خيرالله خيرالله:من المفارقات، أو المهازل اللبنانية حصول ذلك التحالف بين الرئيس اللبناني أميل لحود ومن كان يعتبر الى الأمس القريب عدوه اللدود أي النائب الأستاذ ميشال عون الذي كان الى ما قبل فترة قصيرة رافضاً لأتفاق الطائف ولكل ما له علاقة به. وكان ميشال عون لعب من حيث لا يدري، والأرجح أنه لا يزال في حال من لا يدري ولا يريد ان يدري، الدور الأساسي في أيصال أميل لحود الى سدة الرئاسة بعدما أدى وسط أعجاب سوري منقطع النظير ذلك الدور المشرف جداً والقاضي بتسليم لبنان الى النظام الحاكم في دمشق.
ما يفعله السيد عون حالياً هو مجرد استكمال للدور المرسوم له. أنه دور ينفذه بسهولة ويسر نظراً الى أنه معتاد عليه في ضوء القدرات المتميزة والفريدة التي يمتلكها والتي تجعل منه الرجل المناسب للدور المناسب في اللحظة المناسبة. أنها اللحظة التي تتطلب الأستعانة بالتافهين المناسبين، أولئك الذين يعتبرون أشباهاً للرجال من الذين دخلوا مجلس النواب اللبناني ويتجرأون على التطاول على رجل دولة حقيقي في مستوى نسيب لحود الرجل الذي يشرف النيابة ومجلس النواب. ان اولئك الذين يتطاولون على نسيب لحود هذه الأيام من ازلام ميشال عون وما شابهه من بسطاء وتبسيطيين في السياسة والأقتصاد ما كانوا ليسستحقوا تعليقا أو حتى مجرد اشارة اليهم في مقال لولا ان الموضوع يتعلق بمستقبل لبنان وبوجود من يريد متابعة دور العمالة لقوى خارجية على رأسها النظام السوري للوصول الى موقع الرئاسة في لبنان.
والواقع أن ما يفعله ميشال عون حالياً وهو الشخص- الأداة الذي لم يكن لديه هدف منذ اللحظة التي أستحُضر فيها الى لبنان قبيل الأنتخابات الأخيرة، سوى تغطية جريمة أغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لا يخرج عن المهمة التي كرّس حياته من اجلها. خلاصة هذه المهمة تسليم لبنان الى النظام السوري لا أكثر ولا أقل. وقد نجح ميشال عون في ذلك حيث أخفق كثيرون. ولذلك يجد العماد أميل لحود أنه يمكن لعون أن يكون أفضل خليفة له على طريق تغطية جريمة العصر من جهة والأعداد لعودة القوات السورية الى لبنان من جهة اخرى. هل افضل من ميشال عون يتولّى مثل هذه المهمة، هو الذي أستطاع بفضل عبقريته ضمان دخول السوريين الى قصر بعبدا مقر الرئيس اللبناني والى مقر وزارة الدفاع اللبنانية التي تقع في مكان قريب من بعبدا أسمه اليرزة بغية الأستيلاء على كل الملفات التي لها علاقة بعديد الجيش اللبناني من عسكريين عاديين وضباط. هل من جريمة أكبر من هذه الجريمة التي لا يمكن تبريرها سوى بأن الذي أرتكبها رجل ساذج يتحوّل عسكرياً حين يتطلب الأمر ان يكون سياسياً ويصير سياساً عندما يتوجب عليه ان يكون عسكرياً؟
كان طبيعياً ان يطالب اميل لحود بأن يخلفه ميشال عون، ذلك أن ميشال عون يشكل الضمانة الوحيدة لوجود من يترحّم على أميل لحود وعلى ما فعله بلبنان واللبنانيين. وألأكيد أن اميل لحود الذي يمتلك ما يكفي من الحقد على لبنان واللبنانيين وعلى كلّ ما له علاقة بالنجاح والتقدم والتطور ، وجد في ميشال عون ضالته. أنه رجل قادر على تعبئة الاف المواطنين المساكين لذين لا يمتلكون حدّا ادنى من الثقافة السياسية عبر القول لهم أن في استطاعته الحصول على حقوق المسيحيين في لبنان وكأن حقوق هؤلاء هُضمت أو أن حقوقهم مختلفة عن حقوق المواطن اللبناني أيّا يكن المذهب الذي ينتمي اليه. أنها عملية غشّ من اولها الى آخرها ينفذها مشعوذون يحاولون المتاجرة بالمواطن المسيحي وهم في الوقت ذاته على أستعداد كامل للتضحية به وبكل اللبنانين من اجل اغراضهم على غرار ما فعل أميل لحود الذي صار على أستعداد للمزايدة في موضوع لا علاقة له بمصلحة لبنان أو اللبنانيين أرضاء للنظامين في سورية وأيران اللذين يشكلان في أعتقاده محوراً أقليمياً يمكن الأعتماد والرهان عليه. أنه رهان على موضوع المقاومة وسلاح المقاومة وتحدي الشرعية الدولية بعد الأنسحاب الأسرائيلي من جنوب لبنان وصدور قرار عن مجلس الأمن يؤكد الأنسحاب ويوثّقه. والواضح أن اميل لحود لم يجد من يأخذ على عاتقه مهمة متابعة المهمة التي تولاها والتي تشمل أيضا تغطية جريمة أغتيال رفيق الحريري سوى النائب ميشال عون. هذا النائب الذي لا يتردد أزلامه وهم، بأستثناء قلة منهم، من سقط المتاع في ترديد أنه الممثل الشرعي الوحيد للشارع المسيحي مثلما ان الأستاذ نبيه بري الممثل الشرعي للشارع الشيعي. ومن هذا المنطلق، يفترض في أن يكون عون رئيساً للجمهورية كي يحصل توازن بين الشيعة والسنة من جهة والمسيحيين من جهة أخرى.
