أسامة العيسة من القدس

شوارع وازقة ضيقة، وشعارات على الجدران، وشبان يرتدون الأقنعة، وفتيات يرتدن ملابس طويلة ويغطين رؤوسهن، ومجموعات ترشق جنود الجيش الإسرائيلي بالحجارة والبيض الفاسد والزجاجات الحارقة.

وتشبه صور هؤلاء، صور الشبان الفلسطينيين في الانتفاضات المتعاقبة التي شهدتها الأراضي الفلسطينية، ولكنهم ليسوا فلسطينيين، وانما مستوطنين يهود يخوضون ما يعتبرونه انتفاضة ضد الجيش الإسرائيلي أرادوا لها أن تكون في مدينة الخليل.

وتجددت مساء اليوم المواجهات بين المنتفضين اليهود، والجيش الإسرائيلي في البلدة القديمة من الخليل، جنوب الضفة الغربية، المندلعة منذ أربعة أيام، رغم المفاوضات التي جرت بين الجانبين.

ويتميز المستوطنون بالتنظيم، ويقودهم بعض غلاة المتطرفين مثل ناعوم فريدمان المتحدث باسمهم، والذي يعتبر أحد اكبر الناشطين، والذي لا يظهر إلا في المناطق الساخنة التي تشهد مواجهات بين الجيش والمستوطنين كما حدث في مستوطنات غزة قبل إخلائها.

ويسكن فريدمان في البلدة القديمة بالخليل، ويقود مجموعات من المستوطنين تجمعوا من مختلف المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية، للمشاركة في انتفاضتهم ضد الجيش وضد السكان الفلسطينيين.

وبدأت المواجهات، عندما حاولت قوة من الجيش إخلاء مستوطنين استوطنوا محلات في سوق الخضار في مدينة الخليل المعروف باسم (الحسبة)، وهو السوق الذي يسيطر عليه المستوطنون بحماية الجيش منذ سنوات، رغم صدور قرارات عدة من محاكم إسرائيلية تنص على ضرورة إخلائه.

وفجر قرار جديد بإخلاء السوق، المواجهات، واحرق المستوطنون ممتلكات فلسطينية في البلدة القديمة في الخليل، وحاولوا توسيع بؤرهم الاستيطانية في البلدة خصوصا في محيط الحرم الإبراهيمي الشريف الذي قسمته سلطات الاحتلال بين اليهود والمسلمين.

ويلزم القرار الذي أصدرته محكمة العدل العليا الإسرائيلية، الجيش الإسرائيلي إخلاء المستوطنين من السوق حتى نهاية شهر كانون الثاني (يناير) الجاري، ولكن القرار أعطى مجالا للجيش كي يناور حين ربط مسالة الإخلاء بعبارة quot;وفق الظروف الأمنيةquot;.

ووسع المستوطنون أمس من نشاطهم، واغلقوا الطرق المؤدية إلى مدينة القدس، وأمام صعوبة الموقف في الخليل، تدخلت الشرطة الإسرائيلية التي ليس لها سلطة في الخليل، وانما للجيش وحرس الحدود.

واعلن موسى كرادي مفتش عام الشرطة الإسرائيلية، انه أرسل نحو 260 شرطيا للمساعدة في ضبط الأمن في الخليل، قائلا بان رجاله quot;سيتعاملون بشدة وحزم مع المستوطنين المشاغبين وسينفذون القانون في التعامل معهمquot;.

وقال وزير الدفاع شاؤول موفاز، بان الجيش سيخلي سوق الحسبة في الخليل، رغما عن المستوطنين، الذين وصف ما يقومون به من أعمال شغب تستهدف الجيش بأنها أعمال إجرامية.

واعرب رئيس الأركان الإسرائيلي دان حالوتس، عن استغرابه من ممارسات المستوطنين ضد الجيش، قائلا بان جيشه موجود في الخليل لحماية المستوطنين.

ودعا يوسي بيلين رئيس حزب ميرتس- يحد اليساري، إيهود أولمرت القائم بأعمال رئيس الوزراء إلى إخلاء جميع المستوطنات اليهودية في الخليل. ووصف بيلين المستوطنين بأنهم quot;عصابة تعمل ضد إسرائيل العداء وتنتهج سياسة العنف ضد أجهزة الأمن منذ سنواتquot;.

وقال بيلين quot;أن إسرائيل تجنبت في الماضي معالجة هذا الأمر المشين من جذوره، ولكن الأحداث التي شهدتها الخليل مؤخرًا من جانب المستوطنين تستوجب الإخلاء الفوري لهذه المستوطناتquot;، معتبرا أن الامتحان الذي يواجهه أيهود أولمرت قبيل الانتخابات المقبلة هو ما إذا كان سيوقف تجاهل الحكومات الإسرائيلية المستمر لهذه الظاهرة.

ودعا عضو الكنيست وزعيم حزب المفدال اليميني زفولون أورليف زعماء المستوطنين اليهود في الخليل ومجلس مستوطني الضفة الغربية إلى quot;إظهار قيادة شجاعة ومسؤولة وأن يلفظوا من بينهم تلك الأقلية المتطرفة التي تنتهج العنف والتي من شأنها أن تجلب كارثة على مشروع الاستيطان في شمال الضفة بشكل عام وفي الخليل بشكل خاصquot;.

وقال أورليف وهو من مؤيدي الاستيطان quot;إن المفدال شريك في المطلب العادل لحيازة الممتلكات اليهودية في الخليل ولكن يجب تدعيم الاستيطان وترسيخه استنادًا إلى القانون والإجماع القومي وليس بقوة اليدquot;.

وادلى رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) السابق أفي ديختر، بدلوه فيما يحدث قائلا quot;إن الشيء المثير للقلق في تصرفات مجموعات من المستوطنين في الخليل هو ظهور الملثمين بينهمquot;.

وقال بان ممارسات المستوطنين ضد الفلسطينيين في الخليل لا تزال مستمرة منذ نحو عامين، مشيرا إلى أن هؤلاء quot;يحطمون جدران داخلية في المباني التي تقع فيها المحال التجارية ليكون بإمكانهم دخول هذه المحال بعيداً عن الأنظارquot;.

وشدد ديختر الذي أعلن مؤخرا انضمامه لحزب كاديما على ضرورة وضع حد لهذه الظاهرة quot;لأنها قد تنطوي على عواقب وخيمة بالنسبة لأجهزة الأمن والدولة بشكل عام، ويجب إخراج المستوطنين من هذه المحال التجارية بصورة مستعجلة ولو بالقوةquot;، مشيراً إلى أنه جيب إحضار ستة رجال أمن لإخراج كل مستوطن إذا كان الأمر ضروريا.

من جانب آخر أرسلت مجموعة من الحاخامات خطاباً تحذيرياً لإيهود أولمرت، دعوه فيه إلى عدم إإسرائيل وألاالتي سيطر عليها المستوطنون الخليل.

وجاء في الخطاب التحذيري quot;لا تقم بتنفيذ هذه الخطوة الخطيرة التي تعتمد على التخلي عن أرض إسرائيل وألا تتسبب في جلب كارثة على شعب إسرائيل وأيضاً على نفسك بشكل شخصيquot;.

ومن الموقعين على الخطاب الحاخام جداليا إكسلرود الرئيس السابق للمحكمة في حيفا، والحاخام شالوم ولفا أحد حاخامات حباد، والحاخام يكوتيئال راف.