رفيق الحريري لغسان شربل قبل قتله بأسابيع :
أستبعد اغتيالي لأنه كبير وخطير ومكلف
بيروت : نشر رئيس تحرير صحيفة quot;الحياةquot; غسان شربل حلقة أولى اليوم من سلسلة أحاديث أجراها مع رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري في لقاءات على مدى أعوام كان آخرها قبل أسابيع من يوم قتله تفجيراً في 14 شباط / فبراير الماضي، واستبعد الحريري فيه اغتياله لأنه quot; كبير وخطير ومكلفquot;.
في المقدمة كتب شربل : هل يحق للصحافي نشر حوارات كان المتحدث فيها اشترط عدم نشرها إلا بعد الحصول على موافقته laquo;لأن التوقيت مهم في السياسةraquo;؟ طرحت هذا السؤال على نفسي بعد ساعات من تلقي خبر استشهاد الرئيس رفيق الحريري. كانت الصدمة واسعة والمناخ عاطفياً وتخوفت ان يؤدي التهاب المشاعر الى تحميل بعض الكلام ما لم يرده المتحدث اصلاً فصرفت النظر عن النشر. وقبل ايام من الذكرى الأولى لزلزال 14 شباط (فبراير) وجدت نفسي أمام السؤال نفسه، لكنني قررت هذه المرة نشر معظم ما جاء في هذه الحوارات لاعتقادي انها يمكن ان تشكل تحية للرئيس الراحل ولعلها تفيد القارئ الباحث عن تفاصيل مسيرة شخصية استثنائية.
من حق القارئ ان يعرف قصة هذه الحوارات التي جاءت حصيلة لقاءات متباعدة عقدت في سردينيا وباريس وبيروت. في 1994 اتصلت بالرئيس الحريري طالباً منه المشاركة في سلسلة laquo;يتذكرraquo; التي كانت تنشرها laquo;الوسطraquo;. تردد طويلاً ثم وافق فذهبت اليه في مونت كارلو في 26 كانون الأول (ديسمبر) وامضيت معه يومين اثمرا ثلاث حلقات نشرت في laquo;الوسطraquo; ابتداء من 27/2/1995. قال لي يومها: اعتبر هذا الحديث مجرد بداية فوضعي السياسي ومسؤولياتي الرسمية يمنعانني من الخوض في كثير من التفاصيل. وأضاف: أعدك ان نجري جولة اخرى من الحوار لاحقاً.
في صيف 1999 عاودت الاتصال. كان الحريري خارج الحكم. وافق وذهبت الى سردينيا مع آلة التسجيل الصغيرة وكانت جلسات عدة على يخته حيث كان يقيم. في ختام اليوم الثاني صارحني قائلاً: laquo;لم يحن بعد وقت البوح بما هو أهم. ما رأيك ألا تنشر هذا الحديث الآن على ان نمضي يومين لاحقاً في فقرا. أقطع الاتصالات الهاتفية واتفرغ لاستجماع الذكريات وستكتشف انني كنت حاضراً بشكل أو آخر في كل محطة بعد 1982raquo;.
واضاف: laquo;وبانتظار ذلك الموعد تستطيع ان تسألني عما تريد كلما التقينا في لبنان أو خارجه وتستطيع تسجيل اجوبتي حتى ولو كنا نتحدث هاتفياً. شرطي الوحيد ان لا ينشر شيء قبل موافقتي فأنا لا أريد ان يضر الاعلام بالسياسة فهل تعدني بذلك؟raquo;.
