بين مؤيد لصباح الأحمد وداعم لموقف سالم لعلي
اصطفاف الصحف الكويتية تجاه أزمة ترتيب الحكم
فاخر السلطان من الكويت: اصطفاف الصحف الكويتية الخمس ازاء أزمة ترتيب بيت الحكم في الكويت، إثر وفاة أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الاحمد الصباح وانتقال الامارة إلى ولي عهده والأمير الراهن الشيخ سعد العبدالله الصباح، كان ملفتا للمراقبين.
فلقد كان هذا الاصطفاف معبرا عن رؤى الأجنحة السياسية في الأسرة الحاكمة وعاكسا لمواقف القوى على الساحة السياسية المحلية. كما انه عكس موقف الأسر المستحوذة على الصحف صاحبة اليد الطولى في الشأن السياسي الكويتي.
وجدير بالذكر أن اصطفاف الصحف الكويتية تجاه مختلف القضايا المحلية لعب على مدار تاريخ الكويت الحديث دورا رئيسيا في تحديد الموقف العديد من السياسات المحلية، سواء على صعيد الأزمات السياسية والاقتصادية التي كان تمر بالبلاد مثل أزمة المناخ الاقتصادية في بداية الثمانينات من القرن الماضي، أو على صعيد العلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة كدورها البارز في الوقوف إلى جانب اجتماعات الأثنين في منتصف الثمانينات حينما حلت الحكومة مجلس الأمة آنذاك وهو ما كان يسمى في وقته بنشاط ديوانيات الأثنين، أو على صعيد المشاكل التي تظهر في الأسرة الحاكمة حول قضايا ترتيب الحكم مثل الأزمة الراهنة.
وبما أن الصحف الكويتية مملوكة للأسر لا للأفراد أو القوى السياسية، فإنها تعرف بالكويت بالصحف الأسرية، لكن تأثيرها على الوضع المحلي بات يضاهي تأثير تلك القوى، وذلك بسبب نفوذها القوي في المجتمع من جهة، وتداخل عملها مع عمل القوى السياسية من جهة أخرى.
وكانت صحيفتا القبس والرأي العام هما الأبرز في وجهة نظريهما في الدفاع عن الموقف الداعي إلى تنحي الشيخ سعد العبدالله عن الإمارة لأسباب صحية حيث دعمتا البيعة للشيخ صباح الأحمد ليصبح أميرا للبلاد، فيما وقفت صحيفتا الوطن والأنباء موقفا حذرا لكنه كان قريبا من موقف الشيخ صباح، أما صحيفة السياسة فقد كانت تعبر بشكل سياسي سلس وغير استفزازي عن موقف مساند لكبير السن في أسرة آل الصباح ورئيس الحرس الوطني الشيخ سالم العلي.
وقد كتبت القبس في افتتاحية لها أمس تحت عنوان quot;القرار الصعب للرجل الكبير من أجل الكويتquot;.. quot;ها هي الكويت اليوم أمام لحظة الحقيقة. فلقد وصلنا جميعا الى اللحظة التي لم يعد فيها جابر الاحمد معنا، فتلك مشيئة الخالق وحكمته، فأضحت كل الخيارات مفتوحة أمامنا، وجميع الاحتمالات واردة أيضا، وبعضها سلبي وخطير على حاضر الكويت ومستقبلها. كان وجوده، رحمه الله واسكنه فسيح جناته، يغنينا عن اي اسئلة، رغم تزاحمها في الأذهان، ورعايته تعفينا من اي تساؤلات، رغم كثرة تداولها في السياسة، راجين الله اليوم ان يغنينا عن كل ما هو منها في غير صالح البلد، ويعفينا من كل ما يصب منها في غير استقرار البلاد واستمرار ازدهارهاquot;.
وأضافت الصحيفة quot;هذا الهاجس، بل القلق، يحكم الكويتيين اليوم وفي مقدمتهم اسرة الصباح الكريمة التي لا يشك احد في ان هاجسها الدائم هو وضع مصلحة الكويت العليا فوق كل اعتبار. فكما ان الثقة موضوعة في الأسرة والرهان عليها مستمر لإيجاد مخرج سليم للوضع الراهن، فإن ما يمكن قوله في المقابل إن الكويتيين سيؤيدون القرار الذي ستتخذه، متمنين ان يكون القرار الملائم الذي يرسم حلا دائما، لا مؤقتا، انطلاقا من الالتزام بالدستور، نصا وروحا، وبقانون توارث الإمارة، لأنهما الضمانة الأولى والأخيرة.. فنص الدستور يؤمن الشرعية والاستمرارية، وروحه تعطي الأولوية لمراعاة مصالح الدولة العليا، واصول الحكم تعطي الارجحية للقدرة على ممارستها، والنـهوض بأعـباء إدارة الـبلاد، وهـي جسيمةquot;.
