مع استمرار تقنيات الذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل الصناعات، يواجه المشرعون تحديا حقيقيا يهدد مشاريعهم التنظيمية، فما إن يصدر التشريع سرعان ما يخرج من التاريخ بفعل تحول تقني كبير يظهر دون سابق إنذار. مضى المشرعون في قبول هذا التحدي دون طرح منهجية لمواجهته، سوى ما قدمته المملكة المتحدة التي خالفت التوجهات السائدة وطرحت منهجا جديدا.

طرحت بريطانيا منهجا تنظيميا مرنا للذكاء الاصطناعي يمكن أن يعد صديقا للابتكار. على عكس قانون الذكاء الاصطناعي الشامل للاتحاد الأوروبي، اختارت المملكة المتحدة المبادئ التوجيهية والأطر الخاصة بالقطاعات، وتخصيص الرقابة للاحتياجات المتميزة للصناعات المختلفة. هذه الاستراتيجية، رغم أنها قابلة للتكيف وتؤدي إلى التقدم التقني، إلا أنها تأتي بتحدياتها الخاصة.

يتجنب التنظيم البريطاني النموذج الموحد، ويطرح نموذجا لأنظمة دقيقة تأخذ في الاعتبار المخاطر والفوائد الفريدة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل الرعاية الصحية والتمويل والنقل. كما تتبنى منهجية صناديق الحماية التنظيمية التي تسمح للشركات اختبار تقنيات الذكاء الاصطناعي وصقلها بإشراف تنظيمي دون القيود المعتادة التي قد تعيق الابتكار. هذا المنهج يسرع من ظهور حلول الذكاء الاصطناعي الجديدة، جاذبا الاستثمارات والمواهب مما يجعلها بيئة تشريعية حاضنة للتوجهات الجديدة عالميا.

رغم ميزات المنهج البريطاني إلا له تحديات كبيرة. كون التنظيم مرن يعني أنه مفكك وناقص من حيث المبدأ، مما يعني أنه يرعى تناقضات وثغرات تنظيمية داخله. المرونة بهذا المعنى تؤدي إلى تنظيم يجزء المشهد متيحا لتطبيقات تنفذ من بين الثغرات دون رقابة كافية. الابتكار الذي يعد بدعمه هذا التنظيم يفتح مجالا لمخاطر تمس المستخدمين مؤدية لتقويض ثقة الجمهور في تقنيات الذكاء الاصطناعي، خصوصا في المجالات الحساسة التي تنطوي على البيانات الشخصية والحقوق الفردية.

التحدي واضح، منهج المملكة المتحدة يعزز الابتكار، لكنه يتنازل عن توفير حماية شاملة للمستهلكين والمجتمع من أجل التقدم التقني. العملية المستمرة للتقنية التي يطرد وراءها التشريع لن تتوقف، سواء استقرت تقنيات الذكاء الاصطناعي وجاء غيرها، أو لم تستقر وهو الأرجح. ما يبدو أنه ضروري هو تطوير الأدوات التشريعية لتدعم سرعة تطوير التشريعات وقياس نضج التقنيات الجديدة لاستشراف التحولات المستقبلية.

ما يحسب للنظام البريطاني أنه قدم معالجة للتحدي الذي يشغل الجميع في ابتكار تشريعي يستحق المتابعة. حماية الابتكار التقني تبدو الآن ضرورية ولا سبيل إلى ذلك سوى الابتكار في منهجيات التشريع نفسها. لا شك أن منهجا أكثر توحيدا وشمولا، في رأي المشرعين الذين لا يفضلون المنهج البريطاني، كفيل بحماية الابتكار من نفسه. نظام صلب في الوقت المناسب هو أفضل ما يمكن أن يقدمه المشرع للمجتمع بشقيه المستهلك والمبتكر. في نهاية الأمر، تسارع التقنية يمنع تحقق أحلام المشرعين، ويبقي زمام التقنية في يد المبتكرين الذين يشكلون المشهد بقيوده التشريعية أو ضدها أحيانا.