تلقى المجتمع الكويتي أحداث حريق المنقف بجملة من المشاعر والأفكار، فمن جانب التعاطف مع الضحايا والمصابين نتيجة الحدث، ومن جانب آخر الألم والحسرة لتكرار وقوع مثل هذه الأخطار والمشاكل دون علاج جذري من الدولة، وأخيراً الرغبة والأمل بالتصحيح الجاد ومعالجة تلك المشاكل والأخطار في الحال والمستقبل.

كان من أهم الأدوار الرقابية لمجلس الأمة والجهات الرقابية للدولة تنبيه الحكومة للمخاطر التي تواجه مؤسسات الدولة والسعي لعلاجها أو السعي لعدم تفاقمها، وبعد غيبة مجلس الأمة فإن مسؤولية مواجهة المخاطر تعاظمت أمام الحكومة، ويقع عليها وحدها كل العبء في مواجهتها وعلاجها، وما حصل من مخاطر تتعلق بحريق المنقف، أو تلك المتعلقة بتسريب الامتحانات أو احتمال انقطاع الكهرباء بسبب الحمل الكهربائي الزائد أثناء فترة الصيف، او مخاطر الأمن السيبراني، فإن الأمر يتطلب السبق في توقعها ومن ثم التصدي لها، ولذلك يتطلب من الحكومة العمل على استشراف المستقبل والقيام بتفعيل أدوار إدارة المخاطر من خلال حصر وتحليل تلك المخاطر، ورصد المتوقع منها مستقبلاً ووضع الخطط الوقائية للتصدي لها والحيلولة دون الوقوع بها مستقبلاً.

الاستمرارية.. لا ردود الفعل

أجواء الجدية التي أحاطت بأدوار وزارة الداخلية تجاه عدد من القضايا لاقت ترحيبا كبيرا من أفراد المجتمع بعد قيام الوزارة بحسن تنظيم فعاليات العيد الوطني في فبراير الماضي، ورُحّب أيضاً بقيام وزارة الداخلية بالتعاون مع عدد من الجهات الحكومية الأخرى بالتعامل الحازم مع آثار حادثة اندلاع الحريق في أحد المباني السكنية بالمنقف، هذا، بالإضافة لجهود وزارة الداخلية الإيجابية بالتشدد في السلامة المرورية.

ومع أهمية الخطوات المشار اليها أعلاه، يثار عدد من التساؤلات في اطار فكر التخطيط والتنفيذ الإستراتيجي للقضايا محل النظر، فابتداءً ما ضمانات استمرار الخطوات الإصلاحية التي تقوم بها الجهات الحكومية لإصلاح أوجه الخلل القائم في التركيبة السكانية أو السلامة المرورية أو الأنشطة الأخرى التي تعاني من جوانب قصور؟ وهل تلك الخطوات هي ردود فعل مؤقتة تنتهي بانتهاء الحدث أو بانشغال الجهات بأحداث أخرى مهمة ومستعجلة؟ وهل ردود الفعل الآنية للتعامل مع الأخطار والأزمات مرتبطة بخطة إستراتيجية قائمة أم هي اجتهادات وقتية قد تكون مفيدة او قد تكون ضارة إن لم تكن محسوبة ومدروسة مسبقا؟ وهل هذا الحماس في مواجهة الأزمات أو الأخطار مرتبط بتفاعل وحماس ونشاط شخص الوزير أو القيادي المسؤول وتنتهي بانتهاء ولاية الوزير أو نهاية مدة خدمة القيادي ثم تعود المسيرة السابقة الروتينية، والتي ترتبط بردة الفعل المؤقتة مع غياب التخطيط والتنفيذ الإستراتيجي؟

إن من أهم متطلبات التخطيط الإستراتيجي، وبالأخص فيما يتعلق بالأزمات والاخطار، تبني الاستمرارية كنهج في القيام بالفعل التخطيطي والتنفيذي، فالتخطيط الإستراتيجي بعيد كل البعد عن ردة الفعل الآنية، والتي تنتهي بمرور الوقت دون تحقيق الأهداف الإستراتيجية للقضايا محل النظر، وهنا نلفت أنظار الحكومة إلى أن بعض القضايا الحيوية يجب أن تعالج في إطار خطط إستراتيجية دائمة ومستمرة، ولا ترتبط بشخص الوزير أو القيادي المتغيرة، ولا محل للتعامل معها وفقاً للاجتهاد المؤقت، أو ردود الفعل غير المدروسة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر الخلل في التركيبة السكانية، وسلامة وأمن سكن الوافدين، والأخطاء المرتبطة بجلب العمالة.

الاستمرارية والثبات في التخطيط الإستراتيجي للتعامل مع القضايا الحيوية للدولة تتطلب قيام خطة مدروسة، وأهدافا ونتائج تسعى الدولة لتحقيقها لكل قضية، وتتطلب أيضا قيادة تنفيذية ثابتة لإدارة الخطة وتنفيذها، ومن متطلبات الاستمرارية توفر رقابة الأداء للخطة الموضوعة لكل قضية، ورقابة داخلية بتقارير دورية تُعرض على الجهة أو الجهات المكلفة بالتنفيذ، ورقابة خارجية يكلف بها ديوان المحاسبة من واقع الاختصاص المكلف به وفق القانون، وتلك القواعد والضمانات السابقة من شأنها أن تجعل قضية مثل الخلل في التركيبة السكانية، أو فوضى العمالة الوافدة، أو السلامة المرورية، محل نظر مستمر ومتابعة في الأداء والإنجاز.