنا السياسي حول أهم القضايا العالمية والاقليمية، حيث يستمر التبادل الكثيف لزيارات ممثلي بلدينا الكبار ومن بينهم اصحاب المعالي الوزراء ووكلاء الوزارات المختصة والبرلمانيون والنشطاء المجتمعون. ويتنشط تعاملنا الثقافي حيث تستضيف الكويت العديد من الفنانين الروس مما يتيح الفرصة الجيدة للمزيد من التقارب بين بلدينا.

لكن هذه الانجازات كانت حتى وقت غير بعيد تستبق مسيرتنا بالاتجاه الاقتصادي الذي لم تتطابق قدراته الحقيقية مع واقعه، حيث لم يتجاوز حجم التبادل التجاري بين دولتينا الـ 50 مليون دولار اميركي.

ومن اجل تحسين مثل هذا الوضع في أسرع ما يمكن، لا تدخر قيادتا بلدينا جهودهما وتتخذان خطوات متتالية من شأنها وضع اساس متين لتحفيز وتائر تطور علاقاتنا الثنائية في هذا المجال المهم جدا، حيث عقد على سبيل المثال في مارس الماضي، الاجتماع الرابع للجنتنا الحكومية المشتركة، وقام رؤساء أبرز شركات بلدينا أخيرا بتبادل زياراتهم سعيا إلى خلق الظروف الملائمة للدخول في أسواق بعضنا البعض، بما فيه المشاركة في تنفيذ أكبر المشاريع التنموية والاستثمارية مما يعود بالمنفعة المتبادلة على بلدينا وشعبينا الصديقين.

وسوف تسهل تحقيق هذا الهدف الشريف بشكل بالغ، زيارة حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت الى روسيا الاتحادية في 9 نوفمبر الجاري، والتي ستصبح نقلة نوعية في علاقاتنا وستعطيها دافعا أقوى بكل الاتجاهات خلال الفترة الراهنة وقياسا للمستقبل على حد السواء.

وتعتبر هذه الزيارة، التي نتطلع جميعا اليها منذ زمان، تاريخية من نوعها، حيث لم يأت الزعيم الكويتي إلى بلادنا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

وان حضرة صاحب السمو ضيف عزيز ومرحب به في روسيا التي يعرفها سموه جيدا، وقد زارها عدة مرات في السنوات الماضية بصفته وزير خارجية الكويت او بشكل فردي او ضمن الوفود الكويتية السامية، مثلما كان اثناء زيارة امير القلوب الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح رحمه الله، للاتحاد السوفيتي في نوفمبر 1991.
وإذ اتمنى للعلاقات الكويتية ـ الروسية مزيدا من التطور والتوسع والرسوخ ولمحادثات سموه مع رئيس روسيا الاتحادية النجاح التام، انتهز هذه الفرصة لأقول أهلا وسهلا ومرحبا بضيفنا العزيز أمير الإنسانية والوفد الرفيع المرافق لسموه في روسيا الاتحادية.

اليكسي سولوماتين
سفير روسيا الاتحادية لدى دولة الكويت

فصل جديد في علاقات البلدين

«تعود العلاقات الكويتية ـ الروسية بجذورها الى مطلع القرن العشرين، عندما قامت السفن الروسية العسكرية التابعة لأسطول روسيا القيصرية بزيارات متكررة لشواطىء الكويت منذ فبراير سنة 1900، حيث لقي ركابها من قباطنة وبحارة ودبلوماسيين روس كل الترحيب وحسن الضيافة من اسد الجزيرة الشيخ مبارك الصباح.

كما شهدت علاقات البلدين خلال العصر الحديث تطورا قاده حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه.. عندما كان وزيرا للخارجية، لتصبح الكويت أول دولة خليجية تتبادل التمثيل الدبلوماسي مع الاتحاد السوفيتي في 11 مارس سنة 1963.. وبعد تحرير دولة الكويت من الاحتلال العراقي الغاشم في فبراير سنة 1991.. شجع وحث سموه، رعاه الله، اشقاءه في الدول الخليجية لتطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع روسيا الاتحادية الوريث الشرعي للاتحاد السوفييتي.. تقديرا لموقفه المعارض والشاجب للغزو العراقي للكويت، ولمساندته قرارات مجلس الأمن الدولي وخطوات التحالف الدولي لتحرير الكويت.

كما ان هناك محطات تاريخية في علاقات البلدين لا يمكن تجاوزها.. ونخص بالذكر هنا اسوأ مراحل الحرب العراقية - الإيرانية وتصعيدها الخطير بما كان يعرف بحرب الناقلات.. الذي شكل تهديدا مباشرا لامن الكويت وأسطول ناقلاتها.. حيث وافق الاتحاد السوفيتي عام 1987 على طلب دولة الكويت برفع علمه على الناقلات الكويتية وتأمين حمايتها.. اضافة لمساهمة الشركات الروسية ضمن جهود مكافحة حرائق الآبار النفطية بعد تحرير الكويت.

وعلى الرغم من الرمزية التاريخية لعلاقات البلدين.. والرغبة الصادقة للقيادتين لتطوير العلاقات على جميع الصعد.. فان العلاقات التجارية والاقتصادية، التي لا ترقي لطموح البلدين.. ويمكن ارجاع ذلك الى التحولات السياسية والاقتصادية التي شهدتها روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي.. وانتقالها من الاقتصاد الاشتراكي الى اقتصاد السوق.

ومن المتوقع ان تشهد العلاقات الكويتية ـ الروسية دفعة كبيرة تتمثل بالزيارة المرتقبة لحضرة صاحب السمو الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، الى روسيا الاتحادية خلال شهر نوفمبر عام 2015.. حيث تكمن اهمية زيارة سموه، رعاه الله، باعتباره مؤسسا للعلاقات الدبلوماسية الكويتية السوفيتية... فاضافة الى المكانة الدولية التي يتبوأها سموه.. فانه يحظى في روسيا باحترام وتقدير كبيرين.. كما تربطه علاقات صداقة وثيقة مع العديد من المسؤولين الروس.

من المؤكد ان زيارة سموه لروسيا الاتحادية من شأنها ان تعلن عن بدء فصل جديد في علاقات البلدين التاريخية.. وسوف تفتح آفاقا واسعة من التعاون والتنسيق على كل الاصعدة والمجالات.. حيث سيتم التوقيع خلال الزيارة على عدد من الاتفاقيات الثنائية ومذكرات التفاهم.

ومما يزيد من اهمية الزيارة انها تأتي في وقت يعصف بمنطقتنا العربية العديد من اوضاع عدم الاستقرار والصراعات.. التي أدت الى ضبابية في المواقف وخلط للاوراق.. مما تطلب معه تدخل الحكماء لتقريب وجهات النظر وتحكيم العقل.. خاصة مع عودة الدور الروسي الفاعل في احداث المنطقة».

عبدالعزيز العدواني

سفير دولة الكويت لدى روسيا الاتحادية

حوار تاريخي سجله الشاهين
عندما احتل الشيخ صباح الأحمد العالم

أورد الأستاذ سليمان ماجد الشاهين واقعة معبرة في كتابه {الدبلوماسية الكويتية بين المحنة والمهن} عن المفاوضات التي جرت عام 1981 والحوار الذي دار بين صاحب سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد وأندريه غروميكو، كوزير للخارجية، معدداً الصفات الشخصية له، حيث سيجعل التاريخ منه الوجه الآخر للسياسة الخارجية للكويت، نظراً لما يملكه من قدرات صقلتها التجارب العملية، وقدمته باعتباره القاسم المشترك في أي عملية وساطة أو مبادرة أو مفاوضة، مضيفاً انه قام في شهر أبريل 1981 بزيارة الاتحاد السوفيتي، وعبر طاولة المفاوضات كان غروميكو وصحبه، ومن خلال الاجتماع كانت هناك أوقات يقتنصها المفاوض ليطرح بعض بالونات الاختبار ليبلغ عن موقف، أو يكتشف هدفا، وإذ تقدم للشيخ صباح الأحمد بقائمة تحوي أنواعاً من الأسلحة قدرها السوفيت بأنها تزيد على حاجة الكويت، وأمسك السيد غروميكو بالقائمة الطويلة وبكل جدية السوفيت، وبعد أن أنزل نظارته فاستقرت على أرنبة أنفه، نظر إلى الشيخ صباح ليقول بهدوء ثلجي، يبدو أن رفيقنا الشيخ صباح لديه خطط لاحتلال العالم، فما كان من معاليه إلا أن أجاب: نعم كدولة صغيرة استطيع أن احتل العالم ولكن بالسلام والحب وليس بالتهديد والحرب.

** قائمة الأسلحة التي قدمها معالي الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح إلى السوفيت، إذ ذلك تضمنت تفاصيل أسلحة للعراق تعهدت الكويت بالحصول عليها كمساعدة لدعم العراق.. ولكن الغدر اثبت مصداقية الشاعر:

«ومن يجعل المعروف في غيره أهله..
يكن حمده ذماً عليه ويندم».

جولة في الآفاق الإعلامية والسياسية

«دبلوماسية العيون» عجّلت بافتتاح سفارة الإمارات في موسكو

تعتبر العلاقات الكويتية - الروسية من أقدم العلاقات الخليجية وربما أعمقها على مستويات مختلفة، حيث يعود تاريخ بدء العلاقات الدبلوماسية بين الكويت وموسكو إلى عهد الاتحاد السوفيتي، حيث كانت الكويت أول دولة خليجية تقيم علاقات دبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي وتم افتتاح سفارة للكويت عام 1963 بعد افتتاح سفارة سوفيتية في الكويت في العام نفسه.

وقد سبق ذلك مبادرة وكالة كونا بتعيين مراسل صحافي غير متفرغ لها في موسكو، تطور التمثيل فيما بعد إلى افتتاح مكتب لـ«كونا» في العاصمة السوفيتية وفي يناير 1985 تم تعييني كأول مراسل صحافي كويتي لـ«كونا» في العاصمة السوفيتية بعد عملي لفترة لم تمتد طويلا في العاصمة الهندية نيودلهي.

هناك كثير من العلامات البارزة في مراحل التطور التاريخي للعلاقات بين الكويت والاتحاد السوفيتي ولعل أهمها إعادة رفع العلم السوفيتي على الناقلات الكويتية بسبب الظروف التي صاحبت الحرب العراقية - الإيرانية ويمكن تسمية هذه المرحلة ببدايات مرحلة العلاقات الاقتصادية بين الدولتين.

علاوة على العلاقات الدبلوماسية العريقة بين موسكو والكويت فقد تميزت الكويت أيضا بعلاقات ثقافية أدت إلى إنشاء أول ملحقية ثقافية خليجية في العاصمة السوفيتية نتيجة تدفق عدد من الطلبة الكويتيين وان كان محدودا آنذاك مقابل منح دراسية سوفيتية توزع معظمهم بين موسكو ومدن أخرى وكانوا يدرسون تخصصات في مجال الطب.

وعلى المستوى الثقافي، استذكر صدور توجيه سامٍ للأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد رحمة الله عليه، للسفارة الكويتية بتزويد الديوان الأميري بدراسة عن مدارس المبدعين التي تميزت وعرفت فيها الاتحاد السوفيتي آنذاك.
وكانت فكرة المدارس تنحصر برعاية الطلبة المتميزين بعلوم محددة وتوفر لهم البيئة التربوية والتعليمية لرعاية الموهوبين والمبدعين ضمن مدارس خاصة فيهم. أدركت حينها سبب الاهتمام الشديد لدى الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد بتبني فكرة مدارس المبدعين وتطبيقها في الكويت.

تميزت مرحلة الثمانينات أيضا بزيارات لوفود علمية وثقافية منها زيارة لوفد من جامعة الكويت برئاسة الأخ الدكتور عبدالمحسن العبدالرزاق مدير الجامعة والأخ الدكتور احمد بشارة نائب مدير الجامعة والأخت الدكتورة رشا الصباح نائبة مدير الجامعة إلى جانب زيارة لوفد لمعهد الكويت للأبحاث العلمية برئاسة الأخ الدكتور حمود الرقبة رحمه الله، مدير المعهد.

أما على الصعيد السياسي، فقد استحوذ تولي رئاسة الحزب الشيوعي السوفيتي ميخائيل غورباتشوف في مارس 1985 خلفا للزعيم السوفيتي قسطنطين تشيرنينكو، اهتمام ومتابعة دقيقة للكويت للمتغيرات والتحولات التي أعلن عنها غورباتشوف والتي عرفت بسياسة «غلاسنوست والبرويستريكا»، أي العلانية وإعادة البناء.

وكانت من أول الكتب التي خرجت إلى النور أيام غورباتشوف وتناولت العلاقات السوفيتية-الشرق أوسطية لمراسل صحيفة الغارديان لدى موسكو مارتن ووكر بعنوان The awaking Giant (العملاق المستيقظ) وكانت لي مساهمة متواضعة فيما يخص العلاقات السوفيتية-الخليجية.

وفي مرحلة نهاية الثمانينات وقبل الغزو الصدامي، علمت بتحفظ لوزارة الخارجية السوفيتية لترشيح السفير عبدالمحسن الدعيج سفيرا للكويت لدى الاتحاد السوفيتي ( وهو ما أكده شخصيا السفير) وحصرت موسكو تحفظها بأن مستوى العلاقات بين الكويت والاتحاد السوفيتي يتطلب سفيرا مخضرما ذا خبرة دبلوماسية، وليس ترشيح سفير ترقى حديثا لرتبة سفير وأن تكون أول محطة دبلوماسية له موسكو!
أتذكر أن وزارة الخارجية الكويتية تدخلت بثقل لإقناع القيادة السوفيتية بالترشيح وهو ما تم فعلا، إلا أن العلاقات بين وزارة الخارجية السوفيتية والسفارة الكويتية تأثرت وربما أصابها بعض الفتور وهو ما حدثني عنه في أكثر من مناسبة دبلوماسيون سوفيت وصحافيون أيضا!

في هذه المرحلة برزت «ثورة طبية» جديدة لسيفتسلاف فيدروف في 1988، الطيار الحربي السابق والذي أصبح طبيبا مشهورا للعيون ومختصا في تشطيب القرنية وهي ولادة لما أسميته في تقارير صحافية سابقة بـ «دبلوماسية العيون» التي قادت إلى تدفق إعدادا من المرضى الكويتيين وكذلك الخليجيين، وعجلت أيضا بافتتاح سفارة دولة الإمارات الشقيقة وتلاها بعد ذلك افتتاح سفارة لدولة قطر الشقيقة. من محاسن الصدف النادرة أن يكون السكرتير الأول القطري في تلك الفترة الصديق السفير رياض الانصاري، زميل الدراسة في الولايات المتحدة وأيضا اثناء فترة العمل في الهند!

توجت العلاقات المميزة بين الكويت والاتحاد السوفيتي بعلاقة حميمة بين حضرة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد حين كان وزيرا للخارجية مع نظيره السوفيتي غروميكو ولعبت هذه العلاقات دورا بارزا على الساحتين الدولية والشرق أوسطية باعتبارهما أقدم وزراء الخارجية في العالم.

خلال الأيام الأولى من الغزو برزت متانة العلاقات الإعلامية بين موسكو والكويت التي دشنها الأخ الكبير برجس البرجس رحمه الله، مدير عام كونا حيث سمحت صحيفة البرافدا، الناطقة باسم الحزب الشيوعي السوفيتي بنشر مقال لي عن ظروف الغزو والأوضاع داخل الكويت، وكان بمنزلة تجاوز لمنهج وسياسة البرافدا التي تسمح بالنشر لكتاب من أصحاب الفكر الشيوعي فقط.

إلى جانب ذلك فتحت وكالة أنباء تاس السوفيتية الرسمية أبوابها لبث الأخبار التي كنا نتسلمها عبر شبكة مكاتب «كونا» بالفاكس، إضافة إلى استضافتي من قبل وكالة نوفستي الرسمية للمعلومات والنشر ندوة مخصصة عن ظروف الغزو ومعاناة الشعب الكويتي بالداخل وخارج الكويت.

حال الغزو وتوقف بث «كونا» وتركيز الوكالة على محنة الكويت عن استكمال مسيرة التميز الإخباري والسبق الصحافي الذي تمتعت فيه «كونا» لسنوات طويلة في الاتحاد السوفيتي، خصوصا مرحلة بدايات انهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي.

بالرغم من كل هذا فإن الاتحاد السوفيتي كان آخر دولة عظمى في استقبال وفد الكويت برئاسة صاحب السمو الأمير بصفته وزيرا للخارجية، وكان السبب يكمن في رغبة القيادة السوفيتية في « التريث» في الإعلان عن موقفها رسميا من الغزو حتى يتم استكمال «تحليل» كافة المعلومات المتعلقة بالغزو ومدى «علاقة « واشنطن في الغزو علاوة على (استنفاد) الجهود السوفيتية في التفاهم مع نظام صدام.

و أتذكر حينها أن صاحب السمو الأمير بصفته وزيرا للخارجية كان قد انتهى من جولة شملت الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وبدأ بزيارة دول الجوار وكانت ان لم تخن الذاكرة إيران المحطة الأولى! الا ان موسكو أصرت على تأجيل الزيارة من اجل «استيضاح» ملابسات والمعلومات المتعلقة بالغزو ربما بسبب المعلومات التي تم تداولها عن المحادثات الأخيرة بين السفيرة الأميركية لدى العراق والمقبور صدام، إضافة إلى تنبؤ بعض مراكز الأبحاث الأميركية بالغزو! فيما بعد أعلن الاتحاد السوفيتي رسميا وقوفه مع الكويت ودعمه للشرعية وبدأت سلسلة الاتصالات والزيارات إلى بغداد بهدف إقناع نظام صدام بالانسحاب من الكويت، إلا أن الجهود السوفيتية اصطدمت بتعنت صدامي، ولم يكن أمام موسكو والعالم سوى تأييد الخيار العسكري في تحرير الكويت.

خالد أحمد الطراح

* كبير مراسلي مكتب وكالة الأنباء الكويتية (كونا) لدى موسكو
1985 - أكتوبر 1990

مبنى بلدية موسكو سحب إلى الوراء لتوسعة الشارع

رافق سكرتير الحزب الشيوعى لمدينة ليننغراد مع عدد من المسؤولين الوفد البرلماني الكويتي برئاسة خالد الغنيم. واثناء زيارة الوفد لمبنى بلدية موسكو وهو مبنى تاريخي، لأن احد جنرالات الجيش الروسي اثناء حكم القيصر اعلن من على شرفة ذلك المبنى انتصار روسيا القيصرية على اليابان عام 1903(أو خمسة). لهذا عندما اريد توسعة الشارع لم تهدم بل سحبت الى الوراء بطريقة هندسية خاصة كي تبقى معلما. واتبع نفس الشيء بالنسبة لبيوت الامراء والاغنياء التي كانت تعتبر معالم بارزة، حيث تحولت الى متاحف وبعضها تم تأجيره للسفارات الغربية على ان تتولى دائرة الآثار للفنون ترميمها اذا لزم الامر. وبيت تاجر السكر الذي كان يساعد لينين ماديا بالسر تحول الى بيت الضيافة لوزارة الخارجية. يستقبل فيه كبار الزوار من الملوك والرؤساء والسفراء للسلام عليهم.