وعدته وصرت أسرق جزءاً من حوار كلما التقينا. للأسف كانت اللقاءات متباعدة فقد عاد الحريري الى الحكم في لبنان في العام 2000. الغريب ان الحريري كان يذكرني بوعده بخلوة صحافية في قصره الجبلي في فقرا لكنني حين رأيته في المرة الأخيرة في قريطم قبل اسابيع من اغتياله لم يكن الجو يسمح باقتناص فرصة من هذا النوع، فقد شعرت بقدر من التوتر في حديثه وكأنه كان يقلب الانعكاسات المحتملة لفوز المعارضة في الانتخابات المقتربة
لا غرابة ان تستوقف شخصية رفيق الحريري اي صحافي يتابع حاضر لبنان ويسأل عن مستقبله. وحين كنت أحاول في سلسلة laquo;يتذكرraquo; جمع روايات الحرب ومحاولات الخروج منها خصوصاً في عقد الثمانينات كان اسم الحريري يتكرر على رغم حرصه في تلك الأيام على ابقاء دوره بعيداً عن الأضواء واخفاء حجمه الفعلي تفادياً لإثارة العداوات. كانت لرفيق الحريري بصمات في كل المحطات. من إلغاء اتفاق 17 ايار (مايو) اللبناني - الاسرائيلي الى laquo;الاتفاق الثلاثيraquo; بين الميليشيات الكبرى وصولاً الى مؤتمري جنيف ولوزان وعهد الحكومتين ثم اتفاق الطائف.
كان السؤال الذي يشغلني في التسعينات كيف نجح رفيق الحريري في التحول قطباً في مرحلة كان يفترض ان لا تسمح بوجود أقطاب في لبنان. طرحت السؤال على الحريري فسألني عن الجواب. قلت: laquo;قوتك المالية الضاربة تعادل قوة ميليشيا يفوق حجمها احجام الميليشيات الموجودةraquo;.
رد: laquo;أعوذ بالله من هذا التشبيه. لا أنكر ان المال إذا أحسنت استخدامه يمكن ان يعطيك فرصة، لكن دعني أقول لك: تستطيع بمالك شراء قصر كبير لكنك لا تستطيع بالمال وحده شراء محبة عامل في حديقة القصر. هناك الثقة والمتابعة والقدرة على اثارة الأمل لدى الناسraquo;.
وأضاف: laquo;لم يتركوا وسيلة لتهشيم صورتي إلا ولجأوا إليها. قالوا للشيعة انني جئت لتحجيم دورهم. أنا لن أرد أنت تعرف السيد حسن نصرالله والرئيس نبيه بري لماذا لا تسألهما؟ قالوا للمسيحيين انني جئت لأسلمة البلد. لماذا لا تسأل البطريرك الماروني (مار نصرالله بطرس صفير) عن رأيه. هل تصدق انني اشعر بالحزن حين أقرأ عن ارتفاع معدلات الهجرة، خصوصاً في أوساط المسيحيين؟ سأقول لك أكثر من ذلك. غياب الموارنة من لبنان يفقده ميزاته وربما مبررات وجوده. انني أعني ما أقول. هذا لا يلغي عتبي على بعض السياسيين الموارنة الذين لا يعرفون اهمية دور طائفتهم في لبنان واهميتها في دور لبنان في المنطقة والعالم. أنا لا مانع لدي في إبقاء الرئاسة للموارنة إذا كان ذلك يطمئنهم. ولا مانع لدي في إرجاء إلغاء الطائفية السياسية عقوداً لأنني لمست بالتجربة ان كل الطوائف ليست جاهزة بعد للبحث في هذا الموضوع خارج الحسابات الطائفيةraquo;.
كان الحريري يحلم بعد اعادة اعمار بيروت بإعادة اعمار المعادلة اللبنانية انطلاقاً من اتفاق الطائف. أغلب الظن انه كان ينتظر رئيساً آخر في بعبدا ليستأنف مسيرة الاعمار. لم يتوقع ان يكون على لائحة الاغتيال لأن laquo;هذا القرار كبير وخطير ومكلفraquo;. هذه المرة اخطأ الحريري. وهنا نص الحلقة الأولى:
* كيفك دولة الرئيس؟
- ممتاز.
