عادل الحربي

بدأ العد التنازلي لتوقف صدور صحيفة "السفير" اللبنانية.. قالت إن السبب "الأزمة الخطيرة التي تهدد الصحافة في العالم".. لا شك أنها محاولة بائسة لـ "الموت مع الجماعة"، الجماعة التي لطالما شذت عنهم باتجاه مواقف بذيئة ملطخة بالتلفيق والكذب، والحقيقة أنها تتوقف لأن الداعمين ماتوا أو وجدوا وسيلة أرخص منها، وأن الصحيفة التي لطالما أهملت وسائل الكسب الطبيعية والنزيهة لها كصحيفة؛ باعت صفحاتها ومصداقيتها وصدرت الكذب والتلفيق، وأضحت اليوم بلا مشتر ينقذها أو يرأف بحال ناشرها الذي دخل عامه الثاني وهو يتسول من ينتشله.

عندما انتهى النظام الملكي في مصر، تسربت الريادة الصحافية العربية إلى بيروت، وحلقت هناك بلا قيود، وصنعت عشرات الصحافيين اللبنانيين "الأساتذة" الذين أثروا أو ما زالوا يواصلون إثراء المهنة في كل بقاع الوطن العربي وعواصم المهجر.. لكن بعض الناشرين في هذا البلد ـ الصغير مساحة العظيم إنساناً ـ آثروا تأجير صفحاتهم تحت شعارهم الشهير "ليست للبيع لكنها للإيجار"!!

ولا يمكن الحديث عن الصحافة اللبنانية دون بضع حكايات شهيرة ومواقف تاريخية: فقبيل انتهاء فترته الرئاسية استقبل رئيس الجمهورية اللبناني الأسبق شارل حلو أعضاء اتحاد الصحافة اللبنانية المنتخبين حديثاً؛ وبعد مقدمة رسمية مازح الرئيس أعضاء الاتحاد بنبرة لا تخلو من الجدية: "الآن وبعد أن التقيت بكم في مناصبكم الرسمية، هل لي أن أعرف أي الدول الأجنبية تمثل صحفكم بطريقة غير رسمية؟! مرحباً بكم في بلدكم الثاني لبنان!".. وفي وقت لاحق أوضح في مقابلة لإحدى المجلات: "لدينا صحافة في لبنان لكننا لا نملك صحافة لبنانية".. وذلك يشبه ما قاله الرئيس المصري جمال عبدالناصر لمجموعة من الصحافيين اللبنانيين الذين كانوا في زيارة لبلاده: "لديكم حرية صحافية، لكنكم تفتقدون للصحافة الحرة".

وفي محاضرة له قال الصحافي إبراهيم سلامة: "الصحافة التي تطبع في لبنان تمثل كل الولايات والدول في العالم، بما فيها بورتوريكو ونيجاراكوا وزامبيا فيما عدا لبنان! الصحافة اللبنانية ليست حرة على الإطلاق عدا عن أنها مرهونة لمن يملكون المال ويستطيعون إيجاره، وطبعا من المستحيل على الصحافة المؤجرة أن تنقض عقد الإيجار".

كما أعلن ناشر لبناني كبير في مؤتمر في بيروت بأن التطورات الأخيرة في الصحافة اللبنانية يمكن تلخيصها بأن الناشر الذي لا يأخذ الرشى يمكن اعتباره (حماراً) حسب وصفه، وفي المؤتمر نفسه صرح محام بارز بأنه أثناء إحدى القضايا الإعلامية التي تولاها علم القاضي أن الصحيفة التي تخضع للمحاكمة قد تلقت مبلغا من سفارة أجنبية، فلم تتجاوز ردة فعله "نظرة تهكمية" لمسؤول الصحيفة!

إنها الحقبة التي انتهت.. أو هي في طريقها للانتهاء.