يوم الاثنين الماضي، الموافق 7 ديسمبر، تحدث «قصر الإليزيه» عن لقاء الكبار، حديث التاريخ والحاضر والمستقبل، القاهرة - باريس رقمان فاصلان في تقدير الموقف الإقليمي والدولي. الرئيس عبد الفتاح السيسي في لقائه مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، تحدث بكل قوة وعمق وشفافية وصراحة، مصر ليس لديها ما تخفيه عن العالم، قواعد السياسة في العالم تغيرت، كل شيء صار مكشوفاً أمام عالم إلكتروني.

مصر ثابتة وقوية، حققت قفزات ونقلات نوعية على مختلف الأصعدة، العسكرية والسياسية والاقتصادية، والرؤى الاستراتيجية. مصر السيسي باتت حاضرة على طاولات التفاوض العالمي.

ماكرون لم يجد بداً سوى الإشادة والتأكيد على حقيقة ما يدور داخل الدولة المصرية. التوقيت فارق للقمة المصرية - الفرنسية، إنها زيارة للمستقبل، والرسائل عميقة وقوية، موجات جائحة «كورونا» في أوروبا، لم تمنع وهج القاهرة في الحضور وسط عالم مضطرب وشديد التعقيد.

مصر قالت كلمتها، ولديها أهداف ومشروع وطني إقليمي ودولي، تسعى إلى تحقيقه حفاظاً على استقرار المنطقة، وترسيخ الأمن القومي العربي، بعد أن طالت نيران الإرهاب والتطرف والعنف والفوضى والتخريب، النسيج السياسي والمجتمعي للشرق الأوسط، خصوصاً المنطقة العربية.

منذ أن تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2014 مهمة القيادة السياسية للدولة المصرية، ونجح بامتياز في تصحيح مسار العلاقات المصرية مع مختلف دول العالم العظمى والكبرى والمتوسطة والصغيرة. وفرنسا في مقدمة الدول التي استعادت سريعاً تاريخ العلاقات مع مصر، الذي يمتد إلى ما يقرب من 220 عاماً، الخرائط الراسخة لم تتمكن عواصف الخداع من إعادة رسمها. الخطوط الفاصلة بين الدول لم تمنع الحفاظ على ثوابت جغرافية شكلتها الحضارة المصرية، وصاغت الثقافة الفرنسية وجدان ترويجها، باريس ابتسمت في وجه القاهرة عندما رفض ملايين المصريين، البقاء تحت حكم جماعة إرهابية، وجاء الانحياز الفرنسي لإرادة الشعب المصري واضحاً وسباقاً، ليكون هذا الانحياز بمثابة نقطة ارتكاز لمستقبل العلاقات بين الدولتين، وأيضاً ليكون بوابة الاستدارة الأوروبية نحو القاهرة.

ربما تمتد جذور العلاقة بين القاهرة وباريس لسنوات طويلة، شهدت تغيرات وتباينات سياسية قابلة للتحليل وفق مصالح كل طرف، لكن مصر في عهد الرئيس السيسي، استطاعت تشكيل صورة ذهنية أمام العالم أجمع، بأن الدولة المصرية صاحبة رؤية استراتيجية صحيحة ومدروسة، تقوم على التسامح والسلام والاعتدال ونبذ العنف، بل وتحرير العالم من موجات التخريب والإرهاب والكراهية.

جدران قصر الإليزيه تشهد على قول الرئيس السيسي: «أنا مطالب بحماية دولة من تنظيم متطرف مضى على وجوده أكثر من 90 عاماً في مصر، واستطاع أن يعمل قواعد له في العالم كله، فرنسا تعاني أحياناً من التطرف، وهذا جزء من الأفكار التي تم نقلها من التابعين لهذا التنظيم في فرنسا وأوروبا، ليس لدينا شيء نخاف منه أو نحرج بسببه، نحن أمة تجاهد من أجل بناء مستقبل شعبها في ظروف في منتهى القسوة، وشديدة الاضطراب».

ما قاله الرئيس السيسي وجد صدى كبيراً لدى الرئيس الفرنسي ماكرون، إذ أكد أمام العالم: «مصر حصن منيع ضد التطرف، وأن مواجهة الإرهاب تشكل صلب العلاقة مع مصر، وأن شراكتنا ستسهم في استقرار الشرق الأوسط، وستسهم في العمل معاً لمواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية».

كلام الرئيس الفرنسي، يؤكد بعمق أن مصر هي محور استقرار منطقة الشرق الأوسط، وأن الاستثمار في مصر بات المرادف الحقيقي والواقعي «للاستثمار في الاستقرار».

اللافت للنظر أن القمة المصرية - الفرنسية جاءت بنظرة أوسع إقليمياً ودولياً، فلم تتوقف عند حدود النهوض وتطوير التعاون المشترك بين «القاهرة - باريس» فقط، وإنما صاغت تصورات ورؤى عميقة تجاه قضايا عديدة بالمنطقة، في مقدمتها القضية الفلسطينية، وتطابق الرؤيتين المصرية والفرنسية تجاه مستقبل استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفق مبدأ حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة على حدود 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، هذا فضلاً عن الحرص الواضح من الرئيس السيسي على رفض التدخلات الإقليمية في الشؤون الداخلية للدول العربية، ووضح ذلك جلياً في الملف الليبي وشرق المتوسط وقضايا المنطقة العربية، إذ تم التوافق حول تضافر الجهود المشتركة بين مصر وفرنسا، سعياً لتسوية الأوضاع في ليبيا، على نحو شامل ومتكامل يتناول كل جوانب الأزمة الليبية، وبما يسهم في القضاء على الإرهاب، ويحافظ على موارد الدولة ومؤسساتها الوطنية، ويحد من التدخلات الخارجية.

بدأت القمة وانتهت، بينما تظل أحداثها وما ترتب عليها قائماً وفاعلاً بقوة على مفردات المشهد المستقبلي للإقليم والمنطقة العربية، ربما تكون مكاسب هذه القمة عديدة، وفي مقدمة هذه المكاسب أن نتائجها تؤكد ثبات ورسوخ الدولة المصرية، وإعلاء كلمتها في المحافل الدولية والعالمية، وأن مصر باتت محور التفاعلات الإقليمية والدولية، بما يخدم ويحقق استقرار المنطقة العربية.