حظي الاجتماع الدوري لمنتدى التعاون العربي الصيني هذا العام بأهمية إضافية بحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، حفظه الله، والرئيسين المصري والتونسي وملك البحرين في بكين بمشاركة الرئيس الصيني شي جين بينغ. ومع أن التعاون العربي الصيني يمر بتطور مطّرد في السنوات الأخيرة، إلا أن هذا المنتدى يحمل دلالات عدة.
* أولاً، جاء بعد أشهر من انضمام الإمارات ومصر رسمياً لمجموعة دول «بريكس»، وكان للصين دور مهم في ذلك. ثم إنها تأتي في وقت يشهد فيه العالم استقطاباً جديداً في القلب منه صراع تجاري واقتصادي بين واشنطن وبكين، وضغوط لانضمام أوروبا إلى ذلك الصراع. كما أن الدول المهمة في المنطقة تحرص على تنويع علاقاتها الاستراتيجية في عالم يتسم بفترة من «الميوعة» في نظامه مقدمة المصلحة الوطنية على أية تحالفات أو تحيز في علاقاتها الدولية.
كانت دولة الإمارات أول من بادر بهذا النهج منذ سنوات، وتعزز ذلك في السنوات الأخيرة مع مسيرة تطوير القدرات الذاتية في الوقت الذي توسع فيه من علاقاتها مع المراكز الأهم في العالم، بشرقه وغربه. وذلك مع التأكيد، على أن مصلحة البلد والمنطقة تعني اغتنام الفرص بغض النظر عن تفسيرات وتحليلات الآخرين.
حين طورت الإمارات علاقتها مع روسيا قبل حرب أوكرانيا لم يكن ذلك موجهاً ضد أحد، بل على العكس كانت العلاقات بين الإمارات والولايات والمتحدة وأوروبا قوية وجيدة. أما العلاقات مع الصين فتعود إلى أيام المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وتعززت وتطورت أكثر فيما بعد حتى وصلت مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد إلى مستويات متقدمة راسخة.
لا شك أيضاً أن نموذج العلاقات الإماراتية - الصينية، وربما الخليجية عموماً، كان مؤشراً مهمّاً لتطور علاقات بكين مع دول أخرى في الإقليم مثل مصر وتونس وغيرها. ذلك أن الأساس الذي بنيت عليه العلاقات الإماراتية الصينية، وأغلب علاقات دولة الإمارات مع القوى والدول الأخرى، هو المنفعة المشتركة والتعاون من أجل تحقيق أهداف النمو المستدام.
لا تقاس أهمية العلاقات هنا بحجم التبادل التجاري والاستثماري فقط، وإن كان ذلك مهمّاً بعدما وصلت إلى عشرات المليارات، إنما بالتوازن الاستراتيجي الذي يؤمن آفاق المستقبل. ببساطة، لا يمكن الاستغناء عن العلاقات مع الولايات المتحدة، ليس لأنها أكبر اقتصاد في العالم ولا لأنها فقط قوة عسكرية هي الأكبر عالمياً، ولكن لأسباب عديدة أهمها المصلحة المباشرة من العلاقات مع واشنطن في كافة المجالات تقريباً.
كذلك الحال في العلاقات مع أوروبا، التي وإن كانت تتباين من دولة إلى أخرى إلا أنها في المجمل علاقات قوية وجيدة تدعمها استثمارات وتجارة وتعاون اقتصادي هائل.
مع ذلك، وبغض النظر عن التنافس بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة والصين التي أصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فقد عملت القيادة الإماراتية وبعده عدد من الدول في المنطقة على تعزيز العلاقات مع بكين. ليس على حساب علاقاتها مع أمريكا والغرب، ولكن بشكل مكمل. بالضبط كما تطور علاقاتها بكوريا الجنوبية واليابان وغيرهما.
يتركز الصراع حالياً بين واشنطن وبكين على أمرين في غاية الأهمية، وهما التكنولوجيا والطاقة المتجددة. ومعروف أن المسارين من أهم ركائز التطور في الاقتصاد الإماراتي في السنوات الأخيرة. وبالتالي لا يمكن حصر التعاون والاستفادة على جانب واحد فقط – أي الغرب تقليدياً. فمن المهم تعزيز التعاون مع مراكز صعود تكنولوجي جديدة مثل الصين.
من المهم أيضاً الإشارة إلى أن الصين تختلف عن أمريكا والغرب في تعاونها مع الدول الأخرى. ليس لأنها لا تربط ذلك التعاون بشروط، ففي النهاية للصين مصالح تريد الحفاظ عليها وتنميتها. لكن لأن الشروط الصينية لا تبالغ في أن «تعظ بما لا تفعل» كما هو الحال مع الولايات المتحدة وحتى أوروبا. فالصين غالباً لا تدّعي «حقّاً يراد به باطل»، وهذا يجعل العلاقات الاقتصادية تحديداً معها يعتمد فقط على شروط الاستفادة المشتركة. ذلك بالتحديد، ما جعل الصين تدخل بقوة في القارة الإفريقية بعدما سئمت دول القارة التعالي الغربي عليها وربط التعاون بشروط تتعلق بدعاوى سياسية وغيرها. لكن في النهاية، لا يوجد في العلاقات الدولية «غداء مجاني» كما يقول المثل الأجنبي. إنما يحسب كل طرف ما يحقق مصالحه الوطنية بشكل أفضل.
في الأخير، هناك أهمية خاصة للحفاظ على التعاون مع آسيا عامة، والصين خاصة، في هذا الوقت الذي يشهد سياسات حمائية وانعزالية غربية تقلل من فرص تطور العولمة. هذا في الوقت الذي تحرص الصين على تطوير مشروعها «الحزام والطريق» الذي يتضمن فرصاً واعدة هائلة تستفيد منها منطقتنا، والإمارات تحديداً باعتبارها مركزاً للتواصل التجاري والاستثماري والاقتصادي عموماً بين الشرق والغرب.
ليس هذا فحسب، بل إن التقدم التكنولوجي الصيني من الذكاء الاصطناعي إلى السيارات الكهربائية، يمكن الاستفادة منه ليس كمنطقة استهلاك فحسب، وإنما بالتعاون مع بكين على توطين تلك التكنولوجيات في دول المنطقة. أضف إلى ذلك تطور صناعات الفضاء في الصين، وهو القطاع الذي أصبحت فيه الإمارات رائدة في المنطقة.
التعليقات