في ذكرى اليوبيل الفضي لإعلان الحالةفي مصر
مطالبات واسعة لمبارك بإنهاء العمل بالطوارئ


نبيل شرف الدين من القاهرة: بينما طالبت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان الرئيس حسني مبارك بعدم تمديد العمل بقانون الطوارئ بعد انتهاء العمل به في نهاية أيار (مايو) المقبل، وذلