راجح الخوري
هل تفتح نافذة الفرص الروسية أخيراً للتوقف عن دعم نظام الرئيس بشار الأسد، والانخراط في حل ينهي الأزمة على قاعدة انتقال سياسي يحظى بموافقة أميركية روسية؟
ريكس تيلرسون نزل في موسكو يوم الأربعاء الماضي، حاملاً عرضاً توصلت إليه الدول السبع الكبرى ودول عربية وإقليمية خلال اجتماعها في روما، يتضمّن تخفيف العقوبات على موسكو وعودتها إلى مجموعة «الثماني الكبرى» في مقابل مشاركتها في إطلاق حل سياسي ينهي الحرب المأساوية في سوريا.
مندرجات هذا الحل تتلاقى ضمناً مع الطروحات الروسية عندما تدعو إلى «عملية انتقال سياسي لا تؤدي إلى انهيار مؤسسات الدولة والحكومة ولا إلى تكرار نموذج ليبيا أو العراق بعد تغيير النظامين فيهما، لكنها تنهي حكم عائلة الأسد».
من الواضح أن هذا الاقتراح ينطلق من الحرص على إيجاد مخرج لائق لفلاديمير بوتين يساعد على إخراج الأسد من السلطة والدخول في الحل، ومن المفهوم أن الذين اجتمعوا في روما يدركون جيداً، أن بوتين لم ينزل عسكرياً في سوريا ليخرج مهزوماً بعد أول ضربة أميركية، وأن المطلوب هو إيجاد مخرج له يظهره شريكاً أساسياً في هندسة الحل ووقف الحرب، في إطار صيغة تقضي على «داعش» وتخرج الأسد وتحفظ أركان الدولة السورية!
إذاً المطلوب مخرج لبوتين يفضي إلى إخراج الأسد وعلى أساس عاقل وواقعي، وهو أن دونالد ترمب لا يريد أن يلوي ذراع بوتين في سوريا، بل أن يرخي قبضته لإفلات الأسد.
المخرج الذي يتم تسويقه في الكواليس، هو الذي يقوم على بلورة صيغة تصوّر بوتين شريكاً لترمب في الانتصار لا شريكاً للأسد في الهزيمة، وما جرى منذ القصف الأميركي الذي دمّر قاعدة الشعيرات يرجّح هذا التوجه، ومن الواضح أن الرسائل الأميركية التي وصلت إلى الأسد بعد القصف تتماشى كلياً، فيما توحيه علناً، مع الرسائل الروسية، وما توحيه ضمناً.
ذلك أن الرسالة الأميركية الأكثر سخونة جاءت عندما تعمّد هربرت ماكماستر مستشار الأمن القومي الأميركي، كشف الخيارات التي ناقشها ترمب مع جنرالاته قبل قصف قاعدة الشعيرات وقد كانت ثلاثة، وهي:
أولا: عملية «قطع الرأس» التي تتضمن تدمير قصر الرئيس السوري مباشرة دون التسبب بقتله، بما قد يؤدي إلى انهيار غير محسوب للنظام، فالمطلوب أساساً دفعه إلى الاستسلام والقبول بحل على قاعدة الانتقال السياسي.
ثانياً: تدمير كل الدفاعات الجوية فوق خط العرض 36 من إدلب إلى الحدود التركية، ومن إدلب إلى درعا؛ لفرض منطقة حظر طيران.
ثالثاً: تدمير قاعدة الشعيرات وهي ثاني أكبر القواعد العسكرية السورية، حيث ترابط فيها أيضا قوات روسية وإيرانية، وتؤكد الـ«CIA» أن الغارة الكيماوية على خان شيخون انطلقت منها.
ماكماستر قال إن ترمب عندما قرر الخيار الثالث قال بالحرف «let’s start with this» بما يعني ضمناً أن خيار «قطع الرأس» يبقى على الطاولة، وفي هذا رسالة ساخنة جداً إلى الأسد.
وكان من المثير أن تأتي الرسالة الروسية إلى الأسد أكثر سخونة بما لا يقاس، عندما أعلن النائب الأول لرئيس اللجنة الدولية في مجلس الاتحاد الروسي فلاديمير جباروف، أن روسيا لا تنوي استخدام القوات الجوية الفضائية ضد الصواريخ الأميركية، في حال نفذت واشنطن هجمات صاروخية جديدة ضد النظام السوري؛ «إن روسيا لا يمكنها أن تتورط في مواجهة مسلحة لأنها تهدد بحرب واسعة النطاق».
