عند المقارنة في الخطاب السياسي في فترات أوج قوة الانظمة الاستبدادية المبنية على القمع و بين فترات تراخي قبضتها و بدء العد التنازلي لرحيلها، فإننا نجد أن خطابها السياسي في ذروة قوتها يتسم بطابع مفعم بالتشدد و التطرف، لکن هذا الخطاب وفي فترات تراخي القبضة و إهتزاز رکائز الاستبداد نجده يجنح الى منتهى التشدد و ذروة التطرف.
"يجب الحفاظ على أمن البلاد، ويعلم كل من يتخطى ذلك بأنه سيواجه صفعة"، بهذه الجملة النارية خاطب المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية الايرانية الشعب الايراني في خضم التحضيرات الجارية للإنتخابات الايرانية المزمعة في 19 من هذا الشهر، وبطبيعة الحال فإنه وقبل إطلاق هذه الجملة النارية المدافة فيها کل أنواع التهديد و الوعيد، بادرت السلطات الايرانية الى تدريب 50 ألف من قوات التعبئة لمواجهة أية تحرکات إحتجاجية من جانب الشعب من شأنها إعادة سيناريو عام 2009 الذي هز الجمهورية الاسلامية الايرانية بقوة تضاهي تلك التي هزتها أحداث عمليات الضياء الخالد التي وصلت فيها قوات جيش التحرير الوطني الايراني الى مشارف مدينة کرمانشاه و أعلن الخميني حينها النفير العام.
هناك إتفاق بين کافة الأجنحة و التيارات السياسية في إيران على إن الاوضاع في إيران قد وصلت الى أسوء مايکون، خصوصا مع الاعتراف الرسمي بأن هناك قرابة 45 مليون مواطن إيراني لايجدون مايسدون به أودهم يوميا، وإن السلطات الايرانية التي تقوم بالتصدي للنتائج و لاتبحث أو تعالج في الاسباب، تعتقد بأن إعتقال و إعدام العشرات و المئات من شأنها أن تردع ملايين الشعب الايراني عن التفکير في التغيير، وکما يقول الناشط الحقوقي الاسود هيو نيوتن:" يمكنك أن تعتقل ثورى ولكن لا يمكنك إعتقال الثورة."، وإن الانتفاضة التي إندلعت في عام 2009، لم يتم حسم أمرها کما تتصور طهران، بل إنها باقية کالجمر تحت رماد الکبت و الصمت الاشبه بالسکون الذي يسبق العاصفة، ولهذا فمن الطبيعي جدا أن يبادر المرشد الاعلى للجمهورية الى إطلاق مثل ذلك التهديد الملفت للنظر والذي يدل على ذروة القلق و التوجس من المستقبل الغامض الذي بات ينتظر هذا النظام.
التصريحات الاخيرة للمرشد الاعلى و التي يهاجم فيها کل من يفکر بالتغيير باسلوب مبطن ولکنه واضح أشد الوضوح بالقول: "إن تغيير سلوك الأفراد لا يختلف أبدا عن تغيير النظام، وإن تغيير السلوك يعني القضاء على النظام الاسلامي"، هي إمتداد لتلك الجملة النارية التي اوردناها لاحقا، متناسيا من إنه و" عندما تصبح الدكتاتورية حقيقة واقعة تصبح الثورة حقا من الحقوق."، کما يقول فيکتور هوغو، هذه المواقف الموغلة في التشدد و القسوة من جانب خامنئي، تعطي إنطباعا کاملا من إن طهران باتت تدرك و تعي جيدا بأن النظام السياسي القائم في إيران لم يعد مرغوبا فيه من قبل الشعب الايراني وإن المنطقة و العالم باتوا يميلون الى دعم تطلعاته للحرية و التغيير، وإن السياق السياسي الفکري في إيران و الذي يسعى لتوليف و توظيف الدين کعامل أساسي من أجل دعم الجمهورية الاسلامية الايرانية و ضمان بقائها، لم يعد مرغوبا ولا مقبولا ذلك إنه" لم تخلق دور العبادة للمهاترات السياسية وتأييد الطغاة."، کما يقول نجيب محفوظ، وإن الدعوة لفصل الدين عن السياسة و التي هي أحدى المبادئ العشرة الاساسية التي أعلنتها زعيمة المعارضة الايرانية مريم رجوي، يمکن إعتبارها إستشفافا دقيقا و عميقا للمرحلة التي تنتظر إيران بعد إنتهاء فترة خريف الجمهورية التي بناها الخميني منذ أکثر من 38 عاما.
- آخر تحديث :
التعليقات