الكويت لم تستفد من المنح الدراسية السوفيتية

عملت سفيراً في موسكو، عاصمة الاتحاد السوفيتي السابق، في الفترة ما بين نوفمبر 1969 الى 24 سبتمبر 1973. لمست اثناء عملي أن وزارة الخارجية السوفيتية تقدر وتثمن قرار دولة الكويت ومبادرتها بالتبادل الدبلوماسي مع الاتحاد السوفيتي. لكونها اول دولة خليجية، تكون لها سفارة في موسكو. لقد كان اول سفير تم اعتماده هو السفير سعيد شماس. وتم ذلك بعد انتساب دولة الكويت الى الأمم المتحدة. والسفير الثاني هو السفير فيصل الصالح المطوع. وأنا كنت السفير الثالث.

لقد كانت العلاقات بين دولة الكويت والاتحاد السوفيتي جيدة وطبيعية. والعلاقات تسير بشكل طبيعي. ولا يتردد الجانب الروسي في تقديم المساعدة اللازمة لحسن سير العمل وراحة الدبلوماسيين. وبعد توقيع اتفاق ثقافي بين البلدين أعطت روسيا عشر منح دراسية سنويا لطلبة كويتيين، واثناء عملي في موسكو كان عدد الطلبة قرابة خمسين طالباً يدرسون بموجب المنح في جامعات الاتحاد السوفيتي، وفي مدن مختلفة.

اكثرهم كان في كليات الطب. ولم يزدد العدد مع مرور الوقت، بسبب عزوف الطلبة الكويتيين عن الذهاب الى روسيا. ويرجع ذلك الى الفهم الخاطئ في المجتمع الكويتي بما فيه، وزارة التربية والتعليم. وتأكد لي ذلك من حديث مع وزير التربية في منزل السفير خالد جعفر في بيروت، اثناء دعوة غداء، عندما نقلت له عتب سوخين المسؤول عن التعليم والبعثات على دولة الكويت التي لا تغطي عدد المنح الدراسية المعطاة لها بموجب الاتفاقية الثقافية، لهذا لا يتزايد عدد الطلبة الكويتيين. فكان رده ما معناه «لا نشجع الدراسة في دولة شيوعية، لكي لا يتأثر الطلبة بالفكر الشيوعي». وكان جوابي له: إنه على العكس. وذكرت له ما كان يقال عن الامير نورودم سيهانوك (1941 ـــ 1970) رئيس كمبوديا. حيث كان يرسل الابن الذي يريده أن يكون معارضا للشيوعية الى موسكو. والابن الذي يريده أن يكون لديه ثقافة شيوعية الى باريس. ولكنه لم يقتنع. لهذا لم تستفد الكويت من المنح. وفي السنة الأخيرة من عملي هناك، وبعد مقابلة مع سوخين، وحديثه عن الاتفاق الثقافي، قلت: قد تكون اللغة هي العقبة امام الطلبة الكويتيين. وأضفت: حبذا لو وافقت الجهات المختصة السوفيتية على أن تحول المنح التي لا يأخذها الجانب الكويتي الى الطلبة الفلسطينيين الذين يكملون دراستهم الثانوية في الكويت. فإذا به يرحب ويزيد العدد الى عشرين طالبا. ولكن غادرت الى الاردن بعد فترة قصيرة، وتمكّن فلسطينيان من الحصول على المنحة.

ما سبق يعطي الدلالة على مكانة السفارة الكويتية في موسكو. وطبيعة التعامل مع روسيا او مع الدول صاحبة العراقة الدبلوماسية.

الشعب الروسي ليس لديه توجه عنصري تجاه الاجانب. بل على العكس. يحترم الاجنبي ويقدم له المساعدة الممكنة عند اللزوم. وهو شعب ثقافته جيدة. يعشق الفن الراقي بأنواعه المختلفة. يحب المجاملات. وقد يكون هذا بسبب شعوره بأن المجتمع الاميركي، والغربي بشكل عام ينتقده.

يتقبل الهدايا ويعتبرها تقديراً له ورغبة في تقوية الصداقة. لهذا كنت أغتنم المناسبات، مثل رأس السنة الميلادية، وعيد العمال، وعيد الثورة وعيد المرأة، وعيد الجيش وهو عيد الرجل، وأرسل الهدايا المناسبة. فلعيد المرأة كنت أرسل سلال ورد لزوجة برجينيف سكرتير عام الحزب الشيوعي واخرى الى تيرشكوفا اول رائدة فضائية، وهدية اخرى مناسبة الى العاملات في قسم الشرق الاوسط في وزارة الخارجية ومن له علاقة في عمل السفارة، وهكذا في كل المناسبات.

في اعتقادي ان العرب الذين تقربوا من الاتحاد السوفيتي اختلط عليهم فهم معنى الصداقة وتبادل المصالح والتحالف، وخلطوا بينهما.

اليهود الروس

كان ياسر عرفات يزور موسكو أكثر من مرة في العام الواحد مع وفد كبير. ولكن لا اظنه طرح موضوع هجرة اليهود الروس الى اسرائيل، حيث كان يهاجر كل عام ما بين اربعين ألفاً وخمسة وسبعين ألفاً سنويا، وهذ لم يكن سرا، بل يكتب عنه في الصحف الروسية، وهو يتم بناء على ضغوط اميركية وغربية. وهؤلاء اليهود هم الذين ينتمون الى اليمين المتطرف اليوم.
في احدى مقابلاتي لرئيس دائرة الشرق الاوسط طرحت موضوع هجرة اليهود. ولكنه امتعض واخذ يتكلم بعصبية. واخرج من درج مكتبه ملفا واخذ يتكلم عن اعداد هجرة اليهود من دول المغرب العربي ودول عربية اخرى. وقال ان اليهود يذهبون الى اسرائيل لكي يذهبوا لاحقا الى أميركا.

