علي العنزي

لا شك أن الأوامر الملكية التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز جاءت في وقت تمر المنطقة بأدق مراحلها، فهناك العديد من التحديات التي تواجهها دولها، وعلى رأسها تحدي التدخل الإيراني في الشؤون العربية، من البحرين والعراق وسورية ولبنان، وانتهاءً باليمن، وكذلك تحدي الإرهاب الذي وجد في التدخل الإيراني فرصة ذهبية له، حتى إن الطرفين يستفيدان من بعضهما؛ لكسب التأييد، لذلك جاءت أوامر الملك سلمان بن عبدالعزيز في الوقت الذي يبدو أن المملكة في حاجة ماسة إلى هذه التعيينات؛ لتحصين الدولة السعودية وحمايتها من الأخطار التي تتهددها، أياً كان نوعها ومصدرها، وجاءت مكملة لما بدأه عند مبايعته ملكاً للمملكة العربية السعودية، ومتتابعة مع القرارات الحاسمة التي اتخذها منذ توليه مقاليد الحكم، وعلى رأسها «عاصفة الحزم»؛ لإنقاذ الشعب اليمني وحماية المملكة والمنطقة العربية من التدخلات الإيرانية.

&

إن تعيين الأمير محمد بن نايف ولياً للعهد جاء بناءً على نجاحاته وإنجازاته على مستوى وزارة الداخلية، منذ أن تولى المنصب الأول فيها مساعداً لوزير الداخلية للشؤون الأمنية، بقيادة والده المرحوم الأمير نايف بن عبدالعزيز، فقد عرفه الجميع، في الداخل والخارج بأنه جنرال محاربة الإرهاب، فعندما واجهت السعودية هذه الآفة، أخذ الأمير محمد بن نايف منذ عام 1999 على عاتقه مهمة محاربة ومطاردة الإرهاب في المملكة، والمتمثل بتنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وأي أشكاله الأخرى، بعد العمليات الدامية التي نفذتها هذه المجموعات الإرهابية خلال الفترة بين عامي 2003 و2006، وينظر إليه العالم على أنه رأس حربة الحكومة السعودية في مواجهة الإرهاب المتمثل في هذين التنظيمين، والموالين لهما. كما أنه استطاع أن يحول وزارة الداخلية إلى وزارة رقمية في تعاملاتها الإدارية والخدماتية التي تخص المواطنين، سواءً معاملات الجوازات أم الأحوال أم غيرها من الخدمات الأخرى، لذلك أظهر نجاحاً باهراً في قيادته لوزارة الداخلية، أمنياً وإدارياً وخدماتياً، جعل الجميع يثمن له هذه الإنجازات، ولاسيما قائد هذه الأمة وموجهها الملك سلمان بن عبدالعزيز.

&

بالنسبة إلى قرار تعيين الأمير محمد بن سلمان ولياً لولي العهد، فهو جاء بناء على طلب من ولي العهد الأمير محمد بن نايف، فهو خريج مدرسة سلمان بن عبدالعزيز أولاً، إذ كان ملازماً له، كما أنه خريج كلية القانون من جامعة الملك سعود، وعمل في لجنة الخبراء في مجلس الوزراء، ومن ثم انتقل إلى إمارة منطقة الرياض مستشاراً لوالده، يشاهد ويسمع تعامله اليومي مع المواطنين ومع القضايا، ومن ثم انتقل إلى رئاسة ديوان ولي العهد، ثم رئيساً للديوان الملكي ووزيراً للدفاع، وقد برزت سمات القيادة لديه خلال تنفيذه أمر خادم الحرمين الشريفين في «عاصفة الحزم»، فقربُه من الجنود والضباط وإشرافه على العمليات ومتابعتها، أبرزته كأحد القيادات التي سيعتمد عليها خادم الحرمين الشريفين، وهو ما جعله يكون مرشحاً من ولي العهد ليكون سنده ويشكل معه جناحين قويين لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز.

