خلال الولاية الاولى للسيد المالكي حدث سجال بين عدد من المثقفين والكتاب العراقيين عن اسباب التدهور المستمر والمسؤوليات عن ذلك.... تشعبت الاراء رغم الاتفاق على نقاط منها: 

• دور تركات النظام السابق على مختلف الأصعدة السياسية والاجتماعية ووعي المواطن وهواجسه.

• دور التدخل الاقليمي ، لا سيما تدخل القاعدة بتشجيع من النظامين الايراني والسوري، وأيضا التدخل الخليجي بمؤازرة هذا الفريق العراقي او ذاك.

• دور التركيبة العراقية المعقدة ، لتعدد الاديان والمذاهب والقوميات.

• الدور العشائري وإفرازاته، رغم ان ثورة 14 تموز كانت قد الغت (قانون دعاوى العشائر).

التأثير المتبادل بين ما يجري في العراق وما يحدث في المنطقة ، ولا سيما في دول الجوار ، ناهيكم عن الانقسامات الدولية حول العراق. ونذكر ان غالبية قوى المعارضة العراقية السابقة ( التي وصلت للسلطة بعدئذ) كانت مع التدخل العسكري الأمريكي مع معارضة بعض الاحزاب... وهناك من نسبوا كل الفوضى ، والصراعات الجديدة الى الحرب نفسها ، وما يعتبرونه حسابات امريكية خاصة...

خلال تلك المناقشات برزت افكار وفرضيات متعارضة ، ربما لايزال بعضها قويا في تقديرات البعض ، واذكر تحليلات نسبت المسؤولية عن تدهور الاوضاع الى الشعب العراقي نفسه، وتخلفه وجهله... وكان يقال ان الملايين تسير على الاقدام في زيارات دينية مليونية ، ولكنها لا تهب هبة جماعية في انتفاضة ثورية كاسحة لتصحيح الاوضاع ، كالفساد و الطائفية والمحاصصة والتدخل الخارجي. وفي حينه ( وربما لحد يومنا) ردد البعض مقولة : (كيفما تكونوا يُولَّ عليكم) بزعم ان العراقيين شعب يمجد القوة ويعتبر الحكم العادل والمعتدل ضعيفا، ولذا فهو لن يبالي به ويستصغره، أي ان العراقي لايفيد معه غير حكم القوة والعنف... وهذه فرضية اقرب لشعارات الحجاج... وبرزت افكار تردد( الناس على دين ملوكهم) وهي مقولة تعكس الاولى تقريبا... حين نقرأ او نسمع كل هذا وأمثاله ، فان ما يكاد يضيع في هذه المعمعة هو التحديد الدقيق للمسؤوليات الاولى عن تدهور الاوضاع العراقية باستمرار. هل تركات صدام؟ ام تركيبة ألمجتمع؟ ام التخلف الجماهيري؟ ام التدخل ألخارجي؟ ام ماذا؟ ....

من وجهة نظري فقد كنت ولا ازال ارى ان المسؤولية الاولى والكبرى تقع على الطبقة السياسية التي تسلمت الحكم بعد صدام. فإذا كان صحيحا ما يقال عن الزيارات المليونية للمواطنين ، فان الاصح ان الاحزاب الحاكمة هي التي زادت الاحتقان المذهبي وأشعلته ، وهي التي كانت ولاتزال تكتشف في كل يوم مناسبة دينية جديدة تطلع بها على المواطن البسيط. والأحزاب الحاكمة هي التي راحت تتقاسم الامتيازات وتمعن في الفساد ، وتغازل هذه الجهة الخارجية او تلك. ان دور النخب والقيادات السياسية والفكرية يلعب ولعب في التاريخ دوراً شديد التأثير حتى عندما يكون المجتمع متخلفا والأكثرية امية. فسيطرة الكنيسة والملكية المطلقة في فرنسا الماضي لم تمنع من ظهور افكار فولتير وديدرو و روسو ومونتسكيو وساسة متنورين استطاعوا بعد هزات وانتفاضات بناء الدولة الديمقراطية العلمانية في فرنسا. وفي عراقنا نفسه ورغم مواريث اربعة قرون من الاحتلالات العثمانية والصفوية والجهل المنتشر ، برز منذ ألعشرينيات، العشرات من الساسة الوطنيين المتنوريين والحركات الديمقراطية والتقدمية الرائدة التي نشرت الوعي الوطني بين الجماهير وساهمت في التماسك الوطني .. كما ظهرت ونشطت حركات تحرير المرأةوالنهضات الثقافية والتعليمية والفنية والشعرية وغيرها... فدور القيادات والنخب اساسي في اوقات التحركات ألشعبية ، فإما ان يكون دور النخب والقيادات رائداً ودافعا للأمام ، وانما بالعكس، ان كانت مصابة بهوس السلطة والمال وازاحة الاخر ... فكيف اذن اذا كانت الهيمنة هي لأحزابوكتل الاسلام السياسي، العدو الدود للديمقراطية وحقوق الانسان والقوميات؟ فالسلام السياسي هو من تصدر وساد ، ولا ينتظر منه ان يسير بالعراق الى امام و انما العكس. اما المواطن ، او الشارع ، فانه يدخل في علاقات متبادلة مع القيادات ، وحين تتحرك الجماهير بقيادات واعية ، فأنهاتكون قادرة بالأساليب السلمية على السير بالبلاد الى الامام. وعلى القيادات الحكيمة والجريئة ان لا تنساق وراء اية نزعة او مشاعر سلبية موجودة بين الجماهير ، وتعمل للمتاجرة بها كما تفعل الاحزاب الدينية ، تزداد تلك المشاعر التهابا ، كالانكفاء الديني او العراقي ، والإمعان في كراهية الأخر ..وقد تتحول الجماهير في بعض الحالات الى رعاع او غوغاء تقوم بالتدمير كما كان يفعل بسطاء الفرنسيين ايام الثورة الكبرى. وكما حدث في العراق بعد الثورة ، واقصد هوس الحبال وشعار (ما كو مؤامرة تصير والحبال موجودة) وهنا يبرز دور القيادة الواعية والشجاعة لعدم الانسياق والوقوف في وجه هذه النزوات والانفجارات العاطفية... هذا الموضوع متشعب وله جوانب كثيرة وقد نعود اليه في مناسبة أخرى ، وإنما هنا اعبر عن وجهة النظر القائلة ان المسؤولية الكبرى عما يقع في العراق تقع اولاً على الطبقة السياسية الجديدة..