ملامح مدينة تتخاطفها الحكومة والمعارضة
القاهرة بين زفة الوطني ومسيرة كفاية


نبيل شرف الدين من القاهرة : بدا المشهد مثيراً على نحو ما، في شوارع القاهرة عقب إعلان النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية التي اكتسحها الرئيس المصري حسني مبارك، بنتيجة تجاوزت 88.5% محققاً بذلك فارقاً مع المرشح التالي له، يربو على 80% من أصل نسبة لم تتجاوز 23% ممن يحق لهم الاقتراع، كما أعلن ذلك رئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات في النتائج الرسمية .
وبينما جابت مئات السيارات الخاصة وحافلات النقل العام وغيرها شوارع القاهرة، وقد احتشد داخلها آلاف من أنصار الحزب الوطني (الحاكم) يحملون صور مبارك، ولافتات التأييد وبعضهم يدق الطبول والدفوف، بينما يهتف آخرون "بنحبك .. يا ريس"، و"مش كفاية .. مش كفاية .. إحنا معاك للنهاية"، حتى انتهى المطاف أمام قصر الرئاسة في ضاحية مصر الجديدة، وترجل من السيارات عدد من قادة الحزب الوطني (الحاكم) يدلون بتصريحات التأييد والتهنئة للرئيس المصري، أمام عدسات التلفزيون المصري الحكومي بقنواته العديدة .
في وسط القاهرة كان المشهد مختلفاً تماماً إذ نظم أعضاء الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) مسيرة ربما كانت الأضخم من نوعها، وقد عطلت حركة المرور عدة ساعات في وسط المدينة، وفي تعبير عن الاحتجاج على نتائج الانتخابات الرئاسية، غنى المتظاهرون " السكة موش طويلة فاضل على حسني زقة، وحنخلص منه في ليلة .. لو كلنا قلنا لأه" .
ومضت المظاهرة متخذة مسارها وسط القاهرة، انطلاقاً من ميدان "طلعت حرب"، متجهة إلى شارع "قصر النيل"، ثم "ميدان التحرير"، حتى عادت إلى ميدان "طلعت الحرب" مرة أخرى، وقد اشترك في هذه المظاهرة الحاشدة فضلاً عن أعضاء "كفاية"، قيادات وأعضاء حزب التجمع الوطني اليساري، وحزب "الغد"، والحملة الشعبية من أجل التغيير، وحزب "العمل" المجمد، وحركة "الاشتراكيون الثوريون" والحزب الشيوعي المصري "المحظور" وغيرهم، الذين وجدودا في الفضائيات صوتاً لهم، في ظل تجاهل التلفزيون الحكومي.
كانت المظاهرة تضم أكثر من ألفي شخص يتقدمهم جورج اسحاق منسق (كفاية)، ورفعت السعيد رئيس حزب التجمع، وسعد الدين ابراهيم رئيس مركز "ابن خلدون"، وأيمن نور رئيس حزب "الغد"، ومعظم ممثلي كافة ألوان الطيف في المعارضة، بينما حمل المتظاهرون لافتات مناهضة لمبارك كتب على إحداها أن "مبارك يحكم مصر بـ 19% من الناخبين فقط"، في إشارة إلى ما يذهب إليه معارضون بأن هذه النسبة الرسمية للمشاركة في الانتخابات الرئاسية (23% ممن يحق لهم الاقتراع) لا تمنحه الشرعية الكافية لحكم البلاد .

كفاية
وتأسست حركة (كفاية) في مصر نهاية العام الماضي بعضوية نحو ألفي مثقف وسياسي، وتضم مثقفين وصحافيين ونقابيين من اليسار الناصري والماركسي، بالإضافة إلى عدد من الليبراليين، وتدعو الحركة إلى إصلاح سياسي ودستوري شامل، "يضعه أبناء مصر قبل أن يزايد البعض به عليهم تحت أي مسمى"، وتدعو إلى مبادئ عامة، منها التداول الفعلي للسلطة بكل مستوياتها، وإعلاء القانون واستقلال القضاء واحترام أحكامه، والالتزام بتكافؤ الفرص بين المواطنين، وإنهاء احتكار الثروة، والعمل على استعادة دور مصر الذي ترى الحركة أنها فقدته منذ توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل، وما تلاها من تطورات على الصعد المحلية والإقليمية والدولية .
ويرى د. محمد سيد سعيد، الباحث بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بـ "الأهرام" أن اهمية حركة "كفاية" في كونها تضم مختلف ألوان الطيف في المجتمع المدني بعيدا عن أية انتماءات حزبية حيث تعتنق فكرة يجمع عليها كافة المصريين تقريباً وهي الرغبة الجامحة في التغيير السلمي، موضحاً أنه لا يمكن النظر إلى "كفاية" باعتبارها قوة سياسية فقط، لكنها بتقديره حتى الآن قوة رمزية تعبر عن رفض المصريين للاستبداد والفساد .
ومنذ تدشينها، ترفع الحركة المصرية للتغيير شعارات سياسية، تحظى باتفاق وطني من مختلف التيارات والأحزاب والقوى السياسية في البلاد، وخصوصاً المتعلق منها بمطالب، مثل إنهاء احتكار الحزب الحاكم للسلطة، وإلغاء حالة الطوارئ وكل القوانين الاستثنائية المقيدة للحريات، وتعديل الدستور بما يسمح بانتخاب رئيس الجمهورية ونائبه من الشعب مباشرة لمدة لا تزيد على دورتين، مع تحديد للصلاحيات المطلقة للرئيس يحقق الفصل بين السلطات في الدولة .