مأمون كيوان
يُفترض أن يتجرد ممارسو الحكــم في الجمهوريات من روابط الأســرة والنسب والعشيرة، أو يحيلوا هذه الروابط إلى المجــال الخــاص، بــحيث تكون معدومـة التأثـير في ممـارسة السلــطة العـامة
ستجري الانتخابات الرئاسية الروسية في 18 مارس الجاري، وسيتنافس فيها 8 مرشحين، 5 منهم مرشحون للمرة الأولى، منهم: سيرغي بابورين، 59 عاما، وهو مرشح عن حزب «الاتحاد الشعبي العام الروسي» القومي المحافظ، حقوقي محترف وكبير الباحثين في معهد الدراسات الاجتماعية السياسية التابع لأكاديمية العلوم الروسية. وبافل غرودينين، 57 عاما، مرشح الحزب الشيوعي الروسي، مهندس محترف ويركز برنامجه الانتخابي الذي يحمل تسمية «20 خطوة» على تغيير نهج البلاد الاقتصادي، واستعادة سيادة روسيا الاقتصادية لضمان رفاهية الشعب. والمذيعة والإعلامية المعارضة كسينيا سوبتشاك، 36 عاما، مرشحة حزب «المبادرة الاجتماعية» الليبيرالي، التي تخوض الصراع الرئاسي تحت شعار «مرشحة ضد الجميع» وتسعى إلى إدخال تغييرات ليبيرالية في سياسات البلاد الداخلية والخارجية، مع تقليص نفوذ الكنيسة الأرثوذكسية في المجتمع، وإلغاء قانون حظر الترويج للتحول الجنسي، وإقامة علاقات شراكة مع الولايات المتحدة وأوكرانيا، وسحب القوات الروسية من سورية، والإفراج عن المعتقلين السياسيين.
أما المرشحون القدامى فهم: غريغوري يافلينسكي، 65 عاما، مؤسس ومرشح عن حزب «التفاحة» يابلوكو الديمقراطي المنتمي إلى اليسار الوسط. ويترشح يافلينسكي لانتخابات الرئاسة للمرة الرابعة، وتعهد في حال توليه الحكم بتطوير اقتصاد البلاد من جانب، والتنحي عن «المغامرات الجيوسياسية» من جانب آخر. ووعد يافلينسكي بتطبيع العلاقات مع الغرب، والاعتراف بعدم شرعية انضمام القرم إلى روسيا في عام 2014، وعقد مؤتمر دولي لتحديد الوضع القانوني لشبه جزيرة القرم، وسحب القوات الروسية من سورية، والتوقف عن جميع أنواع الدعم للانفصاليين في أوكرانيا.
وبمشاركته السادسة في الانتخابات الرئاسية الروسية يحطم جيرينوفسكي 71 عاما، الأرقام القياسية المسجلة في البلاد، ومرشح «الحزب الليبيرالي الديمقراطي الروسي» الذي يتزعمه. ويقترح حل مجلس الاتحاد الروسي وتسليم جميع صلاحياته إلى «الدوما» (مجلس النواب) ليصبح البرلمان الروسي أحادي الغرفة بغية تفعيل دوره السياسي.
أما المرشح «المستقل» فلاديمير بوتين، 65 عاما، فيسعى إلى مواصلة نهجه السياسي الراهن، مع زيادة النفقات الاجتماعية، وأعرب أثناء الإعلان عن ترشحه، عن أمله في كسب دعم الأوساط الاجتماعية والسياسية الواسعة داخل البلاد.
كما يسعى بوتين إلى الاستمرار في الحكم حتى عام 2024 ليكون بذلك قد حكم روسيا رئيساً لمدة 20 عاما، وإذا أضفنا الأعوام الأربعة، التي تولى فيها رئاسة الوزراء – الفترة 2008 ـ 2012- فسيكون قد حكم روسيا لمدة 24 عاما. وهي مدة أقل قليلا من مدة حكم ستالين (30 سنة)، وأطول من مدة حكم بريجنيف (18 سنة). وتضعه في مصاف القياصرة.
وقد يسعى بوتين في بداية ولايته الرئاسية الجديدة إلى تقليد نظيره الصيني شي جين بينغ الذي حصل مؤخراً، على موافقة نواب مجلس الشعب الصيني، على إدخال تعديلات على دستور البلاد، تلغي القيود المفروضة على مدة وولايات حكم رئيس البلاد ونائبه، التي كانت محددة بولايتين اثنتين مدة كل منها 5 سنوات. وبالتالي يمكن انتخاب الرئيس الصيني بلا حدود كل خمس سنوات في دورة المجلس التشريعي. أي الحكم مدى الحياة. وتعديل أكثر من 20 مادة من الدستور، منها تضمين القانون الأساسي نص وثيقة اسم وفكر الرئيس شي جين بينغ حول «تنمية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في عصر جديد». ووفقا لنص التعديل، فإن عبارة «تحت قيادة فكر شي جين بينغ للاشتراكية ذات الخصائص الصينية في حقبة جديدة» سوف تظهر الآن في ديباجة الدستور، والذي يضم بالفعل أسماء وأفكار ماو تسي تونغ، ودنغ شياو بينغ.
ولعل ما يجري في روسيا ودول أخرى عن وجود مأزق في نظام الحكم الرئاسي وتكريسه في بعض الحالات جمهوريات بلا قيم جمهورية، وتبني نظرية صموئيل هانتنغتون، بعد استبدال كلمة ملك بكلمة رئيس، التي شرحها في مؤلفه الشهير «النظام السياسي في مجتمعات متغيرة»، ومفادها أنه
أمام القادة التقليديين الخيارات: التنازل عن المنصب والتحول نحو ملوك دستوريين؛ محاولة وقف عملية التحديث والانغلاق في استبدادهم؛ أو محاولة مأسسة المشاركة الشعبية في نظام يرتكز على السيادة الملكية.
وتعني شخصنة الحكم أن الحاكم «السوبرمان» أو «المعصوم» يحكم بكل شخصيته وروابطه وتعييناته. ويحكم لأنه ممتاز واستثنائي، وامتيازه كلي وشامل، وليس مهارة سياسية متفوقة أو نزاهة. إنه استثنائي كياناً وليس أداء، ولا يقاس به أي من محكوميه. والامتياز الكياني اللصيق بشخص الحاكم جوهري وأساسي ولا يُكتسب.
ويُفترض أن يتجرد ممارسو الحكــم في الجمهوريات من روابط الأســرة والنسب والعشيرة، أو يحيلوا هذه الروابط إلى المجــال الخــاص، بــحيث تكون معدومـة التأثـير في ممـارسة السلــطة العـامة.
ولعل من مكاسب الحداثة السياسية التمييز بين المجالين الخاص والعام، والفصل الدقيق بينهما، وهذا على اعتبار أن الرئيس شخص مجرد، لا يمارس السلطة إلا بالتجرد عن روابطه الخاصة. وفي منصبه، للرئيس «قيمة تداولية» فقط، تتحدد بقواعد ممارسة الحكم وبالمصلحة الوطنية. ولا تكون للرئيس «قيمة استعمالية»، تتصل بوضعه المحسوس وروابطه المتنوعة، إلا في المجال الخاص.
التعليقات