نذ إصدار الدستور في نوفمبر عام 1962، وتشكيل أول حكومة في يناير 1963، والصبغة العلمانية تطغى على شكل الدولة، رغم النص الصريح في المادة الثانية من الدستور «دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع». واقتصر الأخذ بالتشريع الإسلامي في قانون الأحوال الشخصية وبعض المواد في القانون المدني وقانون الجزاء. وكانت الصبغة العلمانية واضحة في التشكيل الحكومي منذ البدايات، واستمرت عموم مرافق الدولة تُدار من قبل هذه التوجهات، حيث كانت تعيينات القياديين في الدولة من هذه المجاميع نفسها، التي كانت تحتكر معظم المناصب، وطبعاً كانت المناصب مقتصرة ومحدودة لمن اعتبروا أنفسهم ممن ساهموا في بناء الكويت في ثوبها الجديد.

ومع زيادة عدد السكان، ودخول التيار الإسلامي مجال العمل السياسي، وبالأخص في شكله البرلماني، أصبح لهذا التيار حضوره الواضح، وبالأخص في مجال الأوقاف الإسلامية والعمل الخيري التطوعي، لكن وزارات التأثير والتوجيه، كالتربية والإعلام، استمرت بيد التيار الليبرالي العلماني، وهذا واضح من أسماء من تناوب على إدارة هاتين الوزارتين، إلا في حالات نادرة جداً.

لذلك، ولأن هذه التيارات منفصلة - برأيي - عن ثقافة الأمة وتراثها، نجد حجم الانحدار في مخرجات التعليم.. حتى أصبح مجتمع الطلبة ما دون الجامعة مرتعاً للكثير من الآفات، كالمخدرات والغش وسوء الأخلاق، ولم تعد وزارة التربية وزارة للتربية، بل أصبحت مخرجاتها عالة على المجتمع، وانشغل المصلحون ومؤسسات الدولة المعنية في معالجة هذه المخرجات ومتابعتها لتقليل آثارها السلبية على المجتمع.

اليوم، التيار الليبرالي يحارب التيار الإسلامي، والعكس صحيح، لكن الفرق أن الإسلاميين يحذرون من عادات وتقاليد تدمّر نسيج المجتمع الكويتي وتدمّر أخلاق أفراده، كالمخدرات والخمور والمجون بكل أنواعه والانحلال الأخلاقي والعلاقات المحرمة بين الجنسين، بينما كثير من رموز الليبراليين لا يتورعون عن الدعوة إلى تأييد بعض هذه الآفات، بتصريحات تسمح للشواذ بممارسة شذوذهم في الكويت، وأخرى تدعو إلى السماح بتداول الخمور، أما المعتدل فيهم فيتباكى على قلة مظاهر الفرح في الكويت! ويضرب مثالاً بسفر بعض الكويتيين إلى دول الخليج لحضور حفلات غنائية، ويتناسى أن الكويت كانت أكثر دولة فيها حفلات غنائية وسهرات في الفنادق، حتى ان بعض مشايخنا لا يتورعون عن استضافة مطربين مشهورين في بيوتهم، ومع هذا لا يعجبهم العجب، لأن أولوياتهم محصورة في هذه القشور.

استبعاد الكثير من الكفاءات من أصحاب التوجهات الإسلامية من كثير من المناصب القيادية أمر خطير، لأنه مع الأسف أصبح ظاهرة، ومخالفاً للدستور الذي يرفض التمييز بين المواطنين بسبب توجهاتهم وانتماءاتهم، حتى أصبح الناس يتحدثون صراحة عن أن فلاناً تم استبعاده لأنه من «الإخوان»! والناس في الكويت يعلمون جيداً تاريخ هؤلاء المشرّف في كل مراحل بناء الدولة، ويعلمون مواقفهم البطولية في الغزو الغاشم، حتى عندما حاول البعض الانتقاص من هذا التاريخ، جاء القضاء ليعيد لهم حقوقهم ويثبت لهم بطلان ادعاءات الخصوم.

اليوم، ونحن نشكل حكومة جديدة في مرحلة جديدة وعهد جديد، نتمنى أن يكون مقياس الاختيار أيضاً جديداً، «إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ» و«قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ».. صدق الله العظيم.