فـــؤاد مطـــر
ها هو «الربيع الانتخابي» العربي – الإقليمي - الدولي يواصل التنقل. كانت الإطلالة الأُولى له المتواصلة تداعياتها، ونعني بذلك النتاج الأميركي لهذا الربيع متمثلاً بفوز دونالد ترمب الذي لا يكتمل هناؤه بالترؤس نتيجة ما حاق به من كلام كثير حول دور لروسيا البوتينية في انتخابات 2016.
وكما لا يكتمل هناء ترمب فإن فلاديمير بوتين هو الآخر ينشد الهناء في رئاسته المجدّد لها، ولا تكتمل نتيجة الجب السوري - الإيراني الذي يشارف على الوقوع فيه كما وقوع الأسلاف في الجب الساداتي يليه الجب الأفغاني. وعلى عكس ديمقراطية انتخاب الرئيس في الولايات المتحدة، كان أمراً طبيعياً أن يفوز بوتين في انتخابات مارس (آذار) 2018 بست سنوات أُخرى تنتهي في عام 2024، ما دام هو الممسك بالسلطة، يكون عندها بدأ عقده السابع من العمر، وفي هذه الحال لا أمل يُرتجى بالفوز لمَن يحلم بالمنافسة، ويتطلع إلى تعديل جذري في طقوس الحُكم والحكام وبالذات أولئك الذين لا يعيرون اهتماماً لمبدأ المنافسة بين أطراف لا يمارس فيها هذا المتنافس، أو تلك المتنافسة المنصب الرسمي وخصوصاً المنصب الأعلى، ذلك أن رد الفعل لدى الناخب يكون مزيجاً من التهيب والخشية وبذلك يقترع لصاحب السلطة وليس للمنافسين.
وقبل أن يخوض رجب طيِّب إردوغان غمار تجديد الرئاسة مكلَّلاً بصلاحيات لم يسبق أن حصل عليها رئيس من قبل، ويُطمئن الرأي العام التركي بأنه سيكون بعد الفوز رئيساً مختلفاً عما كان عليه في السنوات الأربع الماضية من دون الإفصاح ولو تلميحاً عن نوع الاختلاف، كان عبد الفتاح السيسي قد أنجز وهو في سدة الرئاسة تجديد الولاية التي يستكمل فيها حسْم موضوع الإرهاب والتأهب لمواجهة تداعيات موضوع الآخر أي «الإرهاب المائي» نتيجة أن المحادثات حول «سد النهضة» مع إثيوبيا بمشاركة السودان وعلى مستوى القمة تليها اجتماعات أهل الدبلوماسية والاختصاص، ما أن تُستأنف حتى تتعثر فتتأجل ويستمر العمل في بناء السد بينما الرئيس السيسي يواصل التأمل في هذه الأزمة محاولاً إيجاد معادلة تقوم على إعادة النظر في الاتفاقية المائية المثلثة المجرى بدءاً بإثيوبيا مروراُ بالسودان وصولاً إلى مصر، وبذلك لا تتأثر المحروسة من هبتها الخالقية (النيل) وبالتالي لا يعود وارداً اعتماد الحل على أساس ما
يؤخذ من حصة مصر واحتياجاتها المائية بمعزل عن التفاهم يُستعاد بالتي هي أحسن، أي التفاهم بالتراضي.
ويبقى الربيع الانتخابي في لبنان ونظيره العراقي ومثيلاهما التونسي فالجزائري بعدها تشكِّل مجتمعة ملامح مشهد في ذروة التناقض الذي يضفي على الحياة الديمقراطية في موضوع الانتخاب حالة من الهلهلة، ذلك أن أهل الحُكْم في أكثريتهم ومِن ورائهم ميليشيات وأمامهم جموع مستغرقة في عسل مكاسب موعودة من التمذهب، خاض بعضهم وسيخوض الباقون الانتخابات البرلمانية والرئاسية تحت راية حرية التعبير والاختيار... إنما أيُّ حرية وأيُّ اختيار ما دام رموز الحُكم خاض بعضهم الانتخابات وسيليهم آخرون بينما السلطة بكل مفاتيحها بأياديهم؟! وتبقى الحالة اللبنانية هي اللافتة في هذا الشأن، ذلك أن الرئاسات الثلاث (الجمهورية. النواب. الحكومة) ومع رموزها نصف وزراء الحكومة خاضوا الانتخابات وهم يمارسون مسؤولياتهم بما لها من تأثير يجعل الممارسة الديمقراطية غير ذات فعالية بالمفهوم التقليدي، أي أنّ الانتخابات في هذه الحال لم تعد بين أطياف سياسية خارج المسؤولية الرسمية، وإنما هي انتخاب أهل السلطة لأنفسهم. ومِن هنا فإن أي انتخابات برلمانية أو رئاسية تكتسب المصداقية عندما يخوضها مَن يريد خوضها مطْمئناً أو مجازفاً إنما تحت إشراف حكومة لا يشارك رئيسها وأعضاؤها في الانتخابات، كما لا مصلحة لهم في أن يفوز هذا الطيف أو يمنى ذاك بخسارة.
ما يأمله المرء لكي تستقيم الحالة الديمقراطية هو أن تُجرى الانتخابات بنوعيْها البرلماني والرئاسي، وخصوصاً في دول المنطقة العربية ومحيطها الإقليمي بين مرشحين ليسوا من أهل السلطة، وإن كانوا يتطلعون إلى امتلاكها، وهذا حقهم في حال الفوز يفرضه جوهر الحياة الديمقراطية الذي يصون الحياة السياسية وإدارة شؤون الدولة من الهلهلة. وإلى أن يحدُث ما نتمناه فإن «الربيع الانتخابي» الذي أضأنا على بعض ملامحه سيبقى مجرد توأم ما اصطُلح على تسميته «الربيع العربي». وعند التأمل في الربيع الذي انقضى وكيف أفرز ما هو بين السيئ والأسوأ، نأمل أن يكون ربيع الانتخابات مزدهراً.
التعليقات