نسي الأستاذ عون الذي كان عليه أن يتعرّف على المستجدات اللبنانية قبل الدخول في معارك سياسية لمصلحة النظام الأمني السوري- اللبناني وايتامه وتغطية جريمة أغتيال رفيق الحريري، ان اللبنانيين ليسوا بالسذاجة التي يعتقدها. نعم، أنهم ليسوا بالسذاجة التي يعتقدها على الرغم من الأنتصارات التي حققها في ألأنتخابات النيابية الأخيرة في المتن الشمالي وكسروان وجبيل. من حسن الحظ أن الاف المواطنين بدأوا يدركون أن الأستاذ عون أنتصر بفضل أثارة الغرائز وانه نجح في أسقاط الشرفاء الذين قاوموا بالفعل النظام الأمني السوري- اللبناني ولم يرضخوا له كما دافعوا عن أنصاره في أحلك الظروف وأصعبها. وربما لهذا السبب، يستحق عون حالياً ذلك الأطراء من اميل لحود ومن يتامى الأجهزة الأمنية السورية واللبنانية التي عرفت كيف تستحضره الى لبنان في الوقت المناسب لخدمة غرض معيّن واضح كلّ الوضوح يتمثّل في خدمة أميل لحود وكلّ ما يمثّله من حقد على مشروع الأنماء والأعمار في لبنان.
لم يفت بعد الأوان كي يعيد النائب عون النظر في مواقفه في بلد لا يمكن للناس فيه سوى أن يستعيدوا ذكرى تلك الأيام التي كان فيها" الجنرال" في قصر بعبدا. والحديث هنا عن الناس الذين لديهم ذاكرة وليس أولئك الذين يتصرفون تحت تأثير الغرائز البدائية. من يريد أن يتذّكر أن ميشال عون لم يترك القصر الرئاسي الاّ بعدما تأكد من أن النظام السوري سيدخله بدل رئيس لبناني أسمه رينيه معوّض أنتخبه النواب اللبنانيون بعد التوصل الى تسوية تاريخية أسمها أتفاق الطائف؟ لقد خرّب عون على أتفاق الطائف ما فيه الكفاية ومكّن النظام السوري من الأنقلاب عليه بمجرد رفضه السماح لرينيه معوّض الدخول الى قصر بعبدا حيث كان يمكن أن يحمي نفسه من الأجهزة السورية التي ما لبثت أن تخلّصت منه بسبب نزعته الأستقلالية ورفضه أن يكون مجرد رئيس- اداة على غرار ما فعل غيره لاحقاً.
نعم، لم يفت أوان مراجعة العماد ميشال عون لحسابته رحمة بلبنان واللبنانيين لا أكثر ولا أقلّ، هو الذي يعتبر نفسه فوق كل مراجعة رافضاً الأقدام على خطوة شجاعة في هذا الأتجاه، خطوة تنم عن نضج سياسي حقيقي وعلى رغبة في التعلّم من الأحداث.والأكيد ان الخطوة الأولى في هذا الأتجاه تتمثّل في الكف عن التفكير في رئاسة الجمهورية لسبب في غاية البساطة هو أن ميشال عون غير مؤهل لمثل هذا الموقع... تدل على ذلك المآسي التي اخذ البلد اليها حين صار في قصر بعبدا عام 1988 ورفضه التعاطي بواقعية وحدّ أدنى من الذكاء مع المعطيات والتوازنات الأقليمية والدولية في مرحلة تعتبر من أدق المراحل التي مر فيها لبنان، مرحلة ما بعد أتفاق الطائف وما بعد الأحتلال العراقي للكويت، مرحلة حصل خلالها "الجنرال" على أسلحة من شبيه له في العقم السياسي أسمه صدّام حسين، مرحلة أتخذ فيها قرارا بالأنتحار السياسي للمسيحيين بأدخاله الألوية العسكرية الموالية له في مواجهة مع "القوات اللبنانية" التي كانت مجرد ميليشيا وقتذاك لكنها تعلّمت لحسن الحظ من التجارب التي مرت فيها بما في ذلك تجربة سجن الدكتور سمير جعجع.
هناك خدمة وحيدة يستطيع ميشال عون تأديتها للبنان واللبنانيين مسيحيين ومسلمين. تتلخص هذه الخدمة بالتخلي عن هاجس رئاسة الجمهورية رحمة بأهل بلده أولاً... وكي لا يكون هناك مجال للترحم على أميل لحود ثانيا وأخيراً.
التعليقات