عبد الرحمن الراشد
الوضع السياسي هو أسوأ ما عرفه البلدان؛ الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، كرر إعلانه أن قواته «ستشارك بقوة في استعادة الموصل» العراقية من تنظيم «داعش».
ورد عليه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي: «لن نسمح بمشاركة تركيا في معركة تحرير الموصل». والخلافات أكبر من مدينة الموصل، حيث تعكس الصراع الإقليمي والأخطار المحدقة بالمنطقة.
والإعلام العراقي يقوم بتصوير الدور التركي في الموصل على أنه طائفي معادٍ للشيعة، وهو طرح كاذب يستغل أقوال الصحافيين العرب الذين يترجمون التصريحات التركية وفق هواهم. الحقيقة أن النشاط العسكري التركي لم يكن قط طائفيًا؛ لا اليوم، ولا بالأمس.. لم يدخل الجيش التركي معركة واحدة ضد الشيعة أو العلويين، لم يقاتل ضد قوات الأسد، أو القوات الإيرانية، أو الروسية، أو «حزب الله». كل المعارك التي خاضتها القوات التركية كانت ضد «داعش»، والأكراد الأتراك الانفصاليين، والأكراد السوريين المتحالفين معهم، وهم جميعًا سنّة وليسوا شيعة. والسبب أنهم يشكلون خطرًا على وحدة تركيا واستقرارها، أي إن العمليات العسكرية التركية لا علاقة لها بالنزاعات الطائفية كما يزعم القادة العراقيون، أو يروج لها العرب، الذين يظنون بسذاجة أن تركيا مستعدة للدخول في حروب طائفية حمقاء، وهي نفسها، أي تركيا، بلد متعدد الإثنيات والأعراق!
وفي رأيي أن الأتراك يدفعون الآن ثمن خطأ معالجتهم بداية الانتفاضة السورية، عندما تحاشوا التدخل في أزمات المناطق المحاذية لحدودهم، ولَم يرسموا المناطق التي يعدّونها تمس أمنهم القومي وسيدافعون عنها بالقوة، فمحافظة حلب مثلاً تمثل امتدادهم الجغرافي والتاريخي. النتيجة أن إيران هي من وزعت النفوذ داخل سوريا، وهي التي صارت تساوم الغرب والعرب عليه.
أنقرة تريد محاربة تنظيم داعش في الموصل، ومنع انحراف القتال ضد التركمان والبقية، لكن إيران هي من يقود المواجهة السياسية والعسكرية؛ بما في ذلك ضد تركيا. أما الحكومة العراقية، فكلنا ندرك أنها مغلوبة على أمرها.. الإيرانيون نجحوا في ملء الفراغ في السنوات التي تلت سحب الرئيس الأميركي باراك أوباما كل قواته، وأسسوا ميليشيات طائفية، منافسة للحكومة، سموها «الحشد الشعبي»، بهدف إضعاف السلطة المركزية، كما فعلوا في لبنان، وهي الآن تستعد للعبور إلى سوريا أيضًا.
وقد جرب الأتراك القنوات الدبلوماسية، وأرسلوا وفدًا إلى بغداد، ورد العراقيون فبعثوا وفدهم إلى أنقرة، ولم تنجح المساعي. فهل سيدافع الأتراك عن أهالي تلك المناطق التي توجد في محيطها قواتهم؟ هل سيواجهون «الحشد الشعبي» المتجه لاحتلال تلعفر؟ هل سيفعلون شيئًا فيما لو عبرت ميليشيات «الحشد» نحو الحسكة السورية، الذي تواترت معلومات أولية عنه؟ الإيرانيون يسيرون بسرعة، يسابقون نتائج الانتخابات الأميركية، ويريدون الاستفادة من عنوان «محاربة الإرهاب» وتوسيعه، ويشنون حروبًا متعددة تهدف لإحكام السيطرة على المعابر الاستراتيجية بين سوريا والعراق ومناطق البترول.
ورغم المخاطر على مصالحها، فإني لا أظن أن عند القيادة التركية شهية للمواجهة، مع العلم بأن جيشها أقوى كثيرًا من إيران والعراق، وأفضل تجهيزًا. القوات الإيرانية، وميليشياتها التي جلبتها من أفغانستان وباكستان والعراق ولبنان، تسير باتجاه الحدود التركية وتلاحق القوى السورية المعارضة الموالية لتركيا، وقد شجعت على إقامة منطقة حدودية عازلة للأكراد تكون مثل الفزاعة لحكومة أنقرة. وفي الوقت نفسه يدفع الأتراك الثمن على عدة مستويات اقتصادية وأمنية، فهم يستضيفون أكثر من مليوني لاجئ سوري، ويواجهون مخططًا إيرانيًا روسيًا لنقل المعارك إلى أراضيهم، بدعم الانفصاليين من أكراد تركيا، وقد أعلنها العراقيون الموالون لطهران صراحة؛ إن تجرأت تركيا على تحديهم في الموصل، فإنهم سيعملون على تفكيك تركيا نفسها!
الوضع عسير جدًا، ويخطئ الأتراك، مرة أخرى، إن ظنوا أن الحرب ستنتهي عند معسكر بعشيقة في العراق حيث توجد قواتهم. لا أبدًا؛ فالإيرانيون يريدون السيطرة على مراكز القرار السياسي في بغداد ودمشق، ومناطق البترول في الموصل العراقية ودير الزُّور السورية، وتحجيم تركيا إقليميًا.
مع هذا، أستبعد أن تؤدي التهديدات بين القيادتين العراقية والتركية إلى تصادم الجيشين، بل هدفها محاصرة الأتراك بالتخويف، لإجبارهم على الخروج، حتى تبسط إيران نفوذها على نينوى والمحافظات المجاورة وطرق التجارة البرية وجنوب سوريا والممرات. تركيا في وضع صعب يتطلب منها أن تشكل معسكرًا مضادًا يثبت مصداقيته على الأرض.
التعليقات