* هل يمكن ان تشرح؟
- (يضحك) لماذا تستغرب ان يكون وضعي ممتازاً؟ هل ممنوع ان يكون المرء مرتاحاً؟
* لا، لكنني اعتقد ان الاقامة خارج السلطة غير ممتعة لسياسي بحجم رفيق الحريري؟
- غير ممتعة لرفيق الحريري أم للبلد؟
* أنا لدي اسئلة لا إجابات.
- إذا نظرت إلي ألا تشعر بأنني مرتاح؟
* أشعر بأنك واثق.
- مشكلة خصومي انهم يخافون الناس والاحتكام اليهم. أنا أقبل بما تقوله صناديق الاقتراع.
* ماذا ستقول؟
- أعتقد ان الناس ستقترع لمصلحة البلد.
* تبدو متأكداً من نتائج معركة بيروت؟
- لماذا تحصر المسألة ببيروت. هناك انتخابات على مستوى البلد، وأنا معني بكل المناطق.
* هل افهم أنك ستخوض الانتخابات على كل الأراضي اللبنانية؟
- ليس بهذا الشكل. للمناطق خصوصيات احترمها. لكن لنا أصدقاء أو حلفاء. هناك أناس نلتقي معهم.
* هل استطيع ان أقول إنك ستكون زعيم المعارضة في الانتخابات؟
- (يضحك) تعرف ان المعارضة معارضات. لم يقبلوني في الموالاة.
* من هم؟
- أنت تعرفهم.
* هل ستحاول تكرار تجربة العام ألفين، اي ان تفرض نفسك مجدداً رئيساً للحكومة؟
- ما دام هذا الكلام لن ينشر إلا في الوقت المناسب سأقول لك الصراحة. لن أكون رئيساً للحكومة في عهد لحود.
* هذا الكلام نهائي وبغض النظر عن نتائج الانتخابات؟
- كلام نهائي ولا عودة عنه. سأقول لك كلاماً أوضح: لا في عهد لحود ولا في أي عهد يشبه عهد لحود.
* عهد من مثلاً؟
- أي عهد يأتي بالطريقة نفسها وبالهدف نفسه وبالحسابات نفسها.
*هذا يعني انك لن تكون رئيساً للحكومة؟
- لا أعرف ان كان استنتاجك دقيقاً ولأي فترة من الوقت.
*هل افهم ان اختصار ولاية لحود وارد في حال فوز المعارضة بأغلبية المقاعد في مجلس النواب؟
- لا أعرف. مشكلة الرئيس لحود الداخلية هي مجرد جانب من مشكلته.
* هل تقصد الإشارة الى القرار 1559 لمجلس الأمن؟
- القرار وغيره. يخطئ من يراوح مكانه في عالم يتغير.
القرار والبصمات
* يحكون عن بصماتك وراء القرار؟
- ثمة من يريد تحميلي نتيجة أخطاء ارتكبها. أنا اسألك هل يستطيع سياسي في العالم وهو من دولة صغيرة استدراج مجلس الأمن والدول الكبرى فيه خصوصاً الى قرار من هذا النوع. حتى الدولة الكبرى لا تستطيع تمرير هذا القرار إذا لم تكن هناك جملة ظروف ومعطيات وأخطاء ولقاء مصالح.
* قيل ان الرئيس جاك شيراك لعب دوراً كبيراً؟
- بيني وبين الرئيس شيراك صداقة قديمة وعميقة أفدت منها دائماً لاستجلاب دعم سياسي أو مادي للبنان ووظفتها ايضاً لمساعدة سورية. المسؤولون السوريون يعرفون هذا الأمر. استفدت من العلاقة مع الرئيس شيراك لدعم اتفاق الطائف وفكرة إعادة الإعمار وحق المقاومة في جنوب لبنان. فعلت ما هو أكثر من ذلك. سعيت الى موقف فرنسي يتفهم ظروف لبنان الخاصة بما في ذلك انتشار قوات سورية على أرضه. ساهمت في تحسين العلاقة بين باريس ودمشق لكن كل ما انجزته في هذا المجال ضاع بسبب الأخطاء. أسباب اللقاء بين فرنسا والولايات المتحدة حول الوضع في لبنان، بعد خلافهما حول العراق، قصة طويلة تتناول ملفات عدة.
