في يوم الأربعاء، السادس من الشهر الجاري، اتخذ الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة الولايات المتحدة إليها، في خطوة أدانها المجتمع الدولي والدول العربية والفلسطينيون والدول الاسلامية.
هذا القرار الرئاسي جاء تنفيذا لتشريع اقره الكونغرس الأمريكي في دورته رقم 104 في 23 أكتوبر 1995م تحت مسمى "تشريع سفارة القدس لعام 1995م"، “Jerusalem Embassy Act of 1995” ، حيث يعبر بصراحة عن رغبة الولايات المتحدة بنقل سفارتها في إسرائيل إلى القدس بدلا من تل أبيب، والاعتراف بالقدس كعاصمة للدولة العبرية، وذلك في موعد أقصاه شهر مايو 1999م.
يزعم التشريع أن إسرائيل عملت على توحيد القدس بعد أن كانت مُقسمة. كما يذكر أن القانون الدولي يكفل لكل دولة تحديد عاصمتها، وفي هذا السياق أعلنت إسرائيل منذ 1950م القدس عاصمة أبدية لها، وجعلتها مقرا لكل مؤسساتها الوزارية والإدارية، وبينها مقر الرئيس والبرلمان والمحكمة العليا، كما أنها مركز الديانة اليهودية، وتعتبر مدينة مقدسة بالنسبة لأعضاء ديانات أخرى. ولضمان تنفيذ القانون، فرض الكونغرس عقوبات على الجهات التنفيذية في حال فشلت في اتخاذ مثل هذه القرارات ضمن الموعد المذكور.
لقد وعد عشرون رئيسا ومرشحا ومسؤولا في مجلس الشيوخ الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. ولكن هذا التشريع يسمح للرئيس الأمريكي بتأجيل تطبيقه كل 6 أشهر، وهذا ما فعله الرؤساء الأمريكان منذ 1995م. (المصدر: ويكيبيديا – الموسوعة الحرة).
إعلان القرار كان تنفيذا لوعد الرئيس "ترامب" خلال حملته الانتخابية للرئاسة بهدف كسب أصوات الجالية اليهودية واليمين الأمريكي المتصهين، وربما لحرف الانتباه عن المشاكل الداخلية التي يواجهها بخصوص الاتهامات الموجهة له ولفريق عمله حول الاتصالات مع الروس خلال حملته الانتخابية للرئاسة، والاتهامات بالتحرش الجنسي التي ظهرت ضده مؤخرا. ويقال انه شخصيا اخبر بعض الحكام العرب بهذا القرار قبل إعلانه رسميا.
الرئيس "ترامب" يعرف مسبقا ان القادة العرب والمسلمون سوف يعقدون مؤتمرا يشجبون فيه القرار ويهددون باتخاذ الإجراءات اللازمة لفترة قصيرة من الوقت بهدف رفع الحرج عن عجزهم وذر الرماد في عيون شعوبهم، ثم يقبلون الواقع الجديد الذي فرضته إسرائيل بدعم الولايات المتحدة ويعود الوضع كما كان. هذا هو طبع الحكام العرب منذ زمن طويل في مواجهة المؤامرات التي تحاك ضد شعوبهم: الشجب والاستنكار ثم الصمت والاعتراف بالواقع المفروض عليهم.
لا يمكن التعويل على الموقف التركي وصراخ "اردوغان"، فكلنا نتذكر حادثة السفينة التركية "مرمرة" التي كانت متوجهة لكسر الحصار المفروض من إسرائيل على قطاع غزة، وقتلها تسعة اتراك من ضمن الركاب الذين كانوا على سطح السفينة. الأمر الذي رد عليه "اردوغان" بالتهديد بقطع العلاقات بشكل كامل في حال عدم اذعان إسرائيل للشروط التركية، ولكن إسرائيل لم تذعن لأي من تلك الشروط، ولم ينفذ "اردوغان" أي من تهديداته.
كيف يستطيع قطع العلاقات وبلاده مرتبطة مع إسرائيل باتفاقيات عسكرية واقتصادية قيمتها مليارات الدولارات، فعلى الصعيد العسكري تزود إسرائيل تركيا بطائرات بدون طيار، وتعمل على تطوير الدبابات التركية وصيانة الطائرات الحربية وتحديثها وتزويدها بالتكنولوجيا التي تزيد من قدراتها القتالية، إضافة الى تزويد الجيش التركي بالأجهزة الإلكترونية المتطورة من خلال الصناعات العسكرية الإسرائيلية. اما على الصعيد الاقتصادي، فحجم التبادل التجاري بين البلدين يقدر بمليارات الدولارات حيث وصل عدد الشركات التركية التي تعمل في إسرائيل الى حوالي 580 شركة، هذا الى جانب حوالي 250 شركة إسرائيلية تعمل في تركيا، إضافة الى ما يقارب نصف مليون سائح إسرائيلي يتوجهون سنويا الى المنتجعات التركية.
كما لا يمكن التعويل على إيران، فالموقف الإيراني الرسمي من القضية الفلسطينية كما ذكره المرحوم "هاشمي رفسنجاني" هو "ان ما يقبل به الفلسطينيون نقبل به". نعم، الإيرانيون يزودون حركة حماس بالمال والسلاح من اجل ان يكون لهم نفوذ سياسي في القضية الفلسطينية، ولكنهم حتما لن يحاربون نيابة عنهم.
القرارات الدولية الشرعية (194 و242 و338) الخاصة بحل النزاع العربي – الإسرائيلي تدعو الى الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967م وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وحق اللاجئين في العودة الى ديارهم. كما ان القرار الدولي بتقسيم فلسطين عام 1948م اعطى الفلسطينيين 49% من مساحة فلسطين.
السؤال: لماذا لا تتمسك السلطة الفلسطينية والدول العربية الأخرى التي تتفاوض مع الإسرائيليين سواء بطريقة مباشرة او غير ماشرة بهذه القرارات، وتطلب من القوى الدولية المشاركة في عملية السلام الضغط على إسرائيل من اجل تنفيذ هذه القرارات بدلا من تقديم التنازلات المتواصلة في كل مبادرة يخنقها اليمين الإسرائيلي المتطرف في مهدها؟
ان الشعب الفلسطيني بحاجة الى برنامج وطني موحد يقر شكل النضال السياسي والعصيان المدني (والعسكري اذا امكن) واساليبه، والمشاركة الجماعية في اتخاذ القرارات الوطنية المصيرية، وهذا يتطلب وجود:
قيادة وطنية فلسطينية وسلطة موحدة.
رؤية سياسية مشتركة لجميع قوى المجتمع الفلسطيني.
التمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية وعدم التفريط فيها.
آخر الكلام: ما الذي يجبر إسرائيل على تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية، والكثير من أنظمة الحكم العربية ترتبط بعلاقات سياسية معها في الخفاء؟ هذا ما أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي قبل فترة قصيرة، وتمنى على هذه الأنظمة ان تعلن لشعوبها عن هذه العلاقات. وبعضها يرسل الوفود الشعبية لزيارة إسرائيل بحجة نشر السلام والتسامح الديني. دول العالم في انتظار "صفقة القرن" المتعلقة بالقضية الفلسطينية التي يروج لها فريق "ترامب" منذ انتخابه رئيسا، ونأمل ان لا تكون "صفعة القرن" على وجوه الفلسطينيين والعرب.
- آخر تحديث :
التعليقات