وقالت الصحيفة quot;ندعو الى كل ذلك حتى لا تفرغ النصوص من مضمونها وتتداعى الأصول عند تطبيقها. انها مناسبة الآن لكي نتوجه الى سمو الأمير الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح، الذي طالما افتدى الكويت بجهده وعمله، وتفانى في سبيلها على امتداد ما يقارب نصف قرن، وكان بطل انقاذ شرعيتها، ومن ابطال تحريرها الى جانب جابر الأحمد من الغزو الصدامي المدمر، وعرّض نفسه لشتى أنواع الاخطار في المفاصل الصعبة من تاريخها.. انها مناسبة كي نناشد سموه لأن يكمل اليوم مسيرته في سبيل الكويت فيضحي مرة جديدة من أجلها. لقد أجهدت كل هذه الاعباء الوطنية واليومية سعد العبدالله وأتعبت جسده، وهو لن يتأخر اليوم عن تقديم تضحية اخرى لتجنيب الكويت عقبات، وربما أزمات، بالاعتذار عن تولي مهام الحكم وتركها لمن هو قادر من ابناء الاسرة الكريمة على القيام بها، وسيسجل له اهل الكويت مثل هذه المبادرة في سجل مبادراته الحافل بكل عطاء لهذه البلاد واهلها. كل الكويت حريصة على ان تصون في قلبها وضميرها رفيق درب جابر الاحمد في كل وقت، وعلاقة الرجلين طوال تاريخهما المشترك درس للجميع في الاخلاص والوفاء والقرارات الصعبة في سبيل مصلحة الوطن والمواطن.. وهي المصلحة التي تتطلب اليوم الحسم بدون تردد، ولم تعد تحتمل اي تأخير او تطويل او تسويفquot;.
وقالت الصحيفة quot;ان قيمةً وطنيةً كالتي يمثلها سمو الشيخ سعد العبدالله، لا يجوز الانتقاص منها باخضاعها لاختبارات، او الاساءة اليها بتعريضها لاجتهادات، وبالتالي يجب ان تبقى ذاته الوطنية مصونة فوق كل اعتبار واختبار، فالمكان الذي احتله في تاريخ الكويت المعاصر لا يستطيع احد الانتقاص منه، ولن يضيف اليه او ينتقص منه منصب، فقد احتل مكانة رفيعة في قلوب الكويتيين، وسيزداد رفعة عندما يعطي المجال لمن هو قادر على خدمة الكويت في المرحلة المقبلةquot;.
أما صحيفة السياسة فقالت اليوم مبررة موقف الشيخ سالم العلي من دعوته تأييد الشيخ سعد أميرا للبلاد quot;طابت الكويت نفسا ... فقد حسم بيت الحكم أمره, بعدما عاشت البلاد خمسة أيام تحبس أنفاسها, ترقبا لما ستؤول اليه الأمور, وخشية ان يتحول الاختلاف في وجهات النظر والرؤى بين أبناء الأسرة الى خلاف وشقاق يعصف باستقرار أرساه الاcirc;باء والأجداد وبات على الأبناء أن يحفظوا ميراثه ويصونوا أمانتهquot;.
وأضافت quot;اختارت الأسرة أمس ثالث ثلاثة حكموا البلاد وأدوا رسالتهم على أكمل وجه طوال الأعوام الثمانية والعشرين الماضية, وهو سمو الشيخ صباح الأحمد ليقود دفة السفينة أميرا للبلاد, نزولا على رغبة أبناء آل الصباح التى جاءت موافقة وملبية لرغبة شعبية جارفة, رأت ضرورة ان تتولى زمام البلاد قيادة قادرة, وفوضته صلاحية اختيار أسلوب تنحية الشيخ سعد العبدالله نظرا الى وضعه الصحي, كما رأت ان أنبل تكريم لسمو الشيخ سعد العبدالله السالم هو ان لا يحمل فوق ما تطيقه ظروفه الصحية الحالية, حفاظا على تاريخه البطولي المجيد في الذود عن قضايا الوطن وقيادة حرب تحريره مع أخيه الأمير الراحل.
وقالت الصحيفة quot;ولم يرصد غياب كثير من أبناء الأسرة (عن اجتماع دار سلوى), وان كان أبرز الغائبين هو سمو الشيخ سالم العلي رئيس الحرس الوطني, فيما غاب كذلك الشيوخ : سعود الناصر ومحمد الخالد ومشعل الجراح وفهد سعد العبدالله. الطرف الغائب كان يريد ان يعبر بسمو الشيخ سعد العبدالله الى مجلس الأمة ليؤدي القسم ويباشر مهامه رسميا, ومن بعدها يتم النظر في الأمر برمته, ويعاد ترتيب الأوضاع وفقا لما تتوصل اليه مشاورات الأسرةquot;.