* ماذا طلبت في مقابل الموافقة على التمديد؟
- لا شيء. مجرد الخروج من الحكم.
* ولماذا ودعت اللبنانيين بتلك اللهجة المأسوية يوم خروجك؟
- للسبب الذي كشفته لك وهو قراري بأن لا أتولى رئاسة الحكومة في عهد لحود أو في أي عهد يشبهه. وقراري هذا أقلقني لأنهم يستطيعون دفع الحريري الى الخروج من الحكم لكنهم لا يستطيعون دفع البلد خطوة الى الأمام لا بل انهم لا يستطيعون وقف التدهور.
* هذا يعني انك ربطت البلد بشخصك؟
- لا. هذا يعني انهم لا يملكون برنامجاً. برنامجهم الوحيد هو السيطرة وسياستهم الوحيدة هي عرقلة ما يفعله الحريري.
* من تقصد بهم؟
- الرئيس لحود ومن يدعمه.
* وماذا لو خسرت الانتخابات؟
- اذا خسرت في انتخابات حرة أنحني أمام إرادة الناس. لنضع التواضع جانباً. أنا استطيع الفوز في أصعب دائرة في بيروت. استطيع الفوز في دوائر أخرى. ربما تحول اقامتك في الخارج دون احتكاكك بالناس خارج بيروت. هل تعتقد انني ضعيف في طرابلس والشمال أم في البقاع الغربي واقليم الخروب وغيرها.
* ولماذا لن تعود الى رئاسة الحكومة؟
- أنا ضحيت كثيراً وتنازلت كثيراً. كنت أفعل ذلك من أجل البلد لا من أجل رفيق الحريري. في ظروف عدة كانت مصلحتي كسياسي ان أغادر الحكم. الوجود في الحكم وأمام هذا الحجم من العرقلة يأكل من شعبية السياسي. ومع ذلك كنت استمر لشعوري ان خراب كل ما بنيناه لا يشكل لديهم مصدر قلق. تصرفت كسياسي مسؤول أمام ضميره وناخبيه وشعبه وكمؤمن مسؤول امام ربه. هذه المرة المسألة مسألة كرامة. اذا كان الثمن عدم تولي رئاسة الوزراء (...) وإذا كان الثمن كتلة نيابية أصغر (...) لا حلول على حساب كرامتي بعد اليوم.
* لنعد الى القرار 1559؟
- لهذا القرار علاقة بتطورات كثيرة تبدأ من هجمات 11 أيلول (سبتمبر) الى الحرب في العراق والموقف منها ومواجهة الأميركيين هناك وصولاً الى الموضوع الفلسطيني ثم ما يجري في لبنان وكيف يوظف النفوذ في لبنان في الملفات الأخرى. ثم ان هذا القرار كان يمكن ارجاؤه أو تفاديه حتى اللحظة الأخيرة. هل يستحق قرار التمديد للحود مثل هذا الثمن؟
دور التقارير
* هل كنت مؤيداً لوصول شخص آخر للرئاسة من أصدقاء سورية؟
- كل الأسماء التي كانت متداولة تندرج في هذا الباب. كان من المستحيل وصول رئيس معاد لسورية وعلى خصومة معها. لا يستطيع رئيس من هذا النوع أن يحكم. لا يمكن أصلاً ان ينتخب.
* لماذا حصل التمديد اذا؟
- لم أفهم هذه المسألة. التقارير لعبت دوراً حاسماً.