&

إن طلب الأمير سعود الفيصل إعفاءه من منصبه، ينم عن حكمة منه؛ لأنه أدرك أن المرحلة تتطلب جهداً كبيراً، لا تساعده صحته على ذلك، فالجميع يقدر ما قام به الأمير سعود الفيصل من دور كبير جداً خلال ترؤسه لوزارة الخارجية، في السياسة الخارجية السعودية، وتنفيذه لتوجيهات الملوك الذين خدم تحت قيادتهم خلال 40 عاماً، لذلك يملك كنزاً من المعلومات في الديبلوماسية والسياسة الخارجية، وهذا ما جعل خادم الحرمين الشريفين يصدر أمراً بتعيينه مستشاراً ومشرفاً على الشؤون الخارجية؛ للاستفادة من خبراته ومعلوماته، ولكن بطريقة أخرى، أي من دون أن تكون تأديته للواجب ترهقه وتؤثر في صحته، فجاء تعيين عادل الجبير وزيراً للخارجية، وهو من تتلمذ على يد الأمير سعود الفيصل، من خلال عمله في سفارة خادم الحرمين الشريفين في واشنطن؛ لتستكمل مرحلة جديدة من السياسة السعودية الخارجية.

&

يعتقد المحللون بأن السعودية بهذه التعيينات إنما هي تواكب التطورات والمستجدات وتدفع بجيل الأحفاد إلى تولي المسؤوليات؛ لمواجهة التحديات، بعد تمرسهم في العمل السياسي والإداري، وأن هذه القرارات تلقى ترحيباً وتأييداً شعبياً في السعودية، وستظهر للمشككين والمراهنين على الخلافات بين الأسرة الحاكمة، كم هم مخطئون، فهي متماسكة وقوية جداً في تضامنها وتلاحمها، وشعبها ملتف حولها ومتضامن معها، ويكنُّ لها كل الاحترام، فالانتقال السلس لولاية العهد، وطلب الأمير مقرن بن عبدالعزيز من خادم الحرمين الشريفين إعفاءه من منصبه، هي استجابة لمتطلبات المرحلة المقبلة، وهي كذلك صفعة لكل المشككين في تماسك الأسرة الحاكمة وتلاحمها، لذلك كان انتقال ولاية العهد في غاية السلاسة، عكسته مشاهد البيعة لولي العهد ولولي ولي العهد.

&

عندما أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أوامره الأخيرة في ما يخص ولاية العهد وولاية ولاية العهد، إنما هو يكمل مسيرة البناء للدولة السعودية والتي بدأها الملك المؤسس عبدالعزيز -رحمه الله- ومن بعده أبناؤه الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله -رحمهم الله-، فهو ينظر بنظرة استشرافية للمرحلة الحالية والمقبلة، فهو صاحب رؤية ثاقبة، حكيم وحليم، حازم وحاسم، قوي جداً على الظالم، ولين ورحوم للمظلوم، حتى ينصفه، فهو ملك وإنسان، فالجميع تابع قرارات الملك سلمان عندما يمس المواطن، فالإعفاء أو المنع يصدر بحقه، فهي رسالة إلى كل مسؤول مفادها بأن المواطن هو الأولوية لخادم الحرمين الشريفين، ولن يسمح لأي مسؤول بالتطاول على المواطن.

&

إن قرارات خادم الحرمين الشريفين بتعيين الأمير محمد بن نايف ولياً للعهد، والأمير محمد بن سلمان ولياً لولي العهد، أعطت رسالة داخلية وخارجية.

&

فداخلياً، هي رسالة طمأنة للشعب السعودي، بأن هذه القيادة تحرص على مستقبل هذا البلد من خلال ضخ دماء جديدة وشابة، وخارجياً هي رسالة تحذير للدول المشككة في حزم وحسم المملكة العربية السعودية، وأن هذه الدولة ستكون هي الدائمة والقائمة في المنطقة والحامية لمصالح العرب والمسلمين.
&