يقول المثل الشعبي "يعطيك الحجة والناس مروحة" أي أن الأمر حسم منذ زمن ولم يعد أحد يناقش هذه الأمور بعد أن تسيد النظام الرأسمالي على العالم وتغول عليه حتى وإن كان شوكة في حلوق الفقراء. ولكن خبرا انتشر مؤخرا يفيد أن نصف ثروة العالم متركزة بيد ثمانية أشخاص على رأسهم بيل جيتس. وفي المقابل تقول منظمة الجوع العالمية worldhunger أن عدد الجياع في العالم يفوق المليار نسمة. وتعريف الجوع هو عدم حصول الإنسان على العناصر الغذائية التي تمنعه من الموت. وهي تنشر صورا يتفطر لها القلب. وهم متركزون في آسيا وأفريقيا. إزاء هذه التناقضات، هل يمكن أن نصف العالم اليوم بأنه عالم متقدم متحضر؟
إن الجوع ليس المؤشر الوحيد على همجية ووحشية البشر، بل هناك الحروب التي تحصد أرواح البشر وتبتر أطرافهم وتدمر بيوتهم دون شفقة أو رحمة، ولكن ذلك موضوع آخر، والتركيز هنا هو على موضوع تكدس الثروة في يد قلة من البشر مع بقاء أكثر من مليار إنسان دون طعام. أليس الإنسان أشرس من الوحوش؟
تدعي الرأسمالية أن هؤلاء الأثرياء عملوا وجدوا واجتهدوا، ويحق لهم التمتع بثمار تعبهم. وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة. إن نجاح الأعمال التجارية يعتمد على الحظ بنسبة 90%، ويمكنك أن ترى بأم عينك مدرستين متجاورتين، واحدة عليها إقبال كبير والمجاورة لها تستجدي الناس ليسجلوا أبناءهم فيها، وهذا ينطبق على المطاعم والفنادق والمصانع وكل شيء موجود في السوق. ولي جار سوري لا يطرح السلام لا هو ولا أسرته على الجيران، لشدة ثرائه من مطعم يبيع فيه شاورما وفلافل، ولو تشاهدون معاملته لعماله، لاستنكرتم ذلك. والجار هذا شبه أمي، وهذا ما نسميه "الحظ".
إذا ولد طفل يعاني من تشوه خلقي، يجب على الدولة أن تتكفل بعلاجه، أفلا يجب عليها أن تتكفل بإطعام شعبها؟ صحيح أن النظام الاقتصادي الرأسمالي يلقي بالخدمات على القطاع الخاص، ونظرا لشدة التنافس بين رجال الأعمال، ترتفع الجودة وتنخفض الأسعار لجذب العملاء. هذا من الناحية النظرية طبعا، مع أن هذا الافتراض لا ينجح دائما. ولكن ألا يجب على الحكومات أن يكون لديها مخصصات لذوي الحظ السيء؟
كانت الشعوب الشيوعية تتذمر من النظام الشيوعي أو الاشتراكي، مع أنه لم يكن لديها فقراء وكان كل فرد لديه ما يأكل وماء وكهرباء وتعليم وعلاج مجانا، ولكن الناس يرغبون بالملذات بأي ثمن، حتى لو كان على حساب بعضهم بعض. إنهم يريدون سيارات فارهة وبيوتا فخمة وعطورا ساحرة وملابس راقية ومجوهرات ثمينة ومشروبات فاخرة ورصيدا بنكيا هائلا ... إلى آخره.
حسنا، إنه الجشع البشري، وحتى الوحش يأكل ولا يريد أكثر من ذلك، أما الإنسان، فلا يضاهيه مخلوق بجشعه. ولكن لا بد أن يكون هناك نقطة في منتصف الطريق. ألا يمكن وضع قوانين تجبر الثري على دفع ضريبة تحت مسمى "خدمة البشرية"؟ ثم جمع هذه الأموال وتوصيلها للجياع؟ لا يوجد شيء على وجه الأرض يمنع هذا الإجراء، ولكنها الإرادة ولا شيء غير الإرادة، فإذا رغب الإنسان في فعل الخير لوجه الله، فما الذي يمنعه؟ ألا يؤمن الرأسماليون بالله؟
إنه عالم مليء بالتناقضات إلى حد الوقاحة، فالعالم الرأسمالي يؤمن بالله وينادي بالعدل والديمقراطية والمساواة، ويشدد على الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، ولكنه لا يمد يد العون لأحد، بل يفتن في قتل الآخر، ولو أعطي الفرصة، لمحق جميع الشعوب المبتلاة بالفقر والمرض والجهل، ومع ذلك فهم يرسمون صورة مشرقة للرأسمالية وتكافؤ الفرص والعدالة وحب الخير للإنسان. إنه عالم بشع جدا.
التعليقات