&محمد خلفان الصوافي
الخبر الذي تداولته عدد من المواقع الإعلامية حول أن أغلبية المسلمين والعرب يؤيدون المرشح الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأميركية دونالد ترامب، وعلى الرغم من أنه يبدو لأول وهلة خبراً مستفزاً، فإن فيه شيئاً من المنطق والعقلانية، لأن هناك ما يبرر هذا الموقف جراء تعامل إدارة الرئيس الحالي باراك أوباما مع شؤون المنطقة، حيث عملت هذه الإدارة على ترسيخ فكرة تراجع أهمية منطقة الشرق الأوسط في السياسة الدولية وبالتالي تسببت في حالة الفوضى التي نراها اليوم، كما أن هذه الإدارة التي كانت المرشحة الأميركية الثانية للانتخابات أحد أفراد طاقمها الرئيسين، تسببت في نقص هيبة المكانة الأميركية في السياسة الدولية، ليس لدى الدول الكبرى فقط، ولكن حتى لدى دول المنطقة ومنها إيران وتركيا، فساهمت ولو بطريقة غير مباشرة في أن تتجرأ الدول الإقليمية على الدول العربية.
ومن المعروف أن الانتخابات الأميركية عادة تمثل قلقاً وهاجساً، ليس لدى الناخبين الأميركيين الذي ينبغي أن يكون قلقهم مبرراً وطبيعياً، وإنما أيضاً بالنسبة إلى المجتمع الدولي كله، لأن الجميع يدرك تأثير السياسة الأميركية، سواء بالإيجاب أو السلب، في مختلف القضايا. لكن هذه المرة فإن حجم القلق ازداد بشكل أكبر وارتفعت وتيرته مع اقتراب الموعد النهائي لاختيار الشخص الجديد في البيت الأبيض، ترامب أم هيلاري.
واللافت أن اهتمام العرب والمسلمين بالقادم الجديد يصل أحياناً إلى حد تبدو معه الانتخابات الأميركية وكأنها شأن عربي، أو حتى شأن داخلي في بعض الدول، فالتطورات بين المرشحين يتابعها الجميع، ويقلقون من مؤشرات تصاعد أصوات الناخبين، كما أن الاهتمام تجاوز الأفراد الرسميين ليشمل المعارضين للنظم العربية، مثل «الإخوان المسلمين» وغيرهم.
قل ما شئت في حق تصريحات ترامب المتطرفة تجاه أي من المواقف السياسية التي تخص منطقتنا أو العالم، لكن لا أحد يستطيع أن ينكر أن أي مرشح لن يستطيع التصريح إلا بما يخدم مصالح وطنه. فهذا هدف أي ساكن في البيت الأبيض وإن لم يفعل ذلك لن يستمر طويلاً. وتعاطف، كما شئت أو امتدح هيلاري، لكن عليك أن تتذكر أنها أسهمت، وبمعرفتها، في تفاقم المشكلات والأزمات في المنطقة.
يحتاج الإنسان العربي إلى أن يستعيد ذاكرته، وربما يستعين ببعض من عاصروا الانتخابات الأميركية السابقة، كي يعرف إن كانت أي من الإدارات الأميركية قد وقفت مع العرب والمسلمين ودافعت عن قضاياهم؟! فالرئيس هناك ليس إلا منفِّذاً لسياسة رسمت له، والأفراد يراقبونه إن كان ينفذ السياسة المخطط لها أم لا، وبالتالي فليس كل ما نطق به ترامب قابل للتنفيذ، كما أن ليس كل وعود هيلاري حقيقية.
وبما أن الرأي العام العالمي جرب سياسة الديمقراطيين التي لن تختلف كثيراً عن عهد الرئيس الحالي إن جاءت هيلاري الرئاسة، فما المانع أن تتم تجربة سياسة الجمهوريين؟ على الأقل سيكون ترامب صاحب تجربة سياسية جديدة وربما مختلفة، فهو إضافة إلى أنه رجل أعمال ناجح وبإمكانه معالجة قضايا البطالة، يمكن أيضاً أن يعيد بعض هيبة الولايات المتحدة التي ابتذلت، وإن ذهبنا أبعد من ذلك فقد يحقق بعضاً من المصالح العربية، لا سيما ما يخص الضغط على النظام الإيراني الذي استغل حالة «السيولة السياسية» والتردد في إدارة أوباما ليحقق العديد من المكاسب السياسية في المنطقة.
يحتاج العرب وشعوب منطقة الشرق الأوسط عموماً أن يعيدوا النظر في توقعاتهم من مرشحي الرئاسة الأميركية، وأن يتجردوا من الميول العاطفية تجاه حزب معين وأن يتحلوا بشيء من الشجاعة في البحث عن مصالحهم. فلا بد من البحث عن المصلحة العربية في الانتخابات الأميركية، وما يفعله العرب هو الدوران في حلقة مفرغة، لأنهم في كل مرة يتعاطفون مع مرشّح رئاسي معين، لكنه حين يصل الرئاسة لا يصدق معهم.
يبدو لي أن الفرق بين المرشحين الاثنين، أن ترامب أكثر وضوحاً في طرحه، ولم ينتحل صفة الصدق والأمانة مع الآخرين، وزعم أنه سوف يحقق كل الأمنيات أو أنه سوف يحقق السلام في العالم، فيما كل الرؤساء السابقين لم يفعلوا ذلك، ما يعني أننا لا بد أن نستعد للتعامل مع مرحلة دونالد ترامب بالشكل الذي يحقق مصالحنا السياسية مبتعدين عن دغدغة المشاعر بفكرة أن هيلاري هي الأوضح.
التعليقات