رفع علم كوردستان في كركوك، العمل على إجراء استفتاء حول قيام الدولة الكوردية، محاربة حزب العمال الكوردستاني بأيدٍ كوردية، إخفاق داعش المدعوم تركياً على القضاء على الطموحات الكوردية، تحويل شنكال إلى قنديل ثانية.. كلها مؤشرات واضحة أرادت بها تركيا بتوجيه رسالة إلى الكورد، من خلال سلاحها الجوي، والقصف به على جزئين كورديين استراتيجيين، بالنسبة لأمريكا وحلفاءها، وبالنتيجة إن ربطنا اليوم بالماضي وقرأنا المستقبل، فإن تركيا لن توافق على قيام أي دولة كوردية، لا في غربي كوردستان ولا في جنوبها، وقصفها لمنطقة كراتشوك وشنكال كان رداً على هذه المؤشرات.
لو اعتبرنا أن تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لوكالة رويترز بخصوص إبلاغ بلادها لشركائها بينهم أميركا وروسيا وإقليم كوردستان قبل العملية صحيحاً، فإننا سنستنتج من هذا الكلام أن أميركا لن تتخلى عن حليفتها القديمة (تركيا)، وأن وعودها ودعمها للكورد لا يدخل في خانة اعتبارهم حليف جديد في الشرق الأوسط، بل يدخل في خانة أن مصالح أميركا تتطلب ذلك، وبالتالي على الكورد أن يعلقوا مشاركتهم في حملة تحرير مدينة الرقة والموصل، الواقعتان تحت سيطرة داعش.
تركيا العضو المتذبذب في حلف الناتو تتوسل أن تلتحق بالاتحاد الأوروبي، تتعامل مع إسرائيل كدولة مشروعة وترى في الإرهاب الروسي على الشعب السوري شرعياً، رغم أن الأخيرين لقناها درساً قاسياً، لكي تصبح القوة الإقليمية الوحيدة في المنطقة، ولتجبر الشرق والغرب في أن تتعامل معها وتشتري خدماتها لتنفيذ أي مشروع في المنطقة، ومنها المشروع الكوردي.
لذا هي لا تفرق بين الشعب الكوردي والبيشمركة ووحدات حماية الشعب والأحزاب، همها الأول والأخير في حروب الشرق الأوسط القضاء على الكورد، تحت أي ثمن كان.
عندما قصف الأسد الغوطة الشرقية بالأسلحة الكيماوية التي راحت ضحيتها أكثر من 3000 ضحية والآلاف من الجرحى، اشتعل النار في صدور الأمهات الكورديات، جُنّ الشباب الكوردي على وسائل التواصل والتفاعل الاجتماعي بين مَن اعتبر الأسد سفاحاً وبين مَن رفض هذا القصف وهذه الإبادة الجماعية الوحشية، واعتبرها خرقاً للقوانين والشرعية الدولية والمبادئ الإنسانية، فيما الأحزاب والمجالس والمنظمات الكوردية نظمت التظاهرات والاعتصامات العارمة تعبيراً عن غضبهم وتنديداً بمجازر النظام السوري، وقد فعلوا الأمر نفسه في مجزرة خان شيخون والقائمة تطول.
في المقابل وأثناء حرب داعش على كوباني والمجزرة التي راح ضحيتها أكثر من 1500 ذبيح والآلاف من الجرحى لم نرَ أي تضامن واضح من العرب بكتائبهم وأحزابهم وائتلافاتهم، لم نرَ أي مواقف إنسانية منهم كالتي أبداها الكورد تجاههم ضد قمع النظام لهم، بل بادر الكتاب والنشطاء والفنانين العرب وإعلامهم بتخوين الكورد والاستهزاء بمصائبهم ووصفهم بالمرتزقة والانفصاليين، لم نقرأ أي بيان سياسي جدير حتى على صعيد الشراكة الوطنية، بل كانوا ولا زالوا يملكون عقلية العربي الشوفيني الذي يعتقد بأن الكورد سيحتلون الأرض السورية من ديرك إلى درعا، وأكبر دليل على ذلك تطبيلهم وتهليلهم على القصف التركي للمواقع الكوردية.
من جانب آخر صالح مسلم وعلى لسان حزب الاتحاد الديمقراطي يدعو التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية إلى التدخل لإيقاف الغارات الجوية التركية على وحدات حماية الشعب.
حقيقة لو أن هذا الرجل يملك حسّاً قوميا كوردياً، لما طالب من الغرب في أن يتدخل لوقف حماقات الأتراك، بل طالب حزبه في أن يقطع علاقته بالنظام السوري، وتوحيد كل جهوده مع جهود المجلس الوطني الكوردي المُطالب أيضاً بالانسحاب من الائتلاف السوري ذو الهيمنة الإسلامية، والعمل على تأسيس كيان سياسي وفصيل عسكري كوردي مستقل، وإطلاق سراح سجناء الرأي والسياسة والإعلام وإلغاء التجنيد الإجباري، بل العمل بشكل حقيقي بضرورة عودة بيشمركة غربي كوردستان، عندئذ لن يتجرأ أي عربي شوفيني في أن يقلل من هيبة وقوة وتنمّر الكورد.
خلاصة قصيرة:
تركيا لا تفرّق بين البيشمركة ووحدات حماية الشعب، بين مَن يؤمن بالمدرسة البارزانية والفلسفة الأوجلانية، فهي في الماضي والحاضر وحتى المستقبل لن تبقي على أي كوردي في العالم إن سنحت لها ذلك، وستحارب كل المشاريع الكوردية، ولن تسمح بقيام أي دولة كوردية حتى لو كان على شكل قرية صغيرة.
التعليقات