وجود اليهود في الجامعات والمراكز الحيوية الاخرى كان كثيرا. ففي معهد الدراسات الشرقية او الاستشراق، كما كان يسمى، وهو معهد يعد الدراسات للقيادة السوفيتية، كانت نسبة الاساتذة اليهود قرابة %60، كما اخبرني مديره البروفيسور سلطانوف. علمت ذلك من خلال تعرفي على البروفيسور بندرفسكي الذي زارني وقدم كتابه عن الشيخ مبارك الصباح. وابدى استعداده لزيارة الكويت وإلقاء محاضرة في جامعة الكويت. وبالفعل حصلت الموافقة من وزارة التربية للزيارة، ولكن الجانب الروسي لم يوافق؛ لهذا زرت مدير المعهد سابق الذكر وتباحثت معه حول الزيارة، الا انه اعتذر، بحجة ان الوقت لا يسمح لحاجة المعهد الى البروفيسور للتدريس. وبعد ايام قليلة زارني مدير المعهد واستقبلته في المنزل، فقال لي: لم أتمكن من مصارحتك في مكتبي، لاسباب سياسية؛ لذا أتيت اليك. لدي في المعهد حوالي %60 من اليهود، والحكومة لن تسمح لبندرفسكي بالسفر الى الخارج، لانه يهودي، خشية ألا يعود. بعد سقوط الاتحاد السوفيتي زار بندرفسكي الكويت، ولكن لم اسمع عن ترجمة كتابه من الروسية الى العربية. لقد تركت نسختي في السفارة عندما غادرت موسكو.

أثناء زيارة الوفد البرلماني الكويتي الى الاتحاد السوفيتي برئاسة رئيس مجلس الامة خالد الغنيم في صيف 1973 قوبل باهتمام، حيث وضعت طائرة خاصة لتنقل الوفد من موسكو الى ليننغراد، وآذربيجان، ثم الى موسكو. في تلك الزيارة اثار النائب السابق عبدالكريم الجحيدلي ـــ رحمه الله تعالى ـــ موضوع الهجرة، ولكن الجانب الروسي تهرب من الجواب.

اثناء عملي في موسكو لمست أن الشعب السوفيتي (حيث كان خمس عشرة جمهورية) في سجن كبير. يعمل وفق الخطة والمنهج اللذين تضعهما القيادة العليا، وينفذان من خلال اشراف مسؤول الحزب في المصنع او المؤسسة. لهذا؛ لم تتحسّن المصنوعات إلا في مجال الأسلحة الحربية. اما حاجة السوق والشعب فقد كانت ثانوية. ولكن بالنسبة الى القادة فقد كان لهم كل مستشفياتهم الخاصة والمحال التجارية التي فيها كل المنتجات الأوروبية من مأكل وملابس. وسيارات الجايكا كانت تصنع لسكرتير عام الحزب ومن حوله ويمنع بيعها على الغير.

وبما أنني أعارض الفكر الشيوعي، لأنه يحتكر حرية الإنسان فكرا وجسدا ويجعله شبه قطعة غيار في آلة تعمل لقيادة، فرضت نفسها على الشعب، وأعطت نفسها كل الصلاحيات ورفاهية العيش وملذاته؛ لهذه الاسباب تأخّر تطور انتاج الفرد. وعاش محروما من التطور والابداع، مع انه يملك القدرة. وكان اعلامه لا يطلعه الا على جرائم وعنصرية اميركا ويمنع وصول الاذاعات الغربية. وجدت الاتحاد السوفيتي كالمصارع الذي يظهر عضلات مخيفة ويخشاه الآخرون، ولكن عائلته او شعبه يسكن كوخاً.

من يرد ان يعرف العلاقة الروسية ـــ الاسرائيلية يرجع الى قراءة وثائق مجلس الامن الدولي اثناء بحث قيام دولة اسرائيل. خطابات غروميكو مندوب السوفيت ووزير الخارجية لاحقا، حيث كانت مشابهة بالتأييد للمندوب الاميركي. ولكن الحرب الباردة جعلت الروس يستفيدون من عداء العرب لأميركا والغرب، والعرب ناموا على مخدة الاحلام بأن الروس حلفاء سينصرونهم. ونسي العرب المثل القائل «ساعد نفسك الله يساعدك»!

أحمد غيث
سفير دولة الكويت لدى الاتحاد السوفيتي 1969 - 1973

مكانة خاصة للكويت في العلاقات مع الاتحاد السوفيتي وروسيا الاتحادية

أود في البداية أن أتقدم بخالص الشكر لصحيفة القبس الغراء، لانها لا تنسى كتابها القدامى، فقد اتيح لي النشر على صفحات هذه الجريدة الغراء التي أكن لها كل الاحترام، خلال فترة السنوات 1983 - 1986. عندما كنت اعمل سفيرا للاتحاد السوفيتي لدى الكويت.

واليوم اغتنم هذه المناسبة لكي اعرب عن بعض الافكار والتقييمات المرتبطة بإقامة العلاقات وتطويرها بين بلدينا.

تحدوني قناعة كاملة، ويشاركني فيها الكثيرون من ابناء بلدي، ومن بينهم المستعربون المحترفون، بأن الكويت لها مكانة خاصة من بين كل الدول العربية الخليجية الاخرى في العلاقات مع الاتحاد السوفيتي وروسيا.

لا اقول ذلك لان الكويت كانت اول بلد أعين فيه سفيرا، وتركت فيها جزءاً من قلبي، وانما لان الكويت في تلك الاوقات العصيبة اضطلعت بدور الريادة بين الدول العربية الخليجية في اقامة العلاقات الدبلوماسية مع بلدنا كاملة غير منقوصة، اي مع افتتاح السفارة في كل من موسكو والكويت، كان هذا اختراق (لمؤامرة الصمت) مع دول الخليج ضد موسكو، وخطوة شجاعة من قبل القيادات الكويتية وبعد مرور اكثر من نصف قرن يجدر بنا ان نتذكر كيف جرى اتخاذ هذه الخطوة، ففي الحادي عشر من مارس 1963 وجه سفير الاتحاد السوفيتي آنذاك في الولايات المتحدة الاميركية أناتولي دوبرينين مذكرة الى القائم المؤقت بالاعمال الكويتي لدى واشنطن طلعت الغصين، جاء فيها: «سعادة القائم المؤقت بالاعمال،، اتشرف بالتأكيد على استلامي مذكرتكم التي تخبروني فيها بأن حكومة الكويت تتوجه الى حكومة الاتحاد السوفيتي بطلب الاعتراف بدولة الكويت، وتعرب في ذات الوقت عن رغبتها في اقامة علاقات دبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي، وتبادل البعثات الدبلوماسية على مستوى السفارات.