*من أين جاءت التقارير؟
- تقارير لبنانية وسورية. تصوّر ان أحد التقارير، على حد ما قيل لي، يزعم انني أهيئ عبر الانتخابات انقلاباً على سورية وانني حمّلت الرئيس جاك شيراك اسم النائب نسيب لحود الى القمة التي جمعته في البحر الأسود مع الرئيس (فلاديمير) بوتين والمستشار (غيرهارد) شرودر. (يضحك). نسيب لحود شخص محترم بلا أدنى شك. اعتقد انه اذا تولى الرئاسة يفكر في شخص آخر لرئاسة الحكومة. المسألة بسيطة. اسأل نسيب لحود نفسه.
* هل تعتقد ان الدول الغربية الكبرى اتخذت قراراً بتغيير النظام في سورية؟
- لا اعتقد بوجود قرار من هذا النوع. ان الوصول الى قرار من هذا النوع يتوقف على سلوك السلطات السورية في المرحلة المقبلة وطريقة تعاطيها مع هذا القرار. نحن كلبنانيين لا مصلحة لنا لا في زعزعة استقرار سورية ولا في اطاحة النظام فيها. لنا مصلحة في سورية مستقرة ومزدهرة، سورية ترى في الاستقرار اللبناني والازدهار اللبناني مصلحة للبلدين.
لحود والظلال
* لماذا لم تستطع التفاهم مع الرئيس لحود؟
- لأن مشروع لحود ومنذ البداية كان موجهاً ضد البرنامج الذي على أساسه توليت رئاسة الوزراء. جوهر هذا المشروع كان أمنياً ويقوم على التطابق الكامل ولا يفسح أي مجال لشراكة لبنانية، ولو متواضعة، مع سورية في ادارة الشأن اللبناني.
*هل بسبب خوفك من هذا الشعور عملت للتمديد للرئيس الياس الهراوي في 1995؟
- نعم.
* أيدت التمديد لرئيس يناسبك وعارضت التمديد لرئيس لا يناسبك؟
- عارضت التمديد لأنه لا يناسب البلد. وعلى رغم قناعتي لم أرد الصدام مع سورية أو ان أكون السبب في تفجير أزمة لا يمكن معرفة حدودها.
* هل كان مستحيلاً التوصل الى تفاهم دائم مع لحود في ماراثون اللقاءات الثنائية التي كانت تجري بينكما؟
- الحقيقة لم تكن هذه اللقاءات ثنائية يوماً. دائماً كان هناك ظل أو ظلال في الجلسة بيننا.
* ظلال من؟
- جميل السيد ورستم غزالي وغيرهما.
* يقال ان اللقاء الأخير بينك وبين الرئيس لحود كان لطيفاً للغاية؟
- هذا صحيح. قال لي أنت شخص وطني وكل منا يخدم البلد على طريقته. صارحته. قلت له ان خروجي من رئاسة الحكومة لا يعني انني سأعرقل. علاقتي بالحكم ستحكمها علاقته بي وأتمنى ان لا تكون هناك عودة الى الممارسات التي استهدفتني في بداية العهد. انفعل الرئيس وقال انه سيتصدى شخصياً لأي مضايقات أو عمليات استهداف. أبلغته ايضاً انني سأخوض الانتخابات وان لا مشكلة لدي في بيروت مهما كان شكل الدوائر.
* هل اقفل الباب بينك وبين دمشق نهائياً؟
- أنا لم اقفل الباب. ثم لا مطلب لدي. لست في موقع رسمي يستدعي التنسيق.
* هل تتجه الى الدخول في اختبار قوة مع سورية عبر الانتخابات؟
- لا أريد مثل هذا الاختبار ولا أسعى اليه ولا يفيد البلد. أنا وافقت على التمديد كي لا أعطي انطباعاً من هذا النوع.
