تل ابيب: وصف رئيس وزراء اسرائيلي غزة ذات مرة بأنها "شوكة في الحلق". وتمنى رئيس وزراء اخر لو انها غاصت في البحر. وباللغة العبرية عبارة "اذهب الى الجحيم" تبدو مثل "اذهب الى غزة" كما يحلو لبعض الاسرائيليين ان يتندروا. وبينما تم بالفعل اجلاء المستوطنين ومن المقرر ان يحذو الجيش الاسرائيلي حذوهم في مطلع الاسبوع يشعر كثير من الاسرائيليين بالسعادة لان يقولوا تخلصا محمودا من القطاع الساحلي الضيق حيث سيشاهدهم الفلسطينيون وهم يغادرون بعد 38 عاما من الاحتلال.
وهي مسألة عاطفية وخاصة بين قدامى المحاربين في الجيش الاسرائيلي وذكريات مريرة عن اداء الخدمة العسكرية الخطيرة في قطاع غزة لحراسة بضعة الاف من اليهود المعزولين عن سكان معادين قوامهم 1.4 مليون فلسطيني. وقال افي (46 عاما) وهو من قوات الاحتياط سابقا وخدم في غزة في اواخر الثمانينات عندما كانت مركز أول انتفاضة فلسطينية "الحمد الله انه لا يتعين ان يخاطر جيل جديد بحياته من اجل سبب ضئيل." وهو يتذكر عندما كانت وحدته تحرس مخيمات لاجئين مزدحمة أو تطارد شبانا يرجمونهم بالحجارة عبر شوارع ضيقة تفيض فيها مياه المجاري.
وينتهي الان وجود اسرائيل في غزة بعد موجة ثانية من العنف الدامي وهذه المرة تفجرت في عام 2000 . واستبدل المقاتلون الفلسطينيون الحجارة بقنابل وطلقات رصاص ورد الجيش الاسرائيلي بالدبابات والصواريخ التي تطلق من طائرات الهليكوبتر. وبالنسبة لكثير من الاسرائيليين فان غزة وهي واحدة من أكثر الاماكن ازدحاما على سطح الارض كانت عبئا مكلفا حيث كانت استطلاعات الرأي تكشف باستمرار عن رغبة في الانفصال عنها رغم مزاعم اليهود المتطرفين بحقوقهم في القطاع وفقا للتوراة.
ومع تصاعد الخسائر العسكرية زادت ضغوط الرأي العام في اسرائيل مما ساعد رئيس الوزراء ارييل شارون على تفكيك 21 مستوطنة في قطاع غزة بموجب خطة "فك الارتباط" في الصراع مع الفلسطينيين. وربما لعب شلومو فيشينسكي دورا رئيسيا. على خشبة المسرح هو ممثل كوميدي من اشهر ممثلي اسرائيل. وخارج خشبة المسرح هو اب مازال يشعر بالحزن على ابنه ليور المجند البالغ من العمر 20 عاما الذي نُسف في ناقلة جنود اثناء كمين على المشارف الجنوبية لقطاع غزة في مايو ايار عام 2004 .
ودعا فيشينسكي مرارا وهو يستخدم شهرته الى انسحاب اسرائيل من غزة حتى ينقذ عائلات اخرى من خسارة مشابهة وحتى تقل معاناة الفلسطينيين. وفي مشهد سياسي ساخر علىالمسرح يرتدي فيشينسكي زي رئيسة الوزراء الراحلة جولدا مئير التي تتحدث الى شارون من السماء تناشده صنع سلام مع الفلسطينيين. ومثل كثير من الاسرائيليين يشعر فيشينسكي بالتعاطف مع مستوطني غزة الذين تم اجلاؤهم من منازلهم حيث وصف كثيرون منهم ذلك بأنه خيانة للارادة الالهية ومكافأة للعنف الفلسطيني. لكنه يقول ان الحكومات المتعاقبة كانت مخطئة في تشجيعهم على الانتقال الى هناك غالبا بدعم من الدولة. وقال فيشينسكي البالغ من العمر 61 عاما وهو يساري "ما كان ينبغي على الاطلاق ان نكون في غزة. انها لا تخصنا." واضاف "لقد كلفتنا الكثير من الدماء." وفي التوراة كانت أكبر لحظة في غزة عندما هدم شمشون معبد فلسطين على رأسه. وعلى العكس كانت الضفة الغربية حيث يعيش 245 الف مستوطن في 120 جيبا مهدا للثقافة والديانة اليهودية. وفي عام 1967 كانت اسرائيل تأمل ترك غزة وكانت ترى انها مستنقع محتمل. ووصف رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق ليفي اشكول غزة بعد ان احتلها الجيش الاسرائيلي من مصر "انها شوكة في حلوقنا". ويقول بعض المؤرخين ان رئيس الوزراء الراحل مناحيم بيجن حاول دون جدوى جعل الرئيس المصري الراحل انور السادات يوافق على استعادة غزة في محادثات السلام التي ادت الى عودة سيناء في عام 1982 .
وقال رئيس الوزراء الاسرائيلي الراحل اسحق رابين في عام 1992 انني اتمنى ان تغوص غزة في البحر لكن هذا لن يحدث ويجب البحث عن حل. وفي العام التالي وقع اتفاقات اوسلو مع ياسر عرفات واعاد معظم قطاع غزة الى الحكم الفلسطيني لكنه احتفظ بالسيطرة على مستوطنات تمثل خمس القطاع. ومنذ عام 2000 كانت صورة غزة في عيون الاسرائيليين هي انها معقل للجماعات الاسلامية التي تسعى الى تدمير الدولة اليهودية والتي كانت وراء حملة تفجيرات انتحارية قاتلة. واغتال الجيش الاسرائيلي العديد من زعماء الناشطين ويقول فلسطينيون ان اسرائيل استخدمت الامن ذريعة في تحويل القطاع الى سجن كبير. والان يخشى الفلسطينيون من ان تكون غزة هي كل ما يحصلون عليه لدولتهم في المستقبل بينما تعزز اسرائيل قبضتها على الضفة الغربية المحتلة.
التعليقات