سميح صعب

مصحوباً بأكثر الأوقات سخونة في الشرق الأوسط منذ بدء حرب غزة في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غداً الرئيس الأميركي جو بايدن، المأزوم صحياً وانتخابياً، قبل إلقاء خطابه أمام جلسة مشتركة لمجلسي الكونغرس الأربعاء.

لم تعد الأنظار مركزة على اللقاء بين بايدن ونتنياهو، بقدر ما تتجه إلى الكونغرس الذي اعتاد مناصرة إسرائيل في مواجهة البيت الأبيض. حدث ذلك في 2015، بعد توقيع الرئيس السابق باراك أوباما على الاتفاق النووي مع طهران، وفاز مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب بعد عام بالرئاسة وألغى الاتفاق مع إيران.

في الوقت الحاضر، تبدو المسافة بين ترامب والعودة مجدداً إلى البيت الأبيض أقل مما كانت عليه عندما ألقى نتنياهو خطابه أمام الكونغرس عام 2015. التوقعات تشير إلى أن فرص ترامب الذي يصطف خلفه الحزب الجمهوري والمتبرعون الكبار تنتقل من مرحلة الاحتمال إلى مرحلة الأرجحية، وتعزز هذا الاتجاه بعد التعاطف الذي كسبه إثر تعرضه لمحاولة الاغتيال في بنسلفانيا في 13 تموز (يوليو) الجاري. وتزيد حظوظه وسط الفوضى التي يغرق فيها الحزب الديموقراطي منذ المناظرة الرئاسية بين بايدن وترامب في 27 حزيران (يونيو) وما تلاها من جدل تفجر داخل الحزب الديموقراطي حول ما إذا كان بايدن يتعين عليه المضي في الترشح أو فسح المجال أمام مرشح آخر، في ظل تراجع واضح في قدراته الجسدية والذهنية، وجَفَل كبار المتبرعين من دفع الأموال للحملة الديموقراطية التي يرونها سائرة نحو خسارة كارثية، ليس فقط للبيت الأبيض بل لمجلسي الكونغرس.

على هذه الخلفية من المشهد السياسي في الداخل الأميركي، تأتي زيارة نتنياهو التي ينظر إليها كثيرون على أنها ستكون مفصلاً في التطورات الحاصلة في الشرق الأوسط منذ أكثر من تسعة أشهر.

ومن المستبعد أن يقدم نتنياهو على إهداء بايدن الذي يترنح في أزمة الترشح وما يكتنف مصيره السياسي من غموض وقفاً للنار في غزة، على رغم الضغوط التي يتعرض لها من المستوى العسكري والمعارضة وأقارب الأسرى في غزة، وتصاعد العزلة الدولية لإسرائيل للقبول بصفقة للتبادل مع حركة "حماس" والموافقة على خطة لما اصطلح على تسميته "اليوم التالي" للحرب.

يماطل نتنياهو منذ أشهر في القبول بإعلان بايدن المؤلف من ثلاث مراحل والمستند أصلاً إلى "خريطة طريق" إسرائيلية، ليرى كيف ستتجه رياح الانتخابات الرئاسية الأميركية. ومع تقدم حظوظ ترامب، سيعمد نتنياهو إلى المناورة إلى ما بعد الانتخابات في 5 تشرين الثاني (نوفمبر)، ويقدم وقف النار هدية إلى المرشح الجمهوري.

يعزز هذا الاعتقاد أن نتنياهو ووزراءه عادوا إلى التركيز على إيران في خطاباتهم، بعدما انحسرت هذه الموجة في نيسان (أبريل) الماضي، بعدما كادت تندلع حرب مباشرة للمرة الأولى بين إيران وإسرائيل، عقب الغارة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من نيسان ومقتل القائد في الحرس الثوري الجنرال محمد رضا زاهدي، ورد طهران بقصف إسرائيل بأكثر من 300 صاروخ ومسيّرة ليلة 13-14 نيسان ومشاركة أميركا وبريطانيا وفرنسا في صدها، وقيام إسرائيل برد محسوب على منطقة أصفهان. وضغطت إدارة بايدن على إسرائيل وإيران لعدم اندلاع حرب إقليمية شاملة.

إن التصعيد الحاصل على الجبهات الإقليمية منذ أسبوعين، وعودة نتنياهو إلى القول إن "من يريد أن يرى شرق أوسط مستقراً وآمناً عليه أن يقف ضد محور الشر الإيراني، وأن يدعم كفاح إسرائيل ضد إيران ووكلائها"، هي لغة تدغدغ مشاعر ترامب أكثر من بايدن. وهي لغة تلاقي كلام السناتور الأميركي جاي دي فانس المرشح على لائحة ترامب لمنصب نائب الرئيس، عن الحاجة إلى توجيه "لكمة قوية" إلى إيران.

وكما نتنياهو كذلك وزير دفاعه يوآف غالانت الذي قال "إن النيران المشتعلة حالياً في الحديدة يمكن رؤيتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط والمغزى واضح".

في كونغرس مؤيد بغالبية ساحقة لإسرائيل باستثناء قلة قليلة في مقدمها السناتور بيرني ساندرز، سيجد نتنياهو بيئة حاضنة لأفكاره القائمة أساساً على أن المشكلة في الشرق الأوسط هي إيران، وليست وجود قضية فلسطينية بلا حل منذ 75 عاماً.

وسيعمق خطاب الكونغرس من جروح بايدن ويكون بمثابة رصاصة معنوية يطلقها نتنياهو على تبقى من حظوظ للرئيس الديموقراطي في البقاء في البيت الأبيض لولاية ثانية.