صحيفة الرأي العام كانت واضحة جدا في تأييد مبايعة الشيخ صباح الأحمد وكتبت افتتاحية تحت عنوان quot;لماذا صباح الأحمد؟quot; لرئيس التحرير جاسم بودي جاء فيها:
قلما عرفت الكويت قامة ديناميكية كقامته وهدوءا وروية كرويته، فهو جاور الأمير الراحل الشيخ جابر منذ نعومة أظفاره وكان معه في كل تفاصيل التجربة، ورافق سموالشيخ سعد العبد الله أطال الله في عمره في كل مراحله مخلصاّ أميناّ يضيء له طرق العلاقات مع العالم ويستفيد من آرائه وتوجيهاته.
باختصار كان للرجل دور محوري في كل مفاصل الحكم، حفظ تاريخ السياسة الكويتية مع العالم عن ظهر قلب ثم تحول مدرسة حقيقية للديبلوماسية العربية يلجأ إليها كل طالب استشارة ونجاح، وعاش السياسة المحلية الكويتية بكل اقتدار منذ أن فوض الإدارة الفعلية لدفة الحكم إثر مرض الراحل الكبير الشيخ جابر والوضع الصحي المؤسف لسمو الشيخ سعد العبدالله، فمزج بين تقاليد الحكم والرؤية العصرية له سائراً في دروب شديدة الحساسية بين متطلبات الداخل المتمثلة بالضرورات التنموية وتطوير النظام السياسي من جهة وبين تحديات الخارج التي زاد سعيرها نظام صدام حسين وسياساته.
هكذا كان وضع الشيخ صباح في مسيرة الحكم الفعلي للأمور، عين على التنمية والتطوير وقلب على الوطن من تهديدات الخارج، حتى إذا ما سقط نظام صدام حسين قاد الرجل ورشة عمل تنموية حققت في أشهر إنجازات كبيرة وكأنه كان ينتظر بشغف تبريد جبهة الشمال لإشعال جبهات التنمية والتطوير,,, ومن ينظر إلى الكويت بين عامي 2003 و2005 يلمس الفارق الكبير ليس في البنيان والمرافق فحسب وإنما في التشريعات والقوانين المتعلقة بالإصلاح الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، وهي التشريعات التي بقيت شغله الشاغل وإن اضطره الأمر إلى القيام بجولة طويلة على الدول الناجحة في هذه المجالات متقصياّ ظواهر التجربة وبواطنها للاستفادة منها ما أمكن في مختلف المجالات.
أما على صعيد تأصيل الديموقراطية وتطوير الحريات العامة فيكفي الشيخ صباح أنه قاد باقتدار ما بعده اقتدار معركة حصول المرأة الكويتية على حقوقها السياسية وأنه يقود معركة ناجحة لإقرار قانون جديد للإعلام يوسع فيه الهامش الإعلامي، وأنه منفتح على كل الصيغ الكفيلة بتحسين النظام السياسي، من قانون الانتخاب إلى قوانين المشاركة الشعبية في مختلف الأطر والهيئات والجمعيات والنقابات, وقبل كل هذا وذاك فالشيخ صباح الأحمد هو رجل الحوار الأول بلا منازع، يستمع للنقد قبل المديح، ويعترف بالخطأ قبل الجميع، يجادل بالتي هي أحسن دائماّ حتى لو لم يتمكن من إخفاء غضبه أو امتعاضه، ثم تنتهي كل الإشكالات حين تحضر مصلحة الكويت والكويتيين ويقفل الشيخ صباح محضر النقاش بابتسامته المشهورة تقابلها قبلة من الطرف الآخر على كتفه أو جبينه.
وفي انتظار سمو الشيخ صباح الأحمد الكثير الكثير لإنجازه والكثير الكثير من التحديات والكثير الكثير من ورش العمل لتطوير هياكل الحكم وتطوير النظام وتكثيف المشاركة الشعبية، وكأننا بكل قبلة مبايعة طبعت على كتفه أمس رغبة في تحميله مسؤوليات جديدة لم يكن ليدير لها ظهره منذ أن تولى العمل في الشأن العام.
ويا صباح الأحمد، يا من كنت وستبقى صوت الكويت وصورتها، حكمتك هي المطلوبة أكثر من أي وقت مضى لإغلاق ملفات فرضتها جملة ظروف لا داعي للحديث عنها مجددا، ورؤيتك هي المطلوبة أكثر من أي وقت مضى لطي صفحة وفتح أخرى، وعزيمتك هي المطلوبة أكثر من أي وقت مضى للمضي قدما في ترسيخ التجربة الكويتية النموذجية في المنطقة، تجربة العهد والعقد بين الحاكم والمحكوم,,, عهد المبايعة وعقد الشراكة. لماذا صباح الأحمد؟ لأنه القوي الأمين، القوي بالكويت والأمين عليها.
التعليقات