* ثمة من شبه وضعك آنذاك بوضع الامام الخميني حين تحدث عن تجرع السم لدى موافقته على وقف اطلاق النار مع العراق؟
- هل أنا الذي تجرعت السم أم البلد؟
* لماذا لم تسهّل وصول شخص آخر؟
- كنت منفتحاً على أي اسم آخر. لم يكن سراً ان قرار التمديد غير شعبي في لبنان لكنه اتخذ. لم أرد ان أكون سبباً في أزمة كبرى في البلد. ضغطت على نفسي وتخطيت مشاعري الشخصية. أنا كنت أعرف ان سورية صاحبة الكلمة الأخيرة في هذا الموضوع ولأسباب كثيرة لكنني كنت أتوقع ان تراعى مشاعر اللبنانيين. لم أطالب أن يكون الحريري شريكاً، كنت أتمنى ان يعترف للبنان بحق أن يكون شريكاً في شأن هو لبناني أصلاً.
* ما الذي يؤلمك في هذه التجربة؟
- يؤلمني وجود فريق، يضم مسؤولين مدنيين وأمنيين وسياسيين وحزبيين، يعتاش فقط من عرقلة برنامج النهوض بالبلد. لا يعنيهم مشروع الدولة ولا الإعمار ولا الازدهار ولا خبز الناس. مصلحتهم الفعلية أن يبقى البلد مريضاً وممسوكاً بواسطة الأجهزة. ليس بسيطاً ما فعلوه في القضاء وغيره.
* هل تتمنى لو انك ولدت في بلد آخر؟
- لماذا؟
* لأن تركيبة لبنان ترسم حدوداً للزعامة. الوجود العسكري السوري يرسم حدوداً إضافية. في بلدان أخرى يأمر الحاكم وتنفذ إرادته؟
- تريد الصراحة. يؤلمني أن كثيرين من اللبنانيين لا يعرفون أهمية لبنان. بلدنا مهم شرط أن نتعاطى الشؤون الوطنية والسياسية بروح المسؤولية. كم هو عدد الذين تستطيع ن تسألهم عما فعلوا للبلد ويستطيعون تعداد انجازات؟ لا يبنى المستقبل بالبيانات والعنتريات وتكرار الكلام الممل عن الحرص على المؤسسات.
العلاقة مع دمشق
* ما هو جوهر المشكلة مع سورية؟
- في السبعينات نشأ وضع في لبنان تشكلت فيه قناعة اقليمية ودولية أنه لا يمكن إنهاء الحرب في لبنان من دون تدخل عسكري سوري. وكان ذلك صحيحاً. وكانت العوامل متشابكة وتداخلت العناصر اللبنانية والفلسطينية والإسرائيلية والدولية. بعد الدخول السوري شهدت المنطقة أحداثاً كبرى كالسلام المصري - الإسرائيلي والغزو الإسرائيلي للبنان من دون أن ننسى الثورة الإيرانية والحرب العراقية - الإيرانية. ومن دون الخوض في التفاصيل، نشأت في دمشق قناعة بأن دور سورية الاقليمي بات مرتبطاً بوجودها في لبنان، وان هذا الوجود يشكل خط الدفاع الأول عن الدور والنظام.
كان الغرض من اتفاق الطائف مزدوجاً: إبرام تسوية بين اللبنانيين تسمح بقيام دولة لبنانية وابرام علاقة استراتيجية مع سورية تطمئنها وتغنيها عن إدارة الشأن اللبناني. طرأت تطورات اقليمية كبرى وبينها غزو الكويت، فاعتبرت القيادة السورية أن التفويض الذي منح لها سابقاً تم تجديده وبات مفتوحاً.
تصاب الدول أحياناً بما يصاب به الأفراد. إنه الادمان. أدمنت سورية على إدارة الشأن اللبناني. وهنا ملاحظة لا بد منها، كانت سورية في عهد الرئيس حافظ الأسد تمسك بلبنان لكنها كانت تلتفت غالباً الى توازنات لا بد من مراعاتها بين الطوائف أو داخل الطوائف. في التسعينات ظهر ميل الى كسر التوازنات ترجم عملياً مع وصول لحود الى الرئاسة في 1998 وراح يتعمق.
