لم يعد اللبنانيون يشاءون أن تُدعى عاصمة بلادهم بـ quot;سويسرا الشرقquot;، حيث بدت العاصمة اللبنانية ظهر الأحد بوجود أكثر من نصف مليون متظاهر مؤيدين لحزب الله يهتفون quot;الموت لأميركاquot; وquot;الموت لإسرائيلquot; في قلب المدينة أشبه ما تكون بالعاصمة طهران.

يضيف ديفيد إغناتيوس الكاتب في صحيفة واشنطن بوست أن التناقض الشديد في هذا المشهد، في هذه العاصمة التي نالها التغريب أكثر مما نال أي عاصمة أخرى في العالم العربي، يجعلني أتساءل ما إذا كان حزب الله يلقي باتكاله على مؤيديه في إسقاط الحكومة الموالية لأميركا برئاسة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة. لم تعد لأميركا تلك الشعبية هنا بعد أن قصفت حليفتها إسرائيل البنية التحتية للبلاد الصيف الماضي انتقاماً لأسر حزب الله عدداً من الجنود الإسرائيليين. ولكن مع الأجواء المشحونة بالغضب والحنق من أميركا وإسرائيل، غير أن لجوء اللبنانيين إلى المخيم الإيراني لا يبدو متوقعاً.

يراقب تلك المظاهرات بصفاءٍ بادٍ للعيان السنيورة نفسه، الرجل الذي يستهدفه أنصار حزب الله. لما زرته الاثنين كان ما يزال في مكتبه منذ عشرة أيام يحرسه جنود لبنانيون ويحيط بالمكان مساحات تغطيها أسلاك شائكة. لاحظت من خلال حديثنا أنه كان مثالاً للهدوء والثقة. وهذا كان أسلوبه كلما ارتفع صوت الاحتجاجات، فكلما علا صوت حسن نصر الله كانت استجابة السنيورة أكثر هدوءاً.

لم يجد السنيورة بعد طريقاً للخروج من هذا النفق المسدود، وتنشر الأزمة في البلاد حالةً من الخوف. ولكن يبدو أن السنيورة ضرب على وتر كل اللبنانيين عندما قال الجمعة الماضية رداً على خطاب نصر الله الحماسي: quot;من نصّبك حكماً علينا لتقرر من هو الخائن ومن هو الوطني؟quot; كما قال إن مؤيدي نصر الله كانوا يخططون لإحداث انقلاب.

وصف إغناتيوس نبرة رئيس الوزراء بالنبرة المدروسة خلال حديثه معه يوم الاثنين، وذلك عندما قال: quot;أنا أعتقد أن نصر الله أصبح متوتراً جداً، فالجميع يعلم التأثير الذي تمارسه إيران وسوريا على حزب الله.quot; وقال حول نقطة أخرى بشأن نصر الله: quot;لقد خسر المعركة.quot;

وقال السنيورة أيضاً: quot;نحن ندرك تماماً أن إيران تشارك العالم العربي في حدوده، ولكن عليها أن تدرك أن ليس باستطاعتها فرض أمر على العرب. ليس من مصلحتها ذلك.quot; وعندما سأله الكاتب عما إذا كانت الرسالة قد وصلت إلى الإيرانيين، قال: quot;ليس بعد.quot;

كما قال إنه يتطلع لحصول تسوية من شأنها أن تهدئ الأزمة قبل انفجارها إلى نزاعٍ طائفي. وقال إن هناك عدة صيغ مطروحة لإعطاء المعارضة صوت قوي في الحكومة. وكان قد استعمل مصطلح quot;الأكثريةquot; لوصف التحالف المؤيد للحكومة الذي يضم المسلمين السنة والدروز وبعض المسيحيين، ومصطلح quot;الأقليةquot; لوصف تحالف نصر الله الذي يضم المسلمين الشيعة ومسيحيين بقيادة الجنرال السابق ميشيل عون.

لا تتسع الثقة الواضحة التي يتمتع بها رئيس الوزراء لتشمل العاصمة اللبنانية، التي تستعد لتصعيدٍ آخر للأحداث من قبل حزب الله. بيروت ليست على حافة حرب أهلية، ولكن تبدو في الأفق بوادر مخيفة. حيث أخبرني صديق شيعي أنه لا يشعر بالأمان في سكنه جوار أحياء سنية، ويقول إنك حين تعود إلى البيت ليلاً quot;تجد المراقبين في الخارج.quot;

تكمن الخطورة في إستراتيجية السنيورة المختبئة خلف هدوئه المحكم في أنه على استعداد أن يشترك في اللعبة الطائفية أيضاً. وإحدى الدلائل على الأخطار المحتملة هي الجموع الغفيرة من السنيين الذين خرجوا الأحد تأييداً للحكومة في مدينة طرابلس. قال السنيورة عن تحالف حزب الله-عون: quot;يمكن للأكثرية أن ترسل إلى الشارع أكثر مما يمكن للمعارضة أن ترسله.quot;

نادراً ما تتم مناقشة الصوت السني ولكنه مفهوم على مستوى العالم, إذ تُعتبر سوريا، الحليف الحتمي لحزب الله، ذات غالبية سنية. وإذا ما ازداد ضغط التحالف الإيراني السوري على السنة في لبنان، فمن المحتمل أن يحدث صدام داخل سوريا. وكذلك أوضح السنيورة هذا الموقف: quot;ينبغي على سوريا أن تكون جزءاً من العالم العربي، وليس جزءاً من المخططات الإيرانية في المنطقة.quot;

ويتساءل الكاتب ما موقف أميركا المفترض بتمكنها من لبنان أن يثير غضب المتظاهرين خارج مكتب السنيورة؟ لقد كانت دبلوماسيتها للأسف ضعيفة هنا كما في كل مكان في المنطقة. وعلى الرغم من الوعود الأميركية بدعم السنيورة بتسليمه خريطة بمواقع الألغام في جنوب لبنان أو دراسة الادعاءات اللبنانية حول منطقة مزارع شبعا المتنازع عليها، فإن إدارة بوش لا تقوم إلا بالقليل. قال السنيورة: quot;أرسلت إلينا أميركا رسائل دعم ومساندة. لدينا أطنان من الورق لا يمكن إعادة استعمالها ثانية.quot;