سلمان الدوسري
في يونيو (حزيران) 2006 أطلقت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس مشروعها الكبير؛ حينها: «الشرق الأوسط الجديد»، بدلاً من المشروع السابق «الشرق الأوسط الكبير». كانت رايس تروج لهذا المفهوم، علناً، والهادف إلى خلق حالة من عدم الاستقرار والفوضى لإعادة تنظيم المنطقة،
ومن ثم إطلاق العنان لما اصطلح على تسميتها قوى «الفوضى الخلاقة»، المؤدية إلى انتشار العنف، لا الاستقرار، في جميع زوايا الشرق الأوسط، وهو ما حدث بالفعل، أو على الأقل جزء كبير منه، خلال «الربيع العربي»، غير أن نتائج هذا المشروع الكارثي ظهرت ليس على المنطقة فحسب؛ وإنما على العالم، الذي تيقن أنها كانت فوضى مؤذية وقاتلة ولم تكن «خلاقة» مطلقاً، بقدر ما هي جالبة للإرهاب وعدم الاستقرار، وربما كانت المعادلة السحرية التي استخدمت لتلك «الفوضى الخلاقة» المزعومة، الضغط على دول المنطقة من أجل عمليات تغيير قادمة من الخارج، وفقاً لمفاهيم لا تتناسب مع شعوب مختلفة جذرياً، وهو ما ثبت بالدليل القاطع عدم جدواه وانقلاب موازين وتشتت لم تشهده المنطقة في تاريخها.
تأثيرات وبقايا هذا المشروع الكارثي ما زالت حاضرة وماثلة، لذلك كانت قمة الرياض العربية الإسلامية الأميركية فرصة سانحة لدفن هذا المشروع إلى غير رجعة، بعد أن استطاعت السعودية بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز إعادة ترتيب أوراق المنطقة وفق قاعدة مصالح دولها أولاً واستقرارها، ثم بتعزيز التحالفات التاريخية ثانياً، كما في إعادة إحياء التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة من جديد، وإقناع واشنطن بأن مصالحها لا تختلف كثيراً عن مصالح دول الشرق الأوسط، ولعل في تغيير الذهنية الأميركية الرسمية بشأن تقاطع مصالحها وحدود تدخلها في شؤون شعوبها، نجاحا كبيرا يصبّ في صالح الولايات المتحدة أولاً، وقد أشار إليه الرئيس دونالد ترمب بوضوح في الرياض بتأكيده على أن بلاده لا تريد أن تملي على الناس كيفية العيش، وماذا ينبغي عليهم اعتقاده، ودعا القادة المسلمين لاتخاذ إجراءات بأنفسهم ضد المتطرفين، وكان لافتاً التغيير الجذري في السياسة الأميركية السابقة، حيث قال ترمب: «نحن لسنا هنا لنحاضر، لسنا هنا لنملي على الآخرين كيفية عيش حياتهم أو التصرف أو ممارسة دينهم، وإنما نحن هنا لعرض الشراكة، على أساس المصالح والقيم المشتركة، بهدف الوصول إلى مستقبل أفضل لنا جميعاً».
هذه القاعدة الجديدة التي أعلنها ترمب في الرياض وتوجت بإعلان تأسيس «تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي في مدينة الرياض»، بمشاركة دوله للإسهام في تحقيق السلم والأمن في المنطقة والعالم، ستكون المظلة المشتركة لتعزيز الاستقرار المنشود في الشرق الأوسط، الذي غاب عنه طويلاً، واستطاعت القمة، بقيادة العاهل السعودي وضع إطار لمشروع الشرق الأوسط الجديد، القائم على تبادل المصالح وإعادة الاستقرار دون الحاجة لفرض أجندات خارجية.
ولأن أي استقرار للمنطقة لن يحدث دون مواجهة الفكر المتطرف المؤدي للإرهاب، الذي يعد العدو الأول المشترك للعالم، فقد كان الإعلان عن تأسيس «المركز العالمي لمكافحة التطرف (اعتدال)»، الذي يهدف لنشر مبادئ الوسطية والاعتدال ومواجهة التغرير بالصغار وتحصين الأسر والمجتمعات، ويقوم على مكافحة التطرّف بأحدث الطرق والوسائل فكرياً وإعلامياً ورقمياً، وكشف دعايته الترويجية على كل وسائل الإعلام التقليدية والفضاء الإلكتروني؛ هذه المنصات التي أسهمت في انتشار التطرف دون أي حواجز حقيقية تعمل على التصدي له ووأده قبل أن يتغلغل في العقول. الأهمية الكبرى التي يحملها إنشاء المركز هي باعتبارها المرة الأولى التي تجتمع فيها دول العالم متوحدة بشكل جاد لمواجهة خطر التطرف، وبالتالي لا يمكن بعد اليوم الترويج لفكرة الخلط بين الإسلام والتطرف، وهو الخلط الذي يأتي حيناً بجهل وحيناً آخر بقصد وبانتهازية مكشوفة، أما ودول المنطقة، بقيادة السعودية، تحارب التطرف عسكرياً وفكرياً، فلا يوجد مبرر مستقبلاً لاستمرار هذه الكذبة الكبرى.
خريطة استقرار المنطقة ستتم الإشارة إليها مستقبلاً بما قبل قمة الرياض وما بعدها، وستذكر شعوب المنطقة أن ملكاً اسمه سلمان بن عبد العزيز دفن مشروع «الفوضى الخلاقة» إلى غير رجعة، وأحل مكانه مشروعاً حقيقياً يقوم على «التمسك بالتنمية كهدفٍ استراتيجي لمواجهة التطرف والإرهاب وتوفير الحياة الرغدة»..
التعليقات