من الحالات المحرجة للكاتب، أن تظهر مقالته الصحفية أو غير الصحفية وقد علقت بها أخطاء لغوية أو نحوية، وهي في الغالب ليست مقصودة، وإنما هي عرضية في سياق آلية العمل اليومي السريع في أغلب الأحيان، ومن المحرج للكاتب أيضاً أن تسقط من مقالته عبارة أو جملة بأكملها، فتهتز الكتابة آنذاك، ولكن القارئ المحترف، خاصة القارئ اليومي، يدرك ببصيرته المثقفة أن خطأ ما عرى ما هو مكتوب أمامه، ويقوم القارئ بخبرته وذوقه القرائي وحده بتصحيح الحرج الذي وقع فيه كاتبه.. بكل لياقة وتسامح من جانب القارئ.

في مقالتي أمس عن المفكر الروماني ميرتشيا إلياده سقطت بعض الأسطر التي تشكّل بُنى مهنية وثقافية تخدم المقالة، وتخدم الفكرة الأساسية التي أردت الكتابة حولها، غير أن ذلك كله غير مقصود، والأهم من ذلك أن القارئ دائماً هو رهان الكاتب، فهو أحياناً، إن لم كثيراً، أكثر ذكاءً من الصحفي، بل ويغفر له سرعته، وربما حساباته التي قد تتحكم أحياناً في الصورة الكلية التي تخرج بها المادة المكتوبة.

لكنني سأذكر هنا، وللأمانة الصحفية، أن المقالة سقط منها اسم مترجم الكتاب الذي تحدثت عنه أمس وهو (البحث عن التاريخ والمعنى في الدين) للمفكر ميرتشيا إلياده، ومترجم الكتاب هو الدكتور سعود المولى، وذكر اسمه في المقالة من حقه الأدبي والقانوني والأخلاقي، وهي مناسبة هنا لكي أتحدث عن قضية عامة ثقافية ومهنية في الوقت نفسه، وهي أن الكثير من الكتّاب العرب يعتمدون في مقالاتهم على مقتبسات وآراء وأفكار هي في الحقيقة مترجمة إلى العربية بجهود وعقليات مترجمين عرب مثقفين وحرفيين، لكن هؤلاء الكتّاب يتجاهلون، للأسف، أسماء المترجمين الذين هم الأساس في المادة التي يشتغل بها الكاتب. وبالمناسبة أيضاً لكم شعرت باحترام عميق لمفكر وباحث وفيلسوف فرنسي معروف لنا جميعاً في الساحات الثقافية العربية هو غاستون باشلار الذي في كل بحوثه ودراساته يذكر اسم المترجم الذي استعان بمادته، لا بل يذكر للقارئ رقم الصفحة، واسم الكتاب، وبالطبع اسم المؤلف.

د. سعود المولى نقل ميرتشيا إلياده بحرفية وفكرية وثقافية عالية المستوى ورفيعة الترجمة. كل ذلك بإمكانك العودة إليه في كتاب «البحث عن التاريخ والمعنى في الدين»، إصدارات المنظمة العربية للترجمة عام 2007، بدعم من مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، وبفضل المترجم د. المولى في مقدمته العميقة الوافية للكتاب، عرفنا ما لم نكن نعرفه من قبل عن هذا المفكر الروماني (مواليد بوخارست) الذي لوحق بتهمة معاداة السامية، وحلّل شخصية الأوروبي الغربي من داخلها، كما حلل طبيعة الشخصية الأمريكية، علاوة على أن إلياده هو ضحية التعصب والإرهاب الفكري الذي يعانيه العالم اليوم، ولذلك جرى تدبير حرق مكتبه، وبالتالي، مات مؤرخ الأديان مقهوراً بأدوات العنف والقهر وهي أدوات الضعيف والجاهل في كل مكان وزمان.