عبدالرحمن الطريري

اختتم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي زيارة للخرطوم، نقلت العلاقات المصرية السودانية إلى مستوى غير مسبوق، هذا لا يلغي وجود خلافات، ليس أقلها الخلاف الحدودي حول حلايب وشلاتين.

لكنه ينهي مرحلة المناكفة بين الجارين وشريكي النيل، ولا يجعل كل عاصمة من العاصمتين المقر المفضل لمعارضة النظام الآخر، فالقاهرة ودعت تلك المرحلة والتي استثمر فيها حسني مبارك، خاصة بعد محاولة اغتياله في إثيوبيا 1995، والتي توصل النظام المصري حينها لقناعة بأن للنظام السوداني يدا في المحاولة.

الخرطوم أيضا يبدو أنها لن تبقى الحديقة الخلفية للإخوان المسلمين المصريين؛ لأن النظام السوداني أصبح لديه أولوية اقتصادية، متوازية مع رغبة الخرطوم التضييق على المعارضة السودانية، وهذا ما تم بالفعل حيث رفضت القاهرة استضافة الصادق المهدي.

قمة البشير- السيسي كانت اقتصادية في المقام الثاني، وهدفت إلى التكامل بين الجارين، حيث تبنت اتفاقية للتشارك في الطاقة الكهربائية، واتفاقية أخرى لربط السكك الحديدية بين البلدين، ويبدو أن هذه الزيارة ستبنى لمستوى غير مسبوق من العلاقات، وإن كان الملف الأمني أساسا في التطور الحالي، حيث استبق زيارة السيسي مدير المخابرات المصري اللواء عباس كامل في مارس الماضي.

هذا التطور في العلاقات المصرية السودانية، تجاوزت رسالته البلدين، إلى بلدان أخرى ربما لم يرق لها هذا التقارب، فعلى سبيل المثال كانت تركيا وقطر دوما ما تسعيان لاستغلال أي فتور في علاقات الخرطوم والقاهرة، وتقوم بملء هذا الشرخ والاستثمار فيه.

السيسي كان شديد الوضوح والمباشرة، في مخاطبة الدول الأفريقية خلال القمة التي جمعته بالبشير، حيث قال «مصر ستواصل جهودها لدعم الاستقرار في إثيوبيا وإريتريا»، وربما أدرك القلق الذي ربما كان موجودا لدى جنوب السودان، فخاطبهم في مؤتمره مؤكدا تعهده بدعم الاستقرار لديهم.

القمة المصرية السودانية تأتي على سبيل إصلاح الطرق التي تدمرت بفعل الربيع العربي، الذي كان مشروعا لخدمة الأجندات غير العربية في المنطقة، وهي الأجندات الإسرائيلية الإيرانية التركية، وربما أكثر الأمثلة وضوحا على ذلك هو ما يحدث في سورية اليوم.

مصر والسودان الْيَوْمَ تشاركان في التحالف العربي الذي تقوده المملكة لدعم الشرعية في اليمن، كمشروع عربي فعلي يتصدى للتمدد الإيراني الذي يستهدف السيطرة على المياه العربية، لتكون ورقة لابتزاز الغرب عبر تهديد الملاحة في الخليج العربي والبحر الأحمر.

ربما يمكن البناء على مستوى العلاقات المصرية السودانية الْيَوْمَ، لتعضيد العلاقات الاقتصادية بين البلدين والمغرب والأردن والخليج العربي، ولعل التجربة الأوروبية تكون مثالا يحتذى على المستوى الاقتصادي، فالتكامل قوة ولَم تعد القوة كما كانت في منظور الستينات الميلادية، عبر قدرة كل نظام على تحريك معارضة النظام الآخر.