لقد كلفتني الحكومة السوفيتية بأن أخبركم بأن حكومة اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية تعترف بدولة الكويت، ورغبة منها في تطوير علاقات الصداقة والتعاون مع كل البلدان، فإنها توافق على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفيتي والكويت، وعلى تبادل الممثليات الدبلوماسية على مستوى السفارات».

وبالتالي، تم توثيق الاتفاق بين كلتا الحكومتين على هذه المسألة من خلال تبادل المذكرتين في 11 مارس عام 1963 بين أناتولو دوبريفين وطلعت الغصين.

وتجدر الاشارة هنا إلى أن القيادة الكويتية لم تكتف بإقامة العلاقات الدبلوماسية بين بلدها والاتحاد السوفيتي، بل سعت بهمة وحماسة إلى دفع الدول الخليجية الأخرى للسير على نهج الكويت.

وأنا أعلم ذلك من تجربتي الشخصية، وكنت شاهد عيان بنفسي، عندما حدثني صاحب السمو أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، طيب الله ثراه، عما يبذله من جهد في هذا الاتجاه، وقدم لي مساعدة شخصية بالاتفاق مع الإمارات العربية المتحدة على استقبالي من قبل رئيسها، آنذاك، الشيخ زايد آل نهيان، طيب الله ثراه، ونتيجة لذلك وقّعت في منتصف عام 1985 مع وزير الدولة للشؤون الخارجية للإمارات العربية المتحدة الراشد محضراً حول افتتاح سفارة للاتحاد السوفيتي في أبوظبي، وسفارة للإمارات العربية المتحدة في موسكو.

هذه مجرد مشاهد بسيطة تدل على دور الكويت في إقامة وتطوير العلاقات بين بلدنا والدول الخليجية.

وإذ أتحدث عن سياسة الكويت، فإنني أود هنا التأكيد على عمق وحكمة هذا النهج الذي اختير بوعي ليتفق مع المصالح الوطنية للبلاد، نهج ثابت لا يمكن

واقعة خروشوف

أن تؤثر عليه ظواهر جانبية أو إساءات تافهة، لأنه بالإضافة إلى ذلك نهج مبدئي، وأود أن أضرب مثلاً من أحداث ذلك الزمان، باعتباري - على ما يبدو - أحد القليلين الذين ما زالوا على قيد الحياة من شهود العيان على أحداث ذلك الزمان.

في منتصف مايو عام 1964، قام نيكيتا خروشوف بزيارة مصر، وكانت أنظار العالم كله متجهة إلى هذه الزيارة، وجرى استقبال خروشوف على أعلى مستوى شعبي. بدوره، قام خروشوف بمدح مصر، وخلال لقائه مع العمال في دار النقابات بالقاهرة، حاول أن يبين تأييده لجمال عبدالناصر، وفجأة أدلى بالتصريح التالي: «ها أنتم هنا تقومون بتحولات اجتماعية واقتصادية تقدمية لمصلحة العمال والكادحين، بينما هناك في الكويت يقوم الشيوخ بالاستحواذ على ثروات النفط...».

هذا التصريح الأحمق للزعيم السوفيتي لم يكن له أي مناسبة بالمرة، وأثار الحيرة ليس لدى جروميكو فقط الذي كان يرافق خروشوف، بل وحيّر المصريين أنفسهم، حاولت كل الجهات تسوية الأمر، وعدم نشر هذا الجزء من خطابه في الصحافة، واتهام المترجم بعدم الدقة في الترجمة، ولكن خطاب خروشوف كان ينقل على الهواء مباشرة عبر الإذاعة. ولذا، علم الجانب الكويتي بتفاصيله، وجرت تظاهرات قرب السفارة السوفيتية في الكويت، ولكن الشيخ جابر الصباح أمير الكويت أبدى حكمة يحسد عليها، ولم يبد أي اهتمام بالهجوم (غير الودي) لخروشوف، هو بنفسه قالي لي ذلك شخصياً عندما عينت سفيراً لبلدنا في الكويت سنة 1983، وأسعدني الحظ بلقائه مرات عدة خلال عملي من 1983 حتى عام 1986 في الكويت.

تجربتي في الكويت

كما أسعدني الحظ بلقاء وزير خارجية الكويت، آنذاك، الشيخ صباح الأحمد، الذي يلقب بأمير الدبلوماسية عن جدارة، التقيت به مرات عديدة، وفي ظروف وأحداث مختلفة بعضها سار، وأكثرها يمكن وصفها بالعصيبة، وكان في كل اللقاءات وكل الأحوال مبتسماً دائماً. أكثر ما لفت نظري في هذه الشخصية المرموقة الذي أصبح الآن أميراً لدولة الكويت هو أن الابتسامة لا تفارقه أبداً ويأسرك بها. وأود أن اغتنم هذه المناسبة لأضيف انطباعي الشخصي عن لقاءاتي به. أول ما خطر على بالي هو اتزانه وهدؤه وسلاسة تفكيره وحكمته البالغة، وفي الوقت ذاته تجد أمامكم كل صفات المواطن الكويتي البسيط.
وأكثر ما أتذكره على وجه الخصوص من هذه اللقاءات آنذاك عيناه اللتان تشعان ذكاء وبريقاً، تشعرانك بأنه يراك كلك من داخلك ويعرف أفكارك وما يدور في ذهنك، عيناه ونظرته ذكرتاني بعيني ونظرة جمال عبدالناصر - مثل نظرته، حادة ولكنها طيبة!

وأرى أن ما وصلت إليه العلاقات والتعاون بين بلدينا من مستوى يتوقف بدرجة كبيرة على جهود هذا الرجل. ولا أنسى الجهود التي بذلها، أيضاً، رجالات الكويت الذين تشرفت بلقائهم ومعرفتهم كسفير لبلادي، ثم صديقاً شخصياً لهم، وهم وزير الدفاع الكويتي السابق الشيخ سالم صباح السالم طيب الله ثراه، والشيخ ناصر المحمد أطال الله في عمره، ووكيلا ووزارة الخارجية راشد الراشد وسليمان الشاهين، ومدير وكالة كونا السابق برجس البرجس رحمة الله عليه، وسفير الكويت في موسكو في فترتي عادل الجراح الله يرحمه.

