استعرضت في مقالي الأول بعض الثغرات والعراقيل التي تحول دون القضاء على الإرهاب واستمراره تهديداً عالمياً رغم مرور&17&عاماً على الحرب التي انطلقت عقب اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر&2001.
بالتأكيد نجحت الحرب ضد الإرهاب في تحجيم خطر تنظيمات الإرهاب، كما أسهمت في تفكيك تنظيم&"القاعدة"، رغم ما يثار من وجهات نظر حول تأثير مقتل الأب الروحي للتنظيم أسامة بن لادن بكل ما كان يمتلك من كاريزما وقدرات قيادية تفوق بمراحل سلفه الظواهري، الذي لم يستطع ملء الفراغ القيادي الناجم عن غياب مؤسس التنظيم، ولكن في مجمل الأحوال، ظهر بالمقابل جيل أخطر تمثل في تنظيم&"داعش"، كما تحول تفكيك&"القاعدة"، إلى خطر مواز بانتقال التنظيم المركزي إلى&"أفرع"&تمارس الإرهاب والاجرام في دول عدة!
يصعب أن ننكر أيضاً جهود مكافحة الإرهاب فكرياً وثقافياً قد تحولت في معظمها إلى&"مهنة"&اتخذ منها الكثيرون وسيلة للتربح من دون بذل جهد حقيقي، فكانت النتيجة أن استمر تنظيم&"داعش"&في الانتشار عبر وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام الجديد، ولولا جهود الشركات العالمية مثل&"جوجل"&والمواقع الشهيرة في ملاحقة أنشطة الإرهاب عبر الانترنت وإغلاق المواقع والصفحات التي تروج للإرهاب، لازداد الأمر سوءاً على صعيد انتشار الفكر الإرهابي.&ويكفي أن الكثير من الاستراتيجيات المعلنة لمحاربة الإرهاب لم تفلح حتى الآن في تحقيق اختراق كبير في مواجهة تنظيمات تعمل تحت الأرض، ولا تمتلك الموارد والامكانيات التي يمتلكها من يصنعون هذه الاستراتيجيات القائمة على عبارات وشعارات مطاطة وبراقة لا تجد في معظمها طريقها إلى التنفيذ، وربما لا يكون لها نصيب من القراءة بعد التوقيع عليها في اجتماعات يحرض الحاضرون فيها على جذب أضواء الاعلام من كل حدب وصوب!
لا يجب أن ننسى أيضاً ونحن في معرض مراجعة وتقييم مسار ومصير الحرب ضد الإرهاب أخطاء الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة، التي تفصل تماماً بين انتشار الإرهاب وضرورة التسوية العادلة للقضايا المزمنة في الشرق الأوسط، وفي مقدمتها الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
هناك عدم قناعة لدى صانعي القرار الأمريكي في مختلف الإدارات الرئاسية بأن الاحتلال الإسرائيلي وممارساته ضد الفلسطينيين تمثل أحد روافد الظاهرة الإرهابية، صحيح أن تنظيمات الإرهاب لا تستهدف تحرير تلك الأراضي وليس على أجندتها خوض حرب ضد إسرائيل لأسباب تتعلق بفكر هذه التنظيمات المتعلق بالعدو البعيد والعدو القريب وغير ذلك من أفكار لا تزال موضع جدال بين منظري الإرهاب، ولكن ليس هناك شك في أن احد الذرائع المستخدمة في ترويج التطرف لا يزال يتمثل في احتلال القدس بكل ما لها من مكانة روحية لدى المسلمين جميعاً، ناهيك عن الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة ضد أبناء الشعب الفلسطيني.
حصاد ما يقرب من عقدين من جهود مكافحة الإرهاب لا يزال دون الطموح، ولا تزال هناك الكثير من الأخطاء التي لم تعالج على هذا الصعيد، ما يجعل بناء أي توقعات معتبرة حول نهاية الإرهاب مسألة صعبة او مشكوك فيها إلى حد كبير، سيما أن هناك تجارب على الأرض تدفع باتجاه التشكيك في فاعلية الجهود.
من هذه التجارب عودة حركة&"طالبان"&الحاضنة الأخطر لتنظيم&"القاعدة"&إلى نشاطها السابق على الأرض الأفغانية وسيطرتها مجدداً على جزءاً كبير من أراضي البلاد، وهناك هزيمة لتنظيم&"داعش"&ولكن لا يزال الحديث عن نهاية التنظيم واندحاره تماماً بعيد المنال، حيث عاد البغدادي إلى الظهور إعلامياً مجدداً رغم كل ما انتشر إعلامياً عن مقتله في مرات عدة!&كما لا يزال تنظيم&"جبهة النصرة"&الموالي لتنظيم&"القاعدة"&أحد أخطر مصادر التهديد في الأزمة السورية، كما لا تزال هناك شكوك حول تمويل تنظيمات التطرف والإرهاب في ظل تقاعس المجتمع الدولي عن تبني موقف جاد وصارم حيال الدول التي ثبت قيامها بتمويل الإرهاب واحتضان رموزه وقادته وعناصره!
التعليقات