&محمد نورالدين

تشكل مشكلة اللاجئين من الشرق الأوسط إلى سائر أنحاء العالم حالة ضاغطة على كل المستويات وعلى جميع الدول. وفي الواقع أنه منذ الحرب العالمية الثانية لم يعرف العالم موجة كبرى من اللجوء كتلك التي تشهدها المنطقة الآن.

وفي التاريخ الحديث القريب كان اللجوء الفلسطيني بعيد تأسيس الكيان الصهيوني. وهو ليس لجوءاً بالمعنى التقليدي بل اقتلاع شعب من أرضه واستعمار هذه الأرض من جانب مجموعات يهودية قدمت بمساعدة الغرب من الغرب والشرق الأوروبي لتقيم كياناً غاصباً على أرض فلسطين. لذا فإن إدراج اللاجئين الفلسطينيين، من جانب البعض المغرض، لا يمكن أن يكون في السياق التقليدي الذي تندرج ضمنه قضية اللاجئين في العالم.

ذلك أن المقصود هنا هو خروج عدد كبير من شعب ما من أرضه إلى دول أخرى نتيجة حروب أهلية أو صراعات مسلحة داخلية. وبإمكان هؤلاء عند استتباب الأمن العودة إلى بيوتهم وأراضيهم ودولهم.

من الأمثلة على هجرات جماعية وكبيرة اللجوء الأفغاني إلى إيران بعيد الغزو السوفييتي عام 1980 ومن ثم الغزو الأمريكي للبلد عام 2001. ولا يزال معظم هؤلاء هناك. أيضاً هناك اللجوء العراقي الكبير إلى سوريا بعيد فرض الحظر الغربي على العراق عام 1990 وبعيد الغزو الأمريكي عام 2003.

غير أن التطورات في سوريا ضربت الرقم القياسي في عدد اللاجئين السوريين الهاربين إلى خارج سوريا كما من أماكنهم الأصلية في الداخل إلى أماكن أخرى أكثر أمنا من هذا الداخل. وهي مشكلة لا تقل ضغطاً وإرباكاً من مشكلة اللاجئين إلى الخارج.

بعد خمسة أعوام ونيف من هذه الأزمة فإن عدد اللاجئين السوريين إلى خارجها قد يكون تجاوز الثمانية ملايين نسمة. ومثل هذا العدد مهجرون داخل سوريا، أي أن ثلث الشعب السوري خارج بلده والثلث الثاني مهجر داخل بلده. وهي حالة غير مسبوقة في تاريخ الصراعات والحروب.

يواجه هؤلاء اللاجئون أولاً مشكلة اختلاف البيئات التي يقيمون فيها بعد اللجوء. فهناك ثلاثة ملايين في تركيا ومثلهم في لبنان وأقل في الأردن، ومن هؤلاء من ذهب مباشرة إلى أوروبا ويقدرون بمليون ونيف. كما أن هناك مجموعات كبيرة في مصر.

البيئات الحاضنة لهؤلاء اللاجئين مختلفة الهويات والمعتقدات والتقاليد والنزعات.

فالبيئة التركية مسلمة وهذا قد يساعد لكنها بيئة غير عربية وإقامة اللاجئين لفترة طويلة في تركيا وبعضهم في مخيمات منظمة سوف يتأثرون ولا سيما أولئك في المخيمات بالتربية والتعليم التي تعطى لهم بحيث يكاد يصبحون جزءاً من الثقافة التركية. وهذا أمر ممنهج ومدروس وخطر خصوصاً أن العلاقات التاريخية للمجتمع التركي بقياداته المتعددة منذ أكثر من عدة قرون مع المجتمعات العربية ليست جيدة بل غالبا عدائية.

وإقامة هؤلاء في لبنان مثلاً، البلد الصغير وذو التوازنات الدينية والمذهبية الحساسة يجعل النظرة إليهم فيها ريبة وتخوف من مخططات دولية للتوطين وهو أمر لم يخفه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.

وفي حال نظرنا إلى وضع اللاجئين في أوروبا فإن الأمر يكاد يعني أن هؤلاء لن يعودوا أبدا إلى سوريا. فعدا اختلاف المعتقدات الدينية والثقافة، فأوروبا لم تستقبلهم ولو تحت الضغط إلا لأنها تحتاج إلى يد عاملة يوفرها هؤلاء اللاجئون. كما ستوفر لهم الدول الحاضنة كل مستلزمات الحياة وصولا إلى منحهم الجنسية وعدم عودتهم إلى بلدهم الأصلي ما يعني خسارته لكتلة يحتاج إليها بعد عودة الاستقرار.

ودائماً يحضر البعد الأمني من المشكلات التي يخلقها هؤلاء اللاجئون.

وتزداد مشكلات هؤلاء اللاجئين مع توقع أن تمتد الحرب في سوريا لسنين أخرى. بل أكثر من ذلك أنه في حال كانت ترسم خرائط جديدة للمنطقة ولسوريا فإن أحداً لا يمكنه توقع أن يعود اللاجئون إلى ما كان يوما وطنهم. وهذا ينطبق أكثر شيء على المناطق التي يمكن أن تنشأ على أساس إثني أو مذهبي. كما أن الآلاف سوف يفضلون البقاء حيث هم بعد أن اعتادوا على الحياة الجديدة بكل تفاصيلها.

في المحصلة فإن مشكلة اللاجئين السوريين تعد الأكبر في التاريخ الحديث والأخطر والأكثر مأساوية. ورغم كل المقترحات الأممية فإن إنهاء الحرب في سوريا واستتباب السلم هو الحل النهائي الوحيد الذي يتيح للاجئين العودة إلى وطنهم الأم الذي يبقى رغم كل شيء وطن الهوية وأمهم الرؤوم الذي لا غنى عنه مهما تغربوا في أصقاع الأرض.