نشاط انتخابي محموم ومبكر ومتصاعد أيضا، تخوضه الاحزاب عبر مؤتمرات وزيارات قياداتها التقليدية لبعضهم وتجاوز حالات الصد والتنافر بين من كانوا يتقاذفوا بالتهم والنقد لبعضهم، تقارب الأضداد وعودة الأبن الضال والمتهم بالخراب الى الواجهة عبر مسوغات شعاراتية معلوسة وليست معسولة، يحدث هذا بينما الشعب يغرق في خيبة الواقع المثقل بالأزمات والمخاوف والزحف التدريجي للفقر والرعب.
الأحزاب السياسية المتسلطة منذ ١٤ سنة كارثية تعيش نشوة ثرواتها وميليشياتها واستحكامها بقواعد اللعبة الانتخابية والبرلمانية وقوانينها الفاسدة، وهي لاتكترث لواقع البؤس الاجتماعي وحجم الخسائر الهائلة وضياع الوطن واستمرار قوافل شهداء الحرب ضد داعش من جهة،والجريمة المنظمة والفساد السياسي والمالي من جهة أخرى، من هنا فهي تقطع الصلة بالشعب وتكتفي بزهو القوانين التي تصدرها وابواقها الاعلامية وجمهور من فرق الردح والتصفيق وحزمة مما يسمون بالشيوخ والشعراء الشعبيين. 
سيناريو بائس يتكرر للمرة الرابعة وفق المخيال السلطوي للاحزاب السياسية، لكنه فاقد للاسباب وعناصر القوة السابقة مثل الوعود والدفاع عن المذهب والطائفة والمكون، سقطت كل أوراق التوت وانكشف الزيف الأسلاموي الإستلابي لكل مايتصل بمشروع الحرية والحقوق والديمقراطية للشعب، لم يتبق لهم سوى طريق اتفاق المصالح مع بعضهم وتسويق أنفسهم مرة أخرى عبرمايسمى بالأغلبية السياسية أو وسائل قهرية ناعمة، أسمها القوانين واحترام إرادة الشعب عبر قرارات برلمان هزيل نصفه تم تعيينه بالصفقات والاختيارات البعيدة عن ارادة الشعب، كما سيلتقون على ترديد آخر لحن أطلقته حناجر الفاشست في اتهام العلمانيين بالخراب والدمار والفساد الذي أصاب العراق!
الحقيقة التي لاتعرفها الطبقة السياسية الشيعية والسّنية ومابينهما، أن الشعب ماعاد يهتم أو يستمع أو يتابع أو يحترم أي اطروحة من هذه الطبقة السياسية، وقد أصدر قراره البات بفسادها وعدم صلاحيتها، ومصدر الخيبة انه يعرف ايضا بأنها باقية، لأن ثمة دول مجاوره تريدها ان تبقى لخدمة مصالحها، ولأنها تملك المال والسلطة والتزوير مما ييسر بقائها حتى لو تظاهر ضدها ملايين العراقيين.
الجديد في وعي ومدارك العراقيين اليوم، أنهم ماعادوا يعولون على الأنتخابات وماتعطي من نتائج وتغيير واصلاح بعد ان خبروا نتائجها وفشلها،ودفعوا الثمن باهضا بوجود حكوماتها الفاشلة والفاقدة للمعاني الوطنية والنزاهة، ماجعل المعادلة تبدو وكأن الطبقة السياسية بوادي والشعب العراقي بوادي آخر، وما هذا العزل والكراهية المتبادلة بين الشعب والطبقة التوليتارية الحاكمة بفاشية الأكثرية الإنتخابية المزيفة، يمثل أعلى مراحل تحلل السلطة والطبقة السياسية وسقطوها التاريخي.
الأمر الذي ينبغي ان تدركه الطبقة السياسية الحاكمة والحالمة أيضا، أن غالبية الشعب ينتظر مشروع التغيير الذي اعلن عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهذا الأمل الوجودي الذي يغازل مخيال الشعب أصبح أحد مسببات الانتظار والصبر على مرأى نهاية هذه الطبقة الفاسدة الحاكمة وبشغف من يخسر كل شيء ويربح في اللحظة الأخيرة في مشوار اللعبة المهلكة.
تلك الحقيقة التي لن أتردد في إعلانها للطبقة السياسية لكي تدرك ان الشعب ينتظر نهايتها حتى لو كان الثمن احتلالا امريكيا من جديد، أو مجيء البرابرة كما يقول الشاعر كفافي ( في انتظار البرابرة ) عسى ان يكون الحل بمجيئهم، بعد ان بلغ الشعب أعمق نقطة في قعر اليأس.