الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للصين (16/5/2024)، وهي بالمناسبة أول زيارة له للخارج منذ تجديد انتخابه رئيساً لروسيا، وهي أيضاً الزيارة الثانية له للصين خلال ما يقل عن ستة أشهر، كانت مهمة من منظور تحديد أولويات التحرك الصيني – الروسي المشترك، خلال المرحلة المقبلة، في إطار مساعي الطرفين لمواجهة استحقاقات «التغيرات المتسارعة» في العالم، وتعزيز الرؤية المشتركة للتعامل مع الملفات، الدولية والإقليمية، إضافة إلى ترسيخ التعاون الثنائي المشترك، وتوسيع مجالاته، وهو ما جرت تسميته ب«تعزيز الشراكة الشاملة والتعاون الإستراتيجي» وفقاً لما صدر عن قمة الرئيسين الصيني شي جين بينغ، والروسي فلاديمير بوتين، من «إعلان سياسي مشترك».

ووفقاً لهذا الإعلان، كان الزعيمان، الصيني والروسي، واعيين بحقيقة مهمة جرى النص عليها في مقدمة الإعلان، وهي «إن العلاقات بين روسيا الاتحادية والصين تتعرض لاختبار بسبب التغيرات السريعة التي يشهدها العالم»، وبسبب آخر، ربما يكون أكثر أهمية، وهو «إن الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت تفكر في سياق الحرب الباردة، وتسترشد بمنطق المواجهة بين الكتل»، وهذا ما دفعهما إلى تأكيد التوافق بشأن قضايا معينة ضمن هذه المواجهة التي تخوضها الولايات المتحدة لتأمين استمرار سيطرتها، وهيمنتها على العالم، وبالتحديد ما يخص روسيا في أوكرانيا، ومن ثم العلاقات الروسية – الأوروبية، وما يخص المواجهة الأمريكية مع الصين في تايوان، وفي المنطقة التي تحمل اسم «الاندوباسيفيك»، أو المحيطين، الهادي والهندي.

فقد تضمنت وثيقة «الإعلان السياسي المشترك»، ضمن ما تضمنت من بنود مهمة، بنداً يؤكد «دعم الصين جهود الاتحاد الروسي على ضمان سيادته وسلامة أراضيه، ومعارضتها التدخل في شؤونه الداخلية». كما تضمن الإعلان تأكيد الطرفين، الصيني والروسي اقتناعهما بأنه «لا يمكن لأي دولة أن تضمن أمنها على أساس أمن الآخرين». لذلك دعت بكين وموسكو في هذه الوثيقة، الجهات الفاعلة الأخرى في السياسة الدولية إلى التوقف عن اتّباع سياسة المواجهة ومحاولات التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

في الوقت نفسه، تضمنت وثيقة الإعلان المشترك التركيز على ما وصف بالتأثير السلبي ل«استراتيجية الهند والمحيط الهادي» الأمريكية في الأمن الإقليمي، والعالمي، وشدّدا معارضتهما لإنشاء تحالفات عسكرية ضد دولة ثالثة في منطقة آسيا والمحيط الهادي، (المقصود بالتحديد الصين).

وفي هذا السياق، أعرب الطرفان عن قلق بشأن العواقب على الاستقرار الاستراتيجي في منطقة آسيا والمحيط الهادي، نتيجة تنفيذ واشنطن تحالف «ايكوس» (الذي يضم إلى جانب الولايات المتحدة بريطانيا وأستراليا واليابان). وفي الإطار ذاته، أكد الطرفان الصيني والروسي على إدانة نشر الأسلحة الصاروخية الأمريكية، ليس في منطقة آسيا والمحيط الهادي فقط، ولكن أيضاً في أوروبا، باعتبار أن هذه «الخطوات المزعزعة للاستقرار» تشكل تهديداً مباشراً لأمن روسيا والصين.

الأيام القليلة التي مضت أثبتت صحة توقعات القيادتين، الصينية والروسية، بأن تعزيز «الشراكة الشاملة والتعاون الإستراتيجي» بينهما يواجه اختباراً حقيقياً من الطرف الآخر الأمريكي، وحلفائه، سواء في ما يخص الدعم الصيني لروسيا في أزمتها مع الغرب، أو ما يخص الدعم الروسي للصين في أزمتها الخاصة ب«تايوان»، ومجمل إقليم «آ سيا الهادي»، لذلك كان السؤال ضرورياً ماذا ستفعل الصين مع تزايد التأييد داخل حلف شمال الأطلسي «الناتو»، للسماح لأوكرانيا بضرب أهداف داخل روسيا؟ ما دفع روسيا إلى الرد، على لسان الرئيس بوتين ب«صراع عالمي» إذا تدخلت فرنسا عسكرياً في الحرب الأوكرانية، وبعده تهديد الخارجية الروسية بضرب أهداف بريطانية داخل وخارج أوكرانيا، إذا استخدمت أسلحة بريطانية في ضرب الأراضي الروسية.

كيف سترد الصين على هذا التصعيد، هل ستلتزم بما نصت عليه وثيقة الإعلان السياسي، أم ستظل ملتزمة بحيادها «الإيجابي» إزاء الأزمة الأوكرانية في وقت أضحت الأراضي الروسية مهددة بالضرب؟

كعادتها اختارت الصين «التحرك الإيجابي المنضبط»، وما يحمل من رسائل. فمن ناحية أعلنت على لسان ماو نينغ، المتحدثة باسم الخارجية الصينية اعتذار الصين عن عدم حضور «قمة أوكرانيا» التي ستعقد في سويسرا، يومي 15 و16 يونيو/ حزيران الجاري، بسبب عدم دعوة روسيا لحضور هذا المؤتمر. وفي لقائه مع وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، على هامش «قمة حوار شانغريلا الأمني» في سنغافوزة يوم 31/5/2024، كرر وزير الدفاع الصيني دونغ جيون، موقف بكين «الموضوعي والمحايد» بشأن الحرب الأوكرانية، مشدداً على أن الصين ستواصل الدفع باتجاه عقد محادثات سلام ولعب دور بناء «لكننا نرفض بشدّة، أن تلقي الولايات المتحدة باللوم علينا».

احتجاجات صينية ليست بحجم التحدي المتصاعد الذي يحّول الحرب الأوكرانية إلى حرب «أطلسية – روسية»، ما يعني أن الشراكة الصينية – الروسية ما زالت تحت الاختبار.