من المسؤول عن ثبات ملفات سياسية كثيرة مهمة وخطيرة ومصيرية من دون أن تتحرك قيد أنملة؟ وفي أحسن الأحوال تجتر حيثياتها وظروفها وأسبابها ومسبباتها وتدور حول نفسها من دون أن تتقدّم خطوة إلى الأمام، وهذه الملفات يديرها أو يناقشها مجلس الأمن والأمم المتحدة منذ عقدين من الزمان على أقل تقدير، وتشارك فيها الدول العظمى.
من المسؤول عن تعاظم مشكلة اللاجئين في الوطن العربي والشرق الأوسط واستعداد الدول لتقديم المساعدات لهم بدل أن تُبذل الجهود باتجاه حل مشكلتهم من جذورها؟ من المسؤول عن استمرار الجماعات الإرهابية و(تحوّرها)، وانتقالها من جغرافيا إلى أخرى، كأن الأقمار الصناعية اختفت من السماء ولم تعد صالحة لمراقبة الأرض، أو كأن الاستخبارات العالمية المعنية تقاعدت؟ وأسئلة كثيرة لا تطرح نفسها بنفسها ولكن تجري على ألسنة كل من يهمّه تحقيق السلام على وجه هذه البسيطة.
ولنبدأ من أحدث المستجدات في أفغانستان، وتدفق اللاجئين (عبر الطائرات) هذه المرة، وليس عبر البحر أو الحدود البرية، قضية أفغانستان طفت على السطح قبل عشرين عاماً لمحاربة الإرهاب فيها (من وجهة نظر أمريكية)، وبعد عشرين عاماً انسحبت أمريكا، وبدأ العالم ينشغل من جديد في كيفية التعامل مع ميليشيات متطرفة (مثل داعش- خراسان). لعل ليونة الخطاب السياسي الإعلامي الغربي (الأمريكي الأوروبي) يطرح أسئلة أكثر مما يقدّم إجابات.
الملف الذي لا يقل أهمية، وهو ملف دولي، شئنا أم أبينا، يتمثل في القضية الفلسطينية وتطبيق اتفاقية أوسلو، (نتحدث في الأمور المنجزة)، وبشكل أعم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وقضية اللاجئين الفلسطينيين، وقد مضى على توقيع اتفاقية أوسلو وغيرها من المعاهدات أكثر من ستة وعشرين عاماً، ما بين تقديم أفكار جديدة للسلام، وبين الشروع في المفاوضات والتراجع عنها أو عدم نجاحها، بينما الفلسطينيون يعيشون حياة بائسة في بلدان الشتات وجزء كبير منهم في بلدانهم، كما يحدث في قطاع غزة، هذا الذي يعيش حرباً بين كل حرب وأخرى، ولم يتم تحقيق أي تقدّم في الملف الفلسطيني الإسرائيلي، بل يعاني حالة جمود مريبة، إن كان من طرف السلطة الوطنية الفلسطينية أو إسرائيل.
الملف الثالث يتعلق بالتنظيمات المتطرفة ويمثّلها «داعش»، هذا التنظيم الذي ينشط منذ عشر سنوات في البلاد العربية وبعض الدول الإفريقية والآسيوية أيضاً ومنها أفغانستان، وانتشر في سوريا والعراق وليبيا واليمن وتونس، كما انتشر في مصر بلبوس آخر، ووصل إلى قمة قوته ثم تراجع بفعل تحالف الدول، لكن الحرب على الإرهاب تراجعت وضعفت فعاد التنظيم ينشط في البلاد ذاتها، ولا يزال يشكل خطراً على الناس والأنظمة والحياة المدنية، فلماذا لم تستمر الحرب عليه وأخذ المحاربون استراحة؟ كأن هناك مصلحة لأحد في وجوده..!
وهناك ملف إيران النووي، والاتفاقيات الإيرانية، والإحجام والإقدام، والنجاح والفشل، كأن الطرفين يلعبان لعبة شطرنج هادئة، على الرغم من إطلاق التهديدات بالبدائل التي لا تستبعد الحرب.
وهناك أزمات داخل الدول، وهي أزمات مخجلة، مثل أزمة تشكيل الحكومة في لبنان الذي تديره الآن حكومة مستقيلة، وأزمة التشكيل ذاتها التي استغرق سعد الحريري حوالي العام في تشكيلها وفشل، والآن يحاول نجيب ميقاتي، والبعض يقول إنه سيفشل، ولبنان يعيش أزمات متلاحقة تنذر بانهياره، لبنان بلد يجتر الأزمات منذ أكثر من أربعين عاماً.
هل المطلوب الإبقاء على هذه الملفات على حالها، ويبقى التوتر ينخر جسد الجغرافيا ويدمّر حياة الناس، هل المطلوب أن تبقى القضايا الأفغانية والفلسطينية والإيرانية واللبنانية ومحاربة الإرهاب قائمة من دون حل لغرض في نفس الدول العظمى؟ وهل المطلوب زيادة أعداد اللاجئين من هذه الدول لتبقى منظمات الإغاثة الدولية تعمل هنا وهناك؟
لم يعد من المقبول استمرار اجترار الأزمات وتدوير الحلول المهترئة ذاتها، فمن حق شعوب هذه الملفات العيش في أوطان مستقرة والاستمتاع بحياة آمنة وصحية، بعيداً عن المخاطر، ونقول مرة ثانية وثالثة: من المسؤول؟
التعليقات