ينشط تنظيم خراسان، فرع الدول الإسلامية في جنوب آسيا ووسطها، وسبق لأمريكا أن قتلت أغلبية زعمائه، لكنه لا يزال نشطاً في مساحات واسعة من شمال إيران، وأفغانستان وباكستان وجمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية والهند، وغيرها.
لماذا اختار هذا التنظيم الداعشي إطلاق اسم خراسان على نفسه؟ ولماذا كانت أصول كل أئمة وفقهاء الإسلام الأوائل ومفسّري ورواة الحديث، من أمثال البخاري ومسلم وأبو داوود والطوسي والنسائي، والشافعي ومالك بن أنس، وأحمد بن حنبل والخوارزمي والدارمي، وأبو بكر البرقاني وأبو القاسم الأزهري وغيرهم، من غير الأصل العربي، وحتى كبار الشعراء من أمثال أبو نواس، وبشار بن برد، ومهيار الديلمي، وصالح بن عبدالقدوس، وأدباء كعبدالله بن المقفع، لم يكونوا من العرب، وينتمون جميعاً لإقليم خراسان، وليس لأي من الحواضر والمدن العربية، في الوقت الذي لم تقدّم فيه كل هذه المناطق العربية، من مصر والشام والعراق والجزيرة، غير فيلسوف واحد هو الكندي؟ ولماذا كانت أسماء هؤلاء الفطاحل عربية، في أغلبيتها، وليست فارسية أو أفغانية أو هندية أو غيرها؟
يثير هذا الموضوع عشرات الأسئلة المحيرة، التي لم تتبرع جهة يوماً للإجابة عليها!
* * *
كانت لألمانيا، تاريخياً، اهتمامات بالشرق الإسلامي أكثر من أية دولة أوروبية. كما كانت لها، ولا تزال، تقاليد قوية في الدراسات الأكاديمية عن العرب والمسلمين، ولذلك تأسس فيها عام 2007 معهد «إنارة للتاريخ الإسلامي المبكر والقرآن»، كمنظمة مستقلة وغير ربحية، للبحث، ومنها سبب وجود هذا العدد الضخم من فقهاء وأئمة الإسلام المنتمين لمنطقة جغرافية محددة، غير عربية، لا لغوياً ولا ثقافياً، وبينهم من كان لهم أعظم الدور لغوياً عربياً، وأعظم الدور دينياً، فكيف يكونون من الفرس والأفغان والطاجيك، ولغتهم عربية فصيحة، وأسماء أغلبيتهم العظمى وثقافتهم تبيّنان أنهم أقرب للعرب منهم لغيرهم؟
لذا قام معهد إنارة، عبر إدارته المتمثلة بمجموعة من علماء الدراسات العربية والسامية واللغويات واللاهوت والتاريخ والدراسات الأسبانية والكلاسيكية والتاريخ القانوني وعلم العملات والنقوش والدراسات الدينية، من أمثال كارل أوهليج Ohlig، وغيرد بوين، ومحمد المسيّح، وكريستوفر لوكسنبرغ، بنشر وقائع أبحاثهم ونصوص ندوات في أحد عشر مجلداً حتى الآن، ترجم اثنان منها إلى الإنكليزية، خلصوا منها إلى مجموعة من «الاستنتاجات العلمية»، التي من المبكر الحديث عنها بإسهاب، ومنها أن منطقة خراسان الواسعة كان بها عدد كبير من العرب الآراميين، الذين تعود أصولهم إلى بلاد الشام بالذات، وأن هؤلاء كانوا أساساً مسيحيي الديانة، ومن الموحدين، الأقرب للإسلام، وتم نقلهم عنوة لتعمير مناطق آسيا الشاسعة، وجعل طرق القوافل أكثر أماناً، وكانت بينهم نسبة من اليهود.
ولفرض الشرعية على وجودهم، ذُكر في كتابات تعود للعهد العباسي، أن «عرب خراسان» هم أحفاد الجنود العرب، الذي غزوا تلك المناطق من خراسان، لكن لم يرد في التاريخ وجود غزو عربي «لخراسان»، بينما الوقائع، وفق استكشافات معهد إنارة، تثبت أن الأمر ربما كان عكس ذلك، حيث غزا عرب هذه المناطق الحواضر العربية، بعد إسلامهم وتخليهم عن ديانتهم المسيحية.
الموضوع شيق وكثير التعقيد كذلك، ويتطلب البحث المكثف، وللراغبين زيارة موقع «معهد إنارة الألماني»، لمعرفة المزيد.
أحمد الصراف
التعليقات