انطلاقاً من اعترافي وتقديري للدور الذي لعبته سورية في انهاء الحرب كنت أتمنى لو أنها اغتنمت فرصة اتفاق الطائف للخروج من التفاصيل اليومية اللبنانية والاكتفاء بعلاقات استراتيجية تطمئنها في مجالات الأمن والموقف من النزاع العربي - الإسرائيلي. للأسف البرنامج الذي أعد لعهد لحود وطبق بعد وصوله يدعم الخروج على اتفاق الطائف ولم يأخذ في الاعتبار التوازنات الداخلية والحساسيات ولم يتوقف أيضاً عند التغييرات التي حصلت في العالم.
* هل كانت علاقتك بعبد الحليم خدام النائب السابق للرئيس السوري من أسباب تراجع علاقتك مع العهد الحالي في سورية؟
- هذه العلاقة بدأت بطلب من الرئيس حافظ الأسد وتحولت في شق منها الى علاقة شخصية. بعد تولي الرئيس بشار الأسد السلطة تحدثنا في هذا الموضوع ولم يكن يعارض أن أمر على أبي جمال لدى زيارتي دمشق. كنت أعرف طبعاً أن الملف اللبناني صار في عهدة آخرين وكانت علاقتي معه شخصية. كنت أعرف من هو صاحب القرار. أنا لا اخطئ في قراءة هذه المسائل.
* هل كان يعارض التمديد للحود؟
- كان يعرف خطورته.
* هل كان بين من نصحوك في بداية عهد لحود بالخروج من رئاسة الوزراء لترك الرئيس يستنزف اندفاعته ثم تعود بعد الانتخابات؟
- هذه المواضيع تحتاج الى حديث تفصيلي ودقيق نتركه للمستقبل.
* هل صحيح أن وزراء في حكوماتك المتعاقبة كانوا يدبجون التقارير وينقلون أسرار مجلس الوزراء وحتى لقاءاتهم الشخصية معك؟
- صحيح. تقارير خطية وشفوية. (يضحك) بينهم من تحسن خطه من كثرة ما كتب. وزراء ونواب وأمنيون.
الحقيقة كانت هناك دائماً وجهتا نظر. الأولى تقول بإبعاد الحريري عن الحكم لكنها تخشى المضاعفات، والثانية تقول بإشراك الحريري في الحكم واستنزافه فيه عبر تفخيخ الحكومات والبرلمان والأحزاب والنقابات. هنا يجب أن أقول لك انهم لو عرفوا منذ البداية ان مشروع إعمار بيروت سيعيد لبنان الى الخريطة الاقليمية والدولية لما وافقوا عليه. مؤشرات النجاح دفعتهم الى إعداد مشروع مضاد هو مشروع لحود.
* من هندس هذا المشروع؟
- صاحب الدور الأكبر (اللواء) جميل السيد. طبعاً السيد جزء من تركيبة. تصوّر أن لحود نفسه لم يستطع زحزحة مدير الأمن العام من مكانه.
* لكنك في انتخابات العام 2000 نجحت في ضرب عهد لحود وعدت الى السلطة على حصان أبيض وثمة من يقول إن اللواء غازي كنعان (رئيس جهاز الأمن والاستطلاع للقوات السورية في لبنان سابقاً) وجميل السيد ساعداك. هل كان للأمر علاقة بحسابات سورية داخلية؟
- أنا لم أكن يوماً جزءاً من أي حساب سوري داخلي. رفضت باستمرار حتى مجرد الحديث في هذا الموضوع. العلاقات التي أقمتها مع المسؤولين السوريين في الثمانينات والتسعينات أقمتها بمعرفة الرئيس حافظ الأسد. لم تكن هذه العلاقات لا سرية ولا غامضة. هذا يصدق على علاقتي مع عبد الحليم خدام وحكمت الشهابي وغازي كنعان وغيرهم.
*لكن علاقاتك لم تكن مستقرة في السنوات الماضية؟
- فعلت كل ما في استطاعتي. ربما يتعلق الأمر بحسابات الآخرين وربما لعبت الكيمياء دورها.
