في يوم التأسيس، نحاول دائماً الرجوع للزمن الذي بدأت فيه الدولة السعودية لنفهم من أين جاءت وكيف تطورت.

قد تختلف الحقب الزمنية لحكام آل سعود ويختلف معها طريقة إدارة الدولة، ولكن ما يبقى ثابتاً على مر الزمان هو حاجة الدولة لموارد اقتصادية.

ورغم ندرة المصادر التاريخية عن الدولة السعودية الأولى والثانية، وانحسارها في مؤلفات ابن بشر وما كتبه العديد من الرحالة الأوروبيين الذين زاروا جزيرة العرب في ذاك الوقت، فإنهم أعطوا تصوراً واضحاً عن الشكل العام للنظام الاقتصادي للدولتين الأولى والثانية.

أما الدولة السعودية الثالثة، فكانت نموذجاً مختلفاً عما سبقها، وما زلنا لليوم نعيش في ظل ما أسسه الملك عبد العزيز بن سعود والامتيازات النفطية التي منحها للشركات الدولية والتي على أساسها قامت «أرامكو» وأنعشت خزينة الدولة.

إذا أردنا تلخيص النظام الاقتصادي للدولة السعودية الأولى، فباختصار كان يقوم على مبدأ الزكاة والجباية، والذي أمّن مصدراً معقولاً للدولة مع اتساع رقعتها الجغرافية بشكل كبير.

ورغم هذه البساطة، فإن حكام الدرعية كانوا منظمين في جباية المال، وكان هناك بيت مال مركزي للدولة وفروع تابعة له، يعمل فيها العديد من العاملين عليها، في حين كان نشاط أهل الجزيرة لا يخرج عن الزراعة والرعي.

الدولة السعودية الثانية تطورت قليلاً. وبسبب الأمن الذي ساد مع حكام الرياض، انتعشت التجارة بشكل كبير مع انتشار محدود للحرف، ولكن الشكل العام لا يزال يعتمد على نظام الزكاة التي تُدفع للدولة. في عهد الدولة الثانية توسعت تجارة اللؤلؤ عالمياً، وأضافت مصدر دخل جديداً لأهل الساحل الشرقي لجزيرة العرب الذين كانوا يبيعونه في مومباي ويجد طريقه من هناك إلى أوروبا.

ولعل انتشار الأسواق في الدولة الثانية هو المظهر الملحوظ الذي يدل على تطور الحالة الاقتصادية.

وبالعودة للتاريخ، نجد أن الزراعة واستغلال الثروة الحيوانية والسمكية هي أساس اقتصاد جزيرة العرب لقرون، وهي إرث مهم يجب الحفاظ عليه. نعم اليوم نواجه تحديات كبيرة في التوسع الزراعي مع تناقص المياه الجوفية، ولكن هذه التحديات لا يجب أن تكون عائقاً، بل محفزاً.

جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) لديها خطط وأبحاث طموحة لإيجاد حلول علمية، بعضها تترجم إلى مشاريع واقعية مثل شركة «البحر الأحمر الزراعية» التي انبثقت من الجامعة وأصبحت تنتج الطماطم باستخدام مياه البحر. هذه الشركة قصة نجاح حقيقي؛ إذ جمعت تمويلات من جولات استثمارية عديدة، وقريباً ستوفر الغذاء العضوي للسياح والفنادق في المشاريع الجديدة على البحر الأحمر.

وفي الشمال، وفي نيوم، بدأت شركة «توبيان» أولى خطواتها لبناء نظام زراعي حديث ومتطور قائم على التقنية للتوسع في كل وسائل الزراعة الحديثة العمودية وغير العمودية.

وهناك جهود لتطوير زراعة الطحالب تقودها وزارة الزراعة، والتي قد تثمر مساهمات مليارية في الناتج المحلي الإجمالي لو تم تصديرها وتحويلها لمنتجات أخرى للتصدير، أو دخولها في منتجات صناعية أخرى.

أما الزراعة التقليدية والرعي واستغلال الثروة الحيوانية، فلا تزال ذات مساهمة واضحة، وهناك العديد من الشركات السعودية مثل «المراعي»، التي تصدر اللحوم والألبان لكثير من الدول المجاورة وتنافس بقوة في كل سوق تدخلها،

ولكن من الصعوبة تخيل مستقبل المملكة في هذين المجالين فقط، ولا يمكن أن تكون الزراعة والثروة الحيوانية سبيل تنويع الاقتصاد، ولكن تحول أبناء المملكة عنهما انقطاع لإرث مهم.

إن الزراعة المستدامة والعضوية أو تلك التقنيات التي تعتمد على الزراعة المنزلية، قد تكون حلولاً عملية ومهمة.

شخصياً تأثرت ببعض التجارب التي رأيتها في دول مثل سنغافورة، حيث كانت هناك حلول بسيطة توفر بعض المنتجات من الخضراوات في المنازل، وحاولت زراعة الكثير من المنتجات في المنزل في محمية صغيرة، وكانت النتيجة ليست بالسيئة لو أنني تمكنت من الاستمرار بها.

ومع نمو السكان الكبير في المملكة، لن نتمكن من الاكتفاء الذاتي وتحقيق الأمن الغذائي فقط بالاعتماد على مشاريع الدولة، بل يجب أن نفكر معها خارج الصندوق؛ إذ إن التقنيات الزراعية في تطور مستمر، خاصة مع دخول إنترنت الأشياء في الزراعة. والاستثمار في المشاريع الزراعية الصغيرة التي تبحث عن حلول مستدامة فرصة استثمارية جيدة.