أشرف محمود

مايحسب لمصر فى تعاملاتها مع الآخرين وخصوصا فى قضاياها العربية والإقليمية التى تحتل حيزا كبيرا من اهتمامها ، أنها تتعامل بسياسة النفس الطويل، وهى سياسة تعكس عراقة المدرسة الدبلوماسية المصرية التى تقوم على احترام الآخر وعدم التدخل فى شئونه والاعتماد على الحوار اساسا لحل أى ازمة يمكن أن تقع معه، ومن هنا فرضت مصر فلسفتها وباتت واقعا يشعر به ويحترمه الآخرون، واثبتت الأيام بعد نظر مصر فى تعاملاتها مع القضايا التى تتغير معطياتها بين اللحظة والأخرى، كما انها لم تنصرف يوما عن واجبها الوطنى والقومى والانسانى بسبب ردود فعل الآخرين او تدخلات هواة الصيد فى الماء العكر، أو بحث البعض الآخر عن دور محورى فى قضايا الأمة مستغلين الظرف السياسى الذى مرت به مصر فى السنوات الأخيرة، مع استخدام تلك الأطراف سلاح المال لضمان ولاء هذا الفريق أو ذاك، ومع ذلك لم يحققوا أية نجاحات تذكر, بل زادوا الطين بلة بتبنى وجهة نظر أحد الطرفين المتصارعين، وعززوا الانقسام من خلال تبنيهم لمواقف حماس السياسية عبر نافذتهم الإعلامية التى تسببت فى اتساع الهوة بين الشقيقين، لتستمر المقاطعة لعشر سنوات، وظن هؤلاء ان دور مصر انتهى وأن تركيا ومعها قطر وكذلك إيران يمكن ان تلعب الدور الذى اختصت به مصر عبر تاريخ الصراع العربى الإسرائيلي، ويكفى أن مصر لاتدخر جهدا ولا يخلو لقاء لرئيسها أو وزير خارجيتها مع أي شخصية دولية ألا ويكون الشأن الفلسطينى حاضرا فى حواراتهما، والدعوة فى كل كلمات الرئيس السيسى داخل مصر وخارجها عن ضرورة إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية لرفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني، وكثيرا ماسمع المصريون من نظرائهم على مستوى الرئاسة أو الوزارة، أن الفلسطينين انفسهم هم سبب عدم التوصل لحل لقضيتهم وذلك بفعل الانقسام بين حركتى فتح وحماس، وهو أمر لايمكن إنكاره أو التقليل من تأثيره، فهو أمر واقع، وله تبعات على الأرض تمثلت فى سيطرة حماس على غزة بكامل مؤسساتها ومنعت السلطة من ممارسة دورها على الارض، وهناك قصص تدمى القلب على ماكان من تعامل الحمساويين مع الفتحاويين فى غزة مع بدء الانقسام، وعلى مدى السنوات العشر الماضية لم يتوقف الدور المصرى من القيام بواجبه نحو إنهاء هذه الحالة التى تعرقل كل المساعى الجادة نحو إيجاد حل للقضية الفلسطينية التى وبدلا من قطع مسافات نحو إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، نجد إسرائيل تماطل فى الوفاء بالتزامتها المقررة فى اتفاق أوسلو الذى يربطها مع السلطة الفلسطينية، وبدلا من تنفيذ الجدول الزمنى الخاص بالمناطق B الخاضعة إداريا للسلطة وأمنيا لإسرائيل وكذلك المناطق C الخاضعة للاحتلال والتى كان مقررا أن تتحول الأولى إلى مناطق A الخاضعة إدرايا وأمنيا للسلطة الفلسطينية فيما تتحول مناطق C إلى B وبعد فترة تتحول الى A لتصبح مساحة سيطرة السلطة الفلسطينية على الأرض كبيرة، إذا بسلطة الاحتلال تستغل الانقسام وتتمدد فى بناء المستوطنات، مما يجعل عملية إقامة دولة فلسطينية من دون الإسرائيليين أمرا بالغ الصعوبة فى التفاوض لأن المستوطنين الذين زرعتهم إسرائيل باتوا جزءا من الأزمة بحاجة لحل، من هنا كان الموقف المصرى الوطنى والمسئول المستند إلى فلسفة النفس الطويل التى لاتمل ولاتتنصل من دورها، الذى كان سهلا إن أرادت فلديها مبررها المقبول بأن اصحاب القضية أنفسهم لايرغبون فى غلق ملف الانقسام، لكنها ثابرت وتحملت مالايطاق من اتهامات غلمان السياسة الذين يطلون من القناة المشبوهة ليهيلوا التراب على أى دور تقوم به مصر من أجل انهاء الانقسام ووحدة الصف الفلسطينى ولخصوا القضية فى معبر رفح كلما اغلق لدواع أمنية بفعل مايحدث من أعمال إرهابية فى سيناء، وكان طبيعيا أن تصل الجهود المصرية إلى محطة الإنجاز بعد ماراثون شاق من التفاوض مع مسئولى السلطة الفلسطينية فى رام الله ومسئولى حركة حماس فى غزة لعبت فيه المخابرات المصرية دورا وطنيا وسياسيا بامتياز حتى أعلن موافقة الطرفين على الوساطة المصرية لإنهاء الانقسام بعد عقد من الزمان كانت القضية الفلسطينية أحوج ماتكون لوحدة ابنائها لإنجاز ماتوقف فى هذه الفترة. 

وبدا واضحا أن من عزز الانقسام لم يعجبه نجاح الدور المصرى فراح يقلل من فرص نجاح المصالحة وفتحت ذات القناة شاشتها لذات الوجوه الكريهة لتبث سمومها ، لكن هيهات أن يكون لها تأثير فقد سقطت الأقنعة التى كانت تحجب الرؤية عن الوجوه الحقيقية لهم، وأدرك اصحاب القضية أن أحدا لايمكنه القيام بدور مصر ، وأن احدا لايهتم بالقضية الفلسطينية كأهلها إلا مصر، فتحية لكل الجهود المخلصة التى حققت ماكان البعض يراه مستحيلا، والدعوة مخلصة الى الله عز وجل أن يؤلف بين قلوب الاشقاء فى فلسطين لتحقيق مايصبو إليه شعبهم والأمة العربية بقيام دولة فلسطين المستقلة الموحدة وعاصمتها القدس.