بداية علاج الملك تشارلز الثالث من السرطان أثارت أسئلة، سواء من أفراد شعوب المملكة المتحدة ومؤسساتها الرسمية، أو من الصحافيين والمعلقين، أو من شعوب بلدان الكومنولث، أو من التجمعات الإقليمية العديدة التي تؤثر السياسات البريطانية على (وفي) سياستها الإقليمية والداخلية، أو من رعية الكنيسة الإنجليكية. أسئلة بعضها بسيط ومباشر، والإجابات عنها معقدة ما زالت تبحث عن إجابة.

فبجانب أن ملك بريطانيا يضع على رأسه تاجين رسميّين (ليس معاً بالطبع وإنما حسب المناسبة، هما تاج إنجلترا وويلز، وتاج أسكوتلندا منذ القرن السابع عشر)، فهو أيضاً ملك 14 بلداً آخر بجانب بريطانيا من كندا غرباً حتى نيوزيلندا شرقاً، كما أنه أيضاً رأس الكنيسة الإنجليكية التي لها حضور رسمي ورعية في 140 بلداً حول العالم.

أول الأسئلة، وليس أهمها، أثارته الشفافية في خطوة غير مسبوقة، بدأت الشهر الماضي بإعلان القصر تفاصيل جراحة أجرتها كاثرين، أميرة ويلز (زوجة ولي العهد)، ثم تبعه إعلان دخول الملك تشارلز المستشفى نفسه بعد أيام لعلاج تضخم في البروستاتا. فقبلها، وحتى رحيل الملكة إليزابيث الثانية لم يسبق للقصر إعلان هذه التفاصيل، التي عدّها المعلقون ومؤرخو الملكية تحديثاً لأهم مؤسسة بريطانية، تمثل التقاليد والتمسك بها دعامةً أساسيةً في استمرارها وشعبيتها. لكن إعلان القصر تفاصيل مرض الملك وزوجة ولي العهد في تحديث تشارلز للمؤسسة، أصبح سابقة في نظر الرأي العام، الذي طرح أول الأسئلة عن نوع السرطان (هناك 200 نوع) الذي يعالج منه الملك، فلماذا لم تُعلَن التفاصيل مثلما حدث في إعلان الشهر الماضي؟

وسؤال الضغط من الرأي العام يتضاءل بجانب الأسئلة الأخرى، فواجبات الملك رسمية، وشعبية، وكلتاهما تشمل البلدان الخمسة عشر، وبقية الكومنولث عالمياً. الواجبات الشعبية العلنية، كافتتاح المستشفيات والمشروعات العامة، وتدشين السفن، وحضور مناسبات لرعاية الأعمال الخيرية، وزيارات بلدان الكومنولث، يمكن للملك أن ينيب بها مَن يمثله حسب التسلسل الهرمي (بداية من ولي العهد، لبقية الأمراء والأميرات)، ويشمل هذا أيضاً المناسبات العسكرية في الأسلحة كافة (وأفراد الأسرة المالكة عدد منهم «كولونيل أول» أو الرأس الرمزي لفرق وألوية).

أما الواجبات الدستورية للملك، فيستطيع القيام بها خلال العلاج، وهي الاطلاع على الأوراق الرسمية ومحاضر جلسات مجلس الوزراء، فالمراسلات المستمرة بين داوننغ ستريت والقصر، بجانب لقائه الأسبوعي الخاص برئيس الوزراء كل ثلاثاء. كما أن القوانين التي يمررها البرلمان لا تبدأ صلاحيتها إلا بتصديق الملك عليها، وهو ما يستطيع القيام به من فراش المرض.

وغياب الدستور الثابت المكتوب كما هي حال فرنسا وأميركا مثلاً، يجعل الدستور البريطاني أكثر مرونة وتطوراً باستمرار، ويعتمد على السوابق وممارسات توازن صلاحيات المؤسسات.

فالملك، كالرئيس الدستوري للدولة البريطانية، يمثل المؤسسة التي تحل البرلمان (كما هو متوقع هذا العام)، عندما يقبل استقالة رئيس الحكومة ويكلفه ممارسة المهام مؤقتاً حتى نتيجة الانتخابات، وعادة يستغرق الأمر شهرين، وحسب نتائجها يستدعي الملك زعيم الحزب الفائز بأغلبية المقاعد البرلمانية ليكلفه تشكيل حكومة جديدة، وكلها يمكن أن تتم حتى في غرفة نوم الملك، ولكن الشعب في العقود الأخيرة يتوقع مشاهدة اللحظات التاريخية حيةً في التلفزيون، خصوصاً أن الملكة إليزابيث قالت مرة: «لا بد أن يشاهدني الشعب لتأكيد مصداقية المؤسسة الدستورية».

تعيين الملك لحكومة جديدة يعني الافتتاح الرسمي للبرلمان (يعرف أيضاً «بخطاب الملك» وأيضاً عند بداية دورة برلمانية جديدة)، وذلك يتطلب حضور الملك إلى مجلس اللوردات وقراءة برنامج الحكومة. لكن هناك أيضاً 6 سوابق لغياب الملك عن المناسبة لأسباب صحية؛ بداية منذ 1901 لمرض الملك إدوارد السابع، وفي 1929، و1935، منع المرض الملك جورج الخامس من الحضور، كذلك الملك جورج السادس لم يفتتح البرلمان في 1951، وفي 1963 كانت الملكة إليزابيث الثانية حاملاً في الأمير أندرو فلم تستطع الحضور. السوابق أنه في كل من المرات الست السابقة، عاد القرار إلى «مفوضية اللوردات» وهي لجنة يُعيِّنها الملك بوصفها جزءاً من المجلس الملكي الاستشاري، ويترأسها «اللورد تشانصلر» (لا توجد ترجمة مباشرة، وللتبسيط نسميه مستشار الدولة الأول) وهو منصب تأسس في عام 605 ميلادية، ويتبعه النظام والقضاء، بينما لم يتأسس منصب رئيس الوزراء إلا في 1721.

لكن في 2022 منعت الحالة الصحية الملكة إليزابيث من افتتاح الدورة البرلمانية، وأنابت عنها ولي، العهد الأمير تشارلز وقتها، وهي سابقة تُمكّن الأمير ويليام من تمثيل والده تشارلز في تأدية المراسم.

الإغلاق خلال وباء «كوفيد» أسس سابقة للاجتماعات الدستورية للملكة عبر تطبيقات مثل «زووم» مثلاً.

فقط في حالة الغياب عن الوعي (كإجراء الملك جراحة تحت تأثير البنج الكلي، أو حالات الغيبوبة المؤقتة) يفعّل قانون الوصاية لعام 1937، حيث تُكوّن لجنة من قرينة الملك، و«اللورد تشانصلر»، ورئيس البرلمان، ورئيس السلك القضائي، ورئيس السجلات والوثائق والقضاء المدني؛ لاختيار مَن يقوم بمهام الملك الدستورية، ودائماً ولي العهد.

الملاحظ أن الشفافية بإعلان مرض الملك زادت من شعبية الملك وولي العهد والنظام الملكي، حسب استطلاعات الرأي في بريطانيا.