ما لا يمكن أن يقوله بوتين، لأنه يشكل استسلاماً، قاله جباروف مواربة، في حين كان البيت الأبيض يعلن رسمياً أن ترمب مستعد لإجازة شنّ هجمات جديدة على سوريا، إذا استمر استخدام الأسلحة الكيماوية، وقد جاء هذا بعدما أعلنت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي في حديث إلى «CNN» أن واشنطن لن تتوانى في توجيه ضربات جديدة إلى سوريا إذا تكرر قصف الناس بالسلاح الكيماوي:
«إن أولويات واشنطن هزيمة تنظيم داعش والتخلّص من النفوذ الإيراني في سوريا وإزاحة بشار الأسد ونحن لا نرى سوريا سلمية مع وجود الأسد».
لا يبالغ البيت الأبيض عندما يصدر بياناً بعد اتصال هاتفي بين ترمب ورئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، ثم مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، اللتين أيدتا العملية العسكرية الأميركية، عندما يشير إلى أن الثلاثة اتفقوا على أن هناك الآن نافذة فرص لإقناع روسيا بأن تحالفها مع الأسد لم يعد في مصلحتها الاستراتيجية، ذلك أن المحادثات التي أجراها تيلرسون في موسكو حملت عرضاً مغرياً ومتوازناً لا يستطيع بوتين في النهاية أن يلقيه جانبا، وخصوصاً إذا تذكرنا أنه دخل إلى سوريا في مهمة محددة، قال إنها لأربعة أشهر، لكنه الآن بات غارقاً في رمال دموية متحركة!
في أي حال تجمع تقارير الأوساط الدبلوماسية التي رصدت على مدار الساعة بدقة رد الفعل الروسي على العملية الأميركية، على أن كل التهديدات الروسية رداً على العملية الأميركية ليست أكثر من استعراض مخادع لحفظ ماء الوجه، وأن تعهد بوتين بتعزيز الدفاعات الجوية السورية وإغلاق الخط الساخن مع الأميركيين وإرسال سفن حربية للقيام بدوريات مراقبة على الشواطئ السورية، لن يحول دون سقوط الصواريخ الأميركية على أهداف في سوريا إذا استعمل السلاح الكيماوي من جديد.
تحليلات الصحف الأوروبية أجمعت على أن بوتين لن ينزلق إلى أي مواجهة مع الأميركيين، وسيعمل على تجنّب أي اشتباك معهم، وهو يسعى عبثاً إلى إبرام اتفاق لإنهاء الحرب منذ فترة طويلة يظهره في صورة مقاتل الإرهاب وصانع السلام، لكنه الآن بات يواجه واقعاً جديداً ومحرجاً، وفي هذا يقول إيغور سوتياجين من المعهد الملكي البريطاني للخدمات المتحدة، إن «بوتين يثير الرهانات دائماً لكنه يراوغ فهو يعلم أنه لا يستطيع أن يفعل أي شيء عسكري في مواجهة أميركا».
إن تحذير بوتين عشية وصول تيلرسون إلى موسكو، من استفزازات بالسلاح الكيماوي يجري إعدادها في مناطق تشمل ضواحي دمشق، ويخططون لاتهام النظام باستخدامها، ليس أكثر من محاولة لتحسين شروط التفاوض على بنود الحل الذي حمل تيلرسون بنوده الأولية من روما إلى موسكو!
ومن الواضح تماماً أن الرهان الغربي الذي تم التداول فيه في لقاء «السبع الكبار» في روما، يتركز على إيجاد مخرج لائق يساعد في التوصل إلى انخراط أميركي - روسي في وضع قواعد حل على قاعدة انتقال سياسي، وفق إخراج لا يعطي انتصاراً صارخاً لترمب ولا يلحق هزيمة نكراء ببوتين، لكنه يفتح الباب أمام الاثنين لمرحلة من التعاون التي ينتظرها بوتين بفارغ الصبر، وهو الذي أسعده جداً دخول ترمب البيت الأبيض!. . . . . . .
التعليقات