* ماذا ستكون صفتك بعد الانتخابات النيابية؟
- رئيس كتلة نيابية. لماذا لا تصدّق؟
* لأنني أشعر انك رممت السرايا لتقيم فيها؟
- أعيد وأكرر لن أكون رئيساً للحكومة مع اميل لحود أو مع من يشبهه.
* هل كانت محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة رسالة؟
- كانت جريمة فظيعة قبل أن تكون محملة بالرسائل.
* هل تشعر بالخوف على حياتك؟
- أولاً أنا مؤمن. ثانياً أنا لا قطرة دم على يدي. ثالثاً أنا ضميري مرتاح. رابعاً اعتقد أن لدي اجراءات أمنية جيدة. وخامساً لدي قناعة بأن أي قرار باغتيالي هو قرار كبير وخطير ومكلف لا يمكن أن يتخذه شخص عاقل. لذلك استبعد محاولة اغتيالي جسدياً. أما محاولات اغتيالي سياسياً فلم تتوقف ولن تتوقف وهي تستهدف ابقاء البلد مريضاً الى ما لا نهاية. لا مصلحة لهم في موت المريض ولا يقبلون بشفائه.
* ألم يكن باستطاعتك التفاهم مع الرئيس لحود على حد أدنى؟
- هو لم يكن قادراً على التفاهم معي. ببساطة أقول لك انني خدمت المقاومة في جنوب لبنان أضعاف ما قدمه لحود لها. وخدمت سورية أضعاف ما خدمها لحود. لكنني أخدم سورية من موقعي كلبناني وعربي وبما أعتقد أنه يخدم مصلحة لبنان وسورية في المدى البعيد.
الطائرة المخطوفة
* ثمة من يقول انك قدمت تنازلات كثيرة؟
- هذا صحيح. قدمت تنازلات في الداخل لأنني كنت اعتبر أن العلاقات بين الطوائف والقوى السياسية اللبنانية يجب أن تكون طبيعية ولو استلزم الأمر تنازلات متبادلة أو تنازلات من طرف. هذا الاسلوب لم يكن مريحاً لبعض الناس. لا يريدون أن تكون علاقتي مع المسيحيين طبيعية أو قوية. الأمر نفسه بالنسبة الى العلاقات مع الشيعة.
قدمت تنازلات أيضاً في العلاقات مع سورية. كنت أحلم بأن يجيء وقت يحصن فيه الاستقرار اللبناني الاستقرار السوري، والازدهار اللبناني الازدهار السوري لتقوم علاقة طبيعية بين دولتين تربطهما روابط كثيرة. علاقة لا يعتبر فيها القرار اللبناني مشروع تهديد للعلاقة مع سورية أو مصدر قلق لها.
* أعود الى القرار 1559، هل كان لك دور في انضاج ظروف صدوره؟
- لا. وكان يمكن تفاديه.
* هل كنت على علم مسبق به؟
- لا، لكن لم يكن سراً أن لبنان كان موضع تشاور بين باريس وواشنطن. اعتقد أن الديبلوماسية السورية أخطأت حين اعتبرت أن لبنان ليس مهماً، وأنه يكفي ابداء مرونة في العراق ليبقى الوضع في لبنان على حاله. خيار التمديد اعتبر خيار مواجهة.
*ماذا تتوقع في المرحلة المقبلة؟
- إنها مرحلة تستلزم من الجميع الحكمة والصبر والتصبر. مرحلة صعبة. دعني اختصر لك موضوع التنازلات في تشبيه لا أعرف ان كان دقيقاً. أنت أمام طائرة مدنية مخطوفة ولا تستطيع تحرير الركاب بالقوة فماذا تفعل؟ جوابي هو أن الأولوية لسلامة الركاب وانقاذهم، فمجرد انقاذ بيروت ولبنان يشكل عقاباً للخاطفين.
التعليقات