عبدالله المدني
في الوقت الذي يتراجع فيه نفوذها في أفغانستان لصالح لاعبين إقليميين آخرين، وفي الوقت الذي تتعرض فيه لضغوطات هائلة من قبل الولايات المتحدة الأميركية لتطهير بيئتها الداخلية من شبكات الإرهاب وغسيل الأموال، تقف باكستان على أعتاب انتخابات تشريعية عاصفة ومثيرة وصعبة التكهن بنتائجها، بل تطبعها المواجهة ما بين مكونات الدولة العميقة ممثلة بالجيش وأجهزة الأمن والاستخبارات والبيروقراطية الحكومية من جهة، والساسة المدنيين من جهة أخرى.
ففي الخامس والعشرين من يوليو الجاري سوف يتوجه الباكستانيون لاختيار برلمان جديد، يضم 342 مقعداً تتنافس عليها أحزاب رئيسية في مقدمتها حزب يمين الوسط، أي «حزب الرابطة الإسلامية» (جناح نواز) بزعامة شهباز شريف، شقيق رئيس الوزراء السابق نواز شريف الذي عزلته المحكمة العليا من منصبه في يوليو 2017 بدعوى أنه لم يكشف عن كامل ثروته وقت ترشحه للانتخابات السابقة، وبالتالي فهو «غير مؤهل» للحكم، وذلك على خلفية الكشف عما سُمي «وثائق بنما». وقد حكمت عليه المحكمة مؤخراً بالسجن غيابياً لمدة عشر سنوات وبغرامة قدرها عشرة ملايين دولار، إلا أنه لا يزال ناشطاً من الخارج ومتعاوناً مع شقيقه شهباز شريف وابنته الديناميكية وخليفته المحتملة مريم شريف، لتعزيز النفوذ السياسي للعائلة في إقليم البنجاب الذي يأتي منه معظم شاغلي مقاعد البرلمان (كونه أكبر أقاليم البلاد الأربعة لجهة عدد السكان)، وبالتالي يمثل عامل الحسم في أي انتخابات عامة.
أما الحزب الثاني المتنافس، فهو حزب «حركة الإنصاف» الذي يتزعمه لاعب الكريكيت السابق عمران خان، المتعطش للسلطة، بدليل خوضه كل المعارك الانتخابية على مدى السنوات الماضية من أجل الوصول للحكم، بل إقدامه على تلويث سمعة منافسيه بإطلاق الإشاعات ضدهم كيفما اتفق (مثلما فعل مع عائلة شريف)، طارحاً نفسه كمنقذ للديمقراطية الباكستانية الموصوفة بـ«ديمقراطية المتنفذين والسلالات العائلية والعسكر المديرين لخيوط اللعبة من وراء الكواليس». ومن بين حملاته ضد «حزب الرابطة الإسلامية» ونواز شريف، تلك الحملة التي تهكم فيها ضد بلاده، واصفاً إياها بـ«جمهورية الموز»، وذلك على خلفية استدعاء نواز شريف لقيادات حزبه، ومنهم رئيس الوزراء الحالي «شاهد عباس خاقاني»، ووزراء الخارجية والداخلية والمالية، إلى لندن في أكتوبر 2017، أي بعد ثلاثة أشهر على القرار القضائي بعزله.
كما ينافس في الانتخابات «حزب الشعب» الذي يستمد نفوذه من قاعدته الشعبية في إقليم السند، موطن آل بوتو، لكن استطلاعات الرأي لا تعطي لهذا الحزب، الذي قاد باكستان في سنواتها الحالكة خلال حقبة ما بعد انفصال باكستان الشرقية، سوى نسبة متواضعة من مقاعد البرلمان، بسبب عاملين؛ أولهما غياب الشخصيات الكاريزمية عن قيادته بعد اغتيال رئيسة الوزراء السابقة «بينازير بوتو»، وثانيهما تهم الفساد التي لاحقت الكثيرين من رموزه، الأمر الذي أثّر سلباً على تواجده خارج إقليم السند.
وهناك بطبيعة الحال الأحزاب الدينية مثل «الجماعة الإسلامية» و«جمعية علماء الإسلام» اللتين شكلتا تحالفاً انتخابياً لتقديم مرشحين مشتركين. كما توجد الأحزاب العرقية، مثل «رابطة مسلمي باكستان» و«حزب عوامي الوطني»، حيث ينشط الأول في كراتشي، كبرى المناطق الناطقة بالأوردية، بينما ينشط الثاني في إقليم «خيبر بوختونخوا»، الذي يستمد منه نفوذه القبلي البشتوني منذ تأسيسه على يد «عبدالغفار خان»، الشخصية المناهضة لجميع أشكال العنف إلى درجة أنه سُمي «غاندي الحدود».
المراقبون المهتمون بالشأن الباكستاني يجمعون على حقيقة واحدة هي صعوبة التكهن باسم الحزب الذي سيحصد أكبر عدد من مقاعد البرلمان القادم، رغم أن استطلاعات الرأي منحتْ «حزب الرابطة الإسلامية» (جناح نواز) النسبة الكبرى. صحيح أن هذا الحزب يملك التأثير في حسم النتائج، كما قلنا، بسبب خلفيته البنجابية، إلا أنه يعيش الآن أسوأ أيامه بسبب انقسامات داخلية، ناهيك عن انفصال الكثيرين من مؤيديه عن قيادته المتهمة بالفساد، وإعلان العشرات من رموزه داخل البرلمان الحالي النأي بأنفسهم عنه، والترشح كمستقلين في انتخابات يوليو 2018، خصوصاً بعدما رفع الحزب عقيرته ضد الجيش وجهاز الاستخبارات، متهماً إياهما بالتآمر ضد نواز شريف.
وفيما خص حظوظ عمران خان وحزبه، فقد يحقق الرجل مفاجأة غير متوقعة بسبب حروبه الإعلامية وديناميكيته وقراره خوض الانتخابات في ثلاثة أقاليم من أصل أربعة، ناهيك عن نشاطه الدؤوب في معقل الطبقة المتوسطة المتعلمة بكراتشي دونما اكتراث بحقيقة كونه بشتونياً يتحرك في مدينة لا تحتضن سوى أقلية بشتونية ضئيلة. وهناك من يقول إنه قد يدخل في مساومات مع العسكر لتفويزه في الانتخابات، وإيصاله إلى الحكم.
ولعل أحد عوامل صعوبة التكهن بنتائج انتخابات باكستان المقبلة، هو أن الناخب الباكستاني يتحول من حزب إلى آخر بسهولة إذا ما اقتضت مصلحته الخاصة ذلك. وبكلام آخر قد يمنح صوته في الانتخابات القادمة إلى حزب كان قد حجب عنه صوته في انتخابات ماضية، بتأثير من الإعلام الصاخب والدعاية الانتخابية والشعارات الطنانة والشائعات المضللة والمال السياسي. وفي هذا السياق ذكّرنا الزميل عمر فاروق المتابع للشأن الباكستاني في تقرير نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» (1/7/2018) بما حدث في انتخابات 2008 حينما ابتعد ناخبو «حزب الرابطة الإسلامية» (الجناح المؤيد آنذاك للجنرال برويز مشرف) عن حزبهم ومنحوا أصواتهم لـ«حزب الشعب»، ليبتعدوا في انتخابات 2013 عن «حزب الشعب» ويعودوا للتصويت لـ«حزب الرابطة الإسلامية».
التعليقات