لندن - إلياس نصرالله: اضطر الناطق باسم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، التأكيد أن «العلاقة الخاصة بين بريطانيا والولايات المتحدة قوية مثلما كانت دائماً».

وأضاف بيان صدر عن رئاسة الوزراء في شارع «داوننغ ستريت رقم 10»، أن الرئيس باراك أوباما «أكد أخيراً أهمية التحالف بين البلدين بالنسبة للولايات المتحدة».

جاء ذلك في محاولة بريطانية واضحة لمنع حدوث أزمة ديبلوماسية بين البلدين والتخفيف من الحرج الذي سببه نشر مجموعة جديدة من الرسائل الإلكترونية الخاصة بوزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلنتون، يعود تاريخها إلى عامي 2008 و2009 وتمحور معظمها حول الوضع الداخلي في بريطانيا، إذ إنها عكست رأي الأميركيين وتقييمهم السلبي لعدد من اللاعبين على الساحة السياسية في لندن، منهم زعيم «حزب المحافظين» ديفيد كاميرون، قبل أن يُصبح رئيساً للوزراء، ورئيس بلدية لندن بوريس جونسون.

فإحدى هذه الرسائل وصفت كاميرون بأنه «أرستوقراطي، وغير واثق من نفسه، وتجربته ضعيفة، وغامض، وغير ملتزم». فيما وصفت رسالة أخرى جونسون - الذي أدى فوزه برئاسة بلدية لندن عام 2008 إلى مناداة البعض باختياره زعيماً لـ «المحافظين» طمعاً في إسقاط «حزب العمال» عن الحكم - بأنه «أمير المحافظين المهرِّج»، الأمر الذي أدى الكشف عنه إلى إحداث ضجة على الساحة البريطانية وأثيرت تساؤلات عدة على الساحتين البريطانية والأميركية حول نوعية العلاقات الديبلوماسية بين البلدين على ضوء هذا التقييم. خصوصاً وأن الرسائل التي تم الكشف عنها لم تتضمن أي تعليق من هيلاري كلنتون يوحي بأنها لا توافق على التقييم الذي قدّمه لها مستشارها الخاص سيدني بولمنتال، ما يجعلها مشاركة في الجرم. بل على العكس، عبّرت كلنتون في ردها على إحدى هذه الرسائل عن قلقها من الوضع داخل بريطانيا، على نحو يوحي بأنها صدّقت ما قاله بلومنتال ووافقت عليه، وطلبت منه أن يتّصل بها هاتفياً للتباحث أكثر معه حول الموضوع.

أما الرسائل المتعلقة ببريطانيا فمصدرها الديبلوماسي بلومنتال، الذي شغل منصب مستشار خاص للرئيس السابق بيل كلنتون، وعمل لاحقاً مستشاراً خاصاً لهيلاري حين كانت وزيرة للخارجية. فهذه الرسائل هي من ضمن آلاف من الرسائل الإلكترونية التي اضطرت هيلاري إلى تسليمها للحكومة الأميركية، عقب شكاوى ضد كلنتون واتهامها بأنها استخدمت منصبها الرسمي لتحقيق أغراض شخصية، وأنها أدارت سلسلة من الاتصالات الخاصة التي لم يطّلع أحد عليها، مع أنها كانت تدخل في صميم عملها كوزيرة خارجية.

واستخدم بلومنتال في رسائله إلى كلنتون تعابير وأوصاف غير مقبولة ليس فقط لكاميرون، بل لرموز آخرين من «المحافظين»، بقوله في إحدى الرسائل مثلاً إن «حكومة كاميرون ستكون ذات طابع أرستوقراطي أكثر ومؤلفة من خريجي مدرسة إيتون الثانوية (الخاصة بأبناء الأثرياء التي تخرج كاميرون منها)... وتتناقض في شكل شديد مع الصورة غير الطبقية والمكافحة لابنة صاحب البقالة مارغريت ثاتشر» الزعيمة السابقة لـ «المحافظين».

ولفت الانتباه، أن الرسائل الإلكترونية لم تُميَّز في فحواها بين «العمال» الحاكم في حينه و«المحافظين»، إذ إن الرسائل التي دار الحديث فيها عن «العمال» بزعامة رئيس الوزراء غوردون براون ورموز حكمه في حينه، لم تكن أقل حدة في انتقاداتها، فتضمنّت إحداها معلومات عن الصراعات الداخلية في «العمال» ومحاولة براون وحليفه في الحزب وفي مجلس الوزراء إد بولز، إضعاف تأثير وزير الخارجية في حينه ديفيد مليباند على صفوف الحزب ومنْعه من خلافة براون في زعامة الحزب، ووصفت تلك الصراعات بأنها شبيهة «بصراعات التيودورز»، وهي إشارة سيئة للغاية في القاموس السياسي الإنكليزي، إذ إن ملوك التيودورز، وأبرزهم مؤسس هذه السلالة الملك هنري السابع، الذين امتد حكمهم في بريطانيا من عام 1485 إلى عام 1603، اشتهروا بسلسلة من الصفات السيئة، منها الخيانة والغدر والجشع.

وقال بعض المحلّلين إنه رغم إسراع رئاسة الوزراء البريطانية إلى امتصاص الضرر، فإن كاميرون متربّع على كرسي رئاسة الوزراء حتى عام 2020 وستجد هيلاري نفسها مضطرة للتعامل معه.