ولا يمكن أن أغفل هنا أن فترة الانطلاق لتطوير العلاقات بين بلدينا كانت أثناء وجودي سفيراً في الكويت، ففي تلك الفترة نشطت العلاقات وتبادل الزيارات بصورة لافتة للنظر، وأبرزها زيارة الوفد البرلماني الكويتي برئاسة محمد العدساني إلى موسكو وليننغراد وطشقند، ورد عليها رئيس مجلس القوميات التابع لمجلس السوفيت الأعلى بزيارة الكويت، ثم زيارة الوفد العسكري الكويتي برئاسة وزير الدفاع الشيخ سالم الصباح إلى موسكو وليننغراد وطشقند وتيبليسي وسفستابول، ورد نائب وزير الدفاع السوفيتي جنرال الجيش ف.غوفورف الزيارة إلى الكويت، ثم زار الوفد الاقتصادي السوفيتي برئاسة ك.كاتوشيف رئيس لجنة الاقتصاد والتعاون الاقتصادي الخارجي، ورئيس بنك الاقتصاد الخارجي ف.غيراشنكو ووقعت اتفاقيات وعقود أرست أساساً متيناً لتطوير التعاون الاقتصادي والتجاري والتقني والعسكري بين الاتحاد السوفيتي والكويت.

ولكن كلا الجانبين يقران بأن مستوى التعاون حالياً أقل بكثير من الإمكانات المتوافرة لدى روسيا والكويت لرفعه إلى المستوى اللائق الذي يستجيب لتطلعات شعبينا.

ولذا، يعلّق شعبانا آمالاً واسعة على الزيارة المرتقبة لسمو الأمير الشيخ صباح الأحمد إلى روسيا، لتعطي دفعة نحو تنفيذ المشاريع المشتركة المهمة لكلا البلدين، فلنتمنى لها النجاح بإذن الله.

وفي الختام، أود اغتنام هذه المناسبة السعيدة لأعرب لأصدقائي في الكويت عن أطيب التمنيات بالصحة والسعادة، وللشعب الكويتي كله عن تمنياتي له بالأمن والسلام والازدهار.

بوغوت أكوبوف

رئيس رابطة الدبلوماسيين الروس سفير الاتحاد السوفيتي لدى الكويت من عام 1983 إلى 1986

العلاقات الثقافية من واقع التجربة
«بدائع الفن الإسلامي» افتتح في موعده رغم الغزو

تميزت العلاقات الثقافية بين الكويت وروسيا بالثبات والتطور منذ توقيع اول اتفاقية تعاون ثقافي متكاملة بين الكويت والاتحاد السوفيتي السابق في 27 مارس عام 1967، اي بعد اقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في 11 مارس عام 1963 بأربع سنوات فقط، ونصت على تبادل اقامة المعارض الثقافية والفنية، وعلى تبادل اقامة اسابيع الافلام السوفيتية والكويتية، وتبادل الحفلات الفنية والعروض الموسيقية... الخ.
والكل يذكر في الكويت زيارات مسرح البولشوي العريق والسيرك الروسي وفرقة موريسي للرقص الشعبي، والانطباع الباهر الذي خلفته هذه الزيارات لدى الجمهور الكويتي، ومنذ فترة مبكرة جرى تبادل اقامة المعارض للرسامين والفنانين التشكيليين من كلا البلدين وتبادل معارض الكتب ايضا.

وقد اسعدني الحظ بان اكون شاهد عيان بنفسي على هذا التبادل الثقافي النشيط بين الكويت والاتحاد السوفيتي، حيث عينت ملحقا ثقافيا في سفارة دولة الكويت عام 1977 واستمرت مهمتي في موسكو في هذا المنصب حتى يوليو 1992، اي حوالي 15 سنة شاهد عين على التطور الملموس الذي شمل الجانب التعليمي ايضا، حيث خصص الجانب السوفيتي لدولة الكويت 20 منحة دراسية سنويا للتعليم العالي في الجامعات والكليات والمعاهد السوفيتية مع 10 منح دراسية لرفع التأهيل لخريجي الجامعات والمعاهد العليا السوفيتية، وبالمقابل كانت جامعة الكويت تقدم ثلاث منح دراسية لدراسة اللغة العربية في مركز اللغات لمدة سنة واحدة.

واكثر ما لفت نظري في تلك الحقبة، هو ذلك الاقبال الكبير من الطلبة الكويتيين على الدراسة في الاتحاد السوفيتي، وعدم خشية اولياء الامور على ابنائهم من الدراسة في الاتحاد السوفيتي الذي يشكل بالنسبة للدول الخليجية الاخرى في ذلك الوقت «بعبعا ايديولوجيا»، وجاء ابناؤنا الكويتيون للدراسة في الاتحاد السوفيتي وهم واثقون من انفسهم ومتمسكون بعقيدتهم واخلاقهم التي جبلوا عليها في الكويت، وملتزمون بالنظم والقوانين السائرة بالبلاد.

ولقد تميز الطلبة الكويتيون في دراستهم بالاتحاد السوفيتي، وقد توزع الطلاب على مدن موسكو ولينيغراد وكييف وأوديا وبيتجورسك في مختلف التخصصات وعادوا الى الكويت بعد الدراسة ليعملوا في مختلف التخصصات وأبرزها الطب والهندسة وقد برز منهم عدد لا بأس به خصوصا في مجال الطب.

وإذ أتحدث عن العلاقات الثقافية بين بلدينا لا يمكن ان أغفل ذلك الدور النشيط الذي لعبته «دار الآثار الإسلامية» والمشرفة العامة على هذه الدار الشيخة حصة صباح السالم الصباح شخصياً، حيث أقامت معرضاً للهيرميتاج (أحد أكبر المتاحف العالمية ان لم يكن أكبرها جميعاً) في الكويت في مايو عام 1989 تحت شعار «بدائع الفن الإسلامي» وحرصت الشيخة حصة على ان يضم هذا المعرض أبرز وأقيم القطع الفنية الإسلامية وقامت بنفسها باختيار هذه القطع في جولة إلى متاحف الهيرميتاج في مدنية ليتينجراد ومدينة طشقبد وسمرقند وبوخارة، الى جانب هذا المعرض حرصت الشيخة حصة على إقامة معرض للفنون الشعبية الداغستاتية مع فرقة للسيرك السوفيتي واستضافة أشهر شاعر في الاتحاد السوفيتي انذاك وهو رسول حمزانوف مع كبار العلماء والمستشرقين الروس الذين ألقوا محاضرات في مختلف المواضيع الثقافية على مدى أسبوع كامل، وكانت هذه الفعاليات الثقافية ضمن اطار التبادل للمعارض، حيث حدد يوم الثالث من أغسطس 1990 لافتتاح المعرض الكويتي في الهيرميتاج بمدينة ليتنجراد ولكن وقع الغزو العراقي الغاشم على دولة الكويت في 2 أغسطس عام 1990، ورغم هذه المأساة والمحنة التي تعرضت لها الكويت فان الجانب الكويتي أصر على افتتاح المعرض في موعده ليتحول بعد ذلك الى رمز لصمود الشعب الكويتي، واستمر المعرض مقاماًً هناك على مدى ثلاثة اشهر كاملة لينتقل بعد ذلك الى الدول الأخرى ليلف العواصم الأوروبية، ليثبت شموخ الشعب الكويتي وصموده أمام همجية الغزاة الغاشمين.

