لم يمكن مفاجئاً إعلان أنقرة وطهران التوصل إلى اتفاق لشن عملية عسكرية مشتركة ضد حزب العمال الكردستاني، فجوهر المحادثات الأخيرة التي دارت بين مسؤولي البلدين، كان البحث في سبل تحقيق التعاون والتنسيق العسكري من أجل تطويق التطلعات الكردية، التي بدأت تثير مخاوف جدية لدى هذين الخصمين التقليديين، وبالتحديد في المرحلة الراهنة حيث إقليم كردستان مقبل على إجراء استفتاء، قد يقود لاحقاً إلى الاستقلال عن العراق، فضلاً عن أن القوات الكردية تحقق المزيد من التقدم على الأرض شمالي سوريا، وذلك بالتزامن مع إقدام القيادية السياسية هناك على خطوات فعلية من أجل تثبيت أركان النظام الاتحادي الفيدرالي، وكان آخر هذه المحاولات الإعلان عن تحديد موعد لإجراء انتخابات برلمانية.

العمال الكردستاني تمكن خلال الأعوام القليلة الماضية من توسيع نطاق نفوذه، ليمتدّ إلى مناطق هي خارج أماكن تمركزه المعتادة في المثلث الحدودي بين تركيا والعراق وإيران، إذ بات له حضور قوي في قضاء شنكال شمالي العراق، ظهر عقب دخول مقاتليه إليه إثر الهجوم الذي تعرض له الإيزيدون من قبل تنظيم داعش، كما لم يعد خافياً التأثير الكبير للكردستاني على المناطق الكردية شمال شرقي سوريا، التي يطلق عليها الكرد تسمية "روجآفا"، وحجم الدعم الذي يقدمه للكرد هناك، إلى درجة أن أنقرة وطهران تعتبران روجآفا قاعدة نفوذ سياسي وعسكري للكردستاني.

على هذا الأساس، تعاملت الحكومة التركية منذ البداية مع التطورات الحاصلة في شنكال وروجآفا، في إطار الحرب التي تخضوها مع العمال الكردستاني، ولذا وضعت كامل ثقلها للحؤول دون نجاح التجربتين المطروحتين فيهما، وترجمت سياستها هذه على الأرض، عبر الدفع بقوات من الجيش التركي إلى قاعدة بعشيقة، قرب الموصل، بمجرّد وصول مقاتلين من قوات الكريلا إلى شنكال، أما في ما يتعلق بمساعيها لإفشال التجربة الكردية في شمالي سوريا، فيمكن الإشارة إلى محاولاتها المستميتة من أجل منع الربط الجغرافي بين المقاطعات الكردية الثلاث، ومنها إطلاقها لعملية "درع الفرات".

بعد سنوات من تبادل الاتهامات والوقوف على طرفي النقيض من الصراع السوري، ورغم وجود إرث من الخلافات والصراعات التاريخية، دفعت الهواجس المشتركة من التطورات الحاصلة على الصعيد الكردي، إلى التقارب بين أنقرة وطهران، والتوصل إلى اتفاق أمني وعسكري لقتال العمال الكردستاني في المقام الأول. وأن يكون الكردستاني هو أبرز المستهدَفين من هذا الاتفاق، فهذا أمر مفهوم، نظراً لأن كلاً من تركيا وإيران تدركان أن الكردستاني هو الممسك والمحرّك الرئيس لجميع الملفات الكردية، طبعاً إذا ما استثنينا من ذلك موضوع استفتاء الإقليم.

الحكومة التركية شرعت، بالاتفاق مع نظيرتها الإيرانية، في أولى الخطوات الفعلية على صعيد معركتهما المقبلة مع العمال الكردستاني، عبر البدء بتشييد جدار إسمنتي على طول الحدود مع إيران، الممتدة على مسافة تزيد عن 500 كم، وذلك على غرار جدار مماثل تشيّده أنقرة على طول الحدود مع روجآفا، منذ عام 2015، ويشكل الاتفاق على بناء هذا الجدار تجاوزاً لنقطة خلافية سابقة بين الطرفين، إذ كانت أنقرة تتهم طهران على الدوام بتسهيل عبور مقاتلي الكريلا لتنفيذ عمليات داخل تركيا.

هذه ليست المرة الأولى التي تقيم فيها تركيا اتفاقيات لمحاربة العمال الكردستاني، فقد سبق أن وقعت مع النظام السوري "اتفاقية أضنة" الأمنية، عام 1998، وكذلك شكلت لجنة ثلاثية مع أمريكا والعراق، عام 2007، إلى جانب فترات شهدت فيها المواقع الخاضعة لسيطرة قوات الكريلا في إقليم كردستان هجمات متزامنة من الجيشين التركي والإيراني، كان آخرها قبل اندلاع الثورة السورية. هذا يعني أن الجهود الأمنية والعسكرية المشتركة للقضاء على الكردستاني كانت حاضرة على الدوام. لكن لم يسبق أن بلغ التعاون والتنسيق، في هذا المجال، إلى مستويات كالتي تتحدث عنها اليوم أنقرة وطهران. فهل هذا يعني أننا أمام تحالف استراتيجي، على الأقل يبقى طالما بقي الكردستاني، أم أن موروث الخلافات والصراعات المزمنة كافٍ لأن يكون مصير هذا التحالف مثل سابقيه؟

فايق عمر
صحفي كردي سوري