أسامة العيسة من القدس : بدأ العام المنصرم، 2005، بداية مثلى لمحمود عباس (أبو مازن)، بفوزه رئيسا للسلطة الفلسطينية ، مرشحا موحدا لحركة فتح ليحتل المنصب الذي كان يشغله ياسر عرفات ، رئيس السلطة الفلسطينية الراحل . و تمكن أبو مازن، الذي تعرض للتهميش من ياسر عرفات ، أن يحصل على إجماع من كوادر و قادة حركة فتح ، و يحيد مروان البرغوثي ، ممثل الجيل الجديد في حركة فتح ، والذي كان ممثلو هذا الجيل رشحوه لينافس على منصب الرئاسة ، في اجتماع تداعوا إليه في مثل الوقت من العام الماضي وعقد في مدينة بيت لحم.
وفاز أبو مازن برئاسة السلطة في انتخابات لم يشكك احد بديمقراطيتها ، وان كان شابها خروقات عدة ، أبرزها قرار الطيب عبد الرحيم، الذي قاد الحملة الانتخابية لأبي مازن، بتمديد الاقتراع لساعتين، رغم رفض لجنة الانتخابات المركزية لذلك. وواجه أبو مازن، مبكرا، ما اعتبر مؤشرا للتحديات المقبلة التي يتوجب عليها تذليلها، عندما حدث إطلاق نار لدى زيارته لخيمة عزاء في مدينة غزة. وكان المسؤول عن ذلك أفراد من المجموعات المسلحة، التي نمت في ظل رعاية سلفه ياسر عرفات، والذي كان قادرا إلى حد كبير بالتحكم بها. وأكد أبو مازن، في ظل الضغوط الممارسة عليه إسرائيليا ودوليا بشأن نزاع سلاح تنظيمات المقاومة ، بان ذلك سيتم سلميا ، وانه اسقط خيار المواجهة المسلحة مع هذه التنظيمات. وتمكن أبو مازن من انتزاع اتفاق من ممثلي الفصائل الفلسطينية بوقف الهجمات على إسرائيل فيما عرف باسم الهدنة وتم التوقيع على ذلك في شهر شباط (فبراير) في العاصمة المصرية القاهرة وبرعاية رسمية مصرية.
وخرق هذا الاتفاق بعد توقيعه بأيام، عندما نفذت حركة الجهاد الإسلامي، عملية تفجيرية في تل أبيب، وتوالت الخروقات المتبادلة، بين إسرائيل والتنظيمات الفلسطينية، خصوصا حركة الجهاد، والكتائب المسلحة التابعة لحركة فتح، بينما كانت الأكثر التزاما بالتهدئة حركة حماس، الأكثر تنظيما ومركزية.
ولم تكن هذه الخروقات هي التحدي الرئيس الذي واجه أبو مازن، الذي عقد جلسات حوار متتالية مع ممثلي الفصائل الفلسطينية، وأيضا عقد لقاء يتيم مع ارئيل شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي، تعامل فيه شارون، مع أبي مازن، وكأنه تلميذ في مدرسة، قدم له عدة أوامر ومتطلبات طلب منه تنفيذها، ولم يقبل طلبات من أبي مازن تؤدي لانفراج الوضع.
وفشل أبو مازن مع شارون، ليواجه فشلا أخر مع التنظيمات الفلسطينية، التي تجنب مواجهتها، ولكن المواجهة وقعت بين قوات الأمن الوطني وحماس في حزيران (يونيو) 2005، وسقط فيها قتلى من الجانبين، وتم تدارك الموقف بعد وساطة مصرية، وبقيت قواعد اللعبة بين هذه التنظيمات وأبي مازن كما كانت، احتفاظ التنظيمات بسلاحها، مع الالتزام بالحفاظ على هيبة السلطة، التي كانت في واقع الأمر مهددة من مسلحي فتح، الذين سيطروا على مقرات للسلطة، ونفذوا عمليات خطف، حتى وقع الحادث الأكبر، ليس بعيدا عن منزل أبي مازن في حي تل الهوى بمدينة غزة، وهو اغتيال موسى عرفات، مستشار أبي مازن العسكري، في منزله، وبأكثر الطرق تحديا لهيبة السلطة، وتم خطف ابن عرفات، الذي أفرج عنه لاحقا، واستقبله أبو مازن الذي لم يستطع حتى الان تقديم الفاعلين إلى العدالة كما وعد.
والفلتان الأمني الذي لم يستطع أبو مازن ضبطه ازداد بشكل كبير، والذي تمثل خلال الشهر الأخير من العام الماضي، بحوادث قتل وسيطرة على مقرات لجان الانتخابات المركزية، وأخيرا حوادث خطف الأجانب المتكررة في قطاع غزة، التي يكون فيها الفاعل معلوما، ويبقى بدون محاسبة . وحاول أبو مازن قياس قوته ، عندما رفض الانصياع لرغبة قواعد فتح ، فشكل قائمة فتح للمجلس التشريعي ، لوحده ، مما حدا بالجيل الجديد في الحركة بالتقدم بقائمة مستقلة ، وأدت مفاوضات بين الطرفين إلى الاتفاق على قائمة موحدة ، وان كانت لم تنه الخلافات المتقدة تحت الرماد. ويواجه أبو مازن الان انشقاق رفاق له عليه وأبرزهم احمد قريع (أبو العلاء) الذي يقود حملة لتأجيل الانتخابات التشريعية، يعاضده في ذلك روحي فتوح رئيس المجلس التشريعي الحالي، وآخرين من الحرس القديم المتضررين من إجراء الانتخابات، وإذا نجح هؤلاء في مساعيهم فسيواجه أبو مازن تحديا كبيرا في مواجهة متوقعة مع حركة حماس . وحسب مراقبين للشأن الداخلي الفلسطيني، فان أبا مازن الذي يدخل العام الجديد كرئيس ضعيف، ربما لن يتمكن من الاستمرار بمنصبه.
التعليقات