ومن أبرز الأحداث الثقافية الجديدة بالتنويه أيضاً معرض الكويت (كنوز الدنيا) لدار الآثار الإسلامية في قلب الكرملين وأمام مقر الرئيس الروسي لمدة ثلاثة اشهر من مارس عام 2009 حتى نهاية مايو 2009 لينتقل بعد ذلك للارميتاج لمدة ثلاثة اشهر من أكتوبر حتى نهاية ديسمبر 2009 وقد حقق نجاحاً باهراً حيث زار المعرض أكثر من 700 ألف زائر.

ومع تبادل المعارض بين الفنانين التشكيليين في كلا البلدين هناك احداث بالغة الأهمية، وتمس صميم التعاون الثقافي بين بلدينا، ولا يمكن اغفاله، وهو المشروع الذي يقوم بتنفيذه حاليا مركز الوثائق التاريخية ومكتبات الديوان الاميري، وتشرف عليه شخصيا الشيخة منى الجابر العبدالله الجابر الصباح، وهو مشروع جمع الوثائق التاريخية المكرسة لتاريخ الكويت من كل الارشيفات العالمية، ومن بينها الارشيف الروسي الغني جدا بهذه الوثائق، حيث لا يقتصر الامر على جمعها فقد، بل وعلى ترجمتها الى اللغة العربية وللتدليل على تلك الاهمية لهذا المشروع تكفي الاشارة الى ان مركز البحوث والدراسات الكويتية، وتحت اشراف د. عبدالله يوسف الغنيم قد قام بإصدار 3 كتب مع ترجمة لها الى اللغة الروسية، اي 6 كتب حول العلاقات التاريخية الكويتية ـــ الروسية، مبنية على وثائق الارشيف الروسي لأول مرة، وتتناول فترة حكم الشيخ مبارك الكبير، وكذلك التاريخ المعاصر.

كل الأنظار تتجه قريباً الى روسيا لمتابعة زيارة سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت ـــ حفظه الله تعالى ورعاه ـــ والتي يتوقع منها، ومن مباحثات سموه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التوصل الى اتفاقيات لتعزيز التعاون بين بلدينا الكويت وروسيا، في كل المجالات الاقتصادية والتجارية والفنية والعلمية والثقافية لمصلحة شعبينا الصديقين.

علي عبدالله الحلبي

المستشار الثقافي لدولة الكويت في الاتحاد السوفيتي من عام 1977 حتى عام 1992

قراءة موضوعية في تاريخ العلاقات قديماً وحديثاً

اقيمت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1963 في الحقبة السوفيتية من تاريخ روسيا، وهناك وثيقة محفوظة في ارشيف السياسة الخارجية للاتحاد السوفيتي، تؤكد موافقة الجانب السوفيتي على إقامة العلاقات الدبلوماسية مع الكويت، التي تقدمت بمبادرة مماثلة.

الحياد والتسلح

وكانت الكويت هي الدولة الوحيدة من كل الدول العضوة في المنظمة الاقليمية - مجلس التعاون الخليجي - الذي أنشئ سنة 1981، التي تقيم علاقات مع الاتحاد السوفيتي ومع الدول الاخرى في المعسكر الاشتراكي، حيث قامت استراتيجيا سياستها الخارجية على مبادئ حركة عدم الانحياز التي أعلنت موقف الحياد من القطبين المتجابهين في حقبة الحرب الباردة للسياسة العالمية. وساعدت الكويت على توسيع الاتصالات بين الاتحاد السوفيتي وشركائها في بحث التعاون الخليجي، مما اسفر خلال عدة سنوات وتحديداً بدءاً من عام 1985 عن اقامة العلاقات بين الاتحاد السوفيتي وعمان والامارات العربية المتحدة وقطر.

وتمسكا بالنهج الذي اختارته الكويت، فقد ابرمت في عام 1984 اتفاقية شراء الاسلحة السوفيتية، وخدمته من قبل الخبراء السوفيت، وكانت العلاقات بين الكويت والاتحاد السوفيتي قد نشطت بدرجة ملموسة من عام 1980، وكان ذلك مرتبطا باندلاع الحرب بين ايران والعراق، وتدهور الاستقرار في منطقة الخليج، وهبوط اسعار النفط في الاسواق العالمية، مما ادى الى وقوع مشاكل اقتصادية في كلا البلدين.

هذه السياسة الحكيمة للقيادة الكويتية تركت بلا جدال، اثرها في الموقف السوفيتي خلال الازمة العراقية في عامي 1991 ــ1990 والتي كانت سببا قويا ومباشرا لتعزيز العلاقات والاتصالات بين دولتينا، فعندما ارتكب العراق عدوانه على جارته الكويت في الثاني من اغسطس عام 1990 واحتل اراضيها، استنكر الاتحاد السوفيتي بشدة العدوان العراقي.. ومنذ الايام الاولى لبدء هذه الازمة امتنع عن تزويد العراق بالاسلحة، كما لعب الاتحاد السوفيتي دورا بالغ الاهمية كعضو دائم في مجلس الامن الدولي، في اتخاذ القرارات التي طالبت العراق بالانسحاب الفوري من الكويت، والاعتراف باستقلالها وسيادتها، بل وصوت المندوب السوفيتي لمصلحة اتخاذ القرار الدولي رقم 678 الذي سمح ببدء العملية المسلحة ضد نظام صدام حسين لتحرير الكويت، وكان الاتحاد السوفيتي في تلك الفترة يعاني من أشد ازمتين -اقتصادية وسياسية- مما حال دون مشاركته في عملية تحرير الكويت لكنه ساندها ودعمها بالكامل.

وعقب تحرير الكويت اعرب الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح امير البلاد في ذلك الوقت، عن امتنانه للحكومة السوفيتية على ما قدمته من مساعدة ودعم في ذلك الوقت العصيب للكويت، وتعبيرا عن الشكر على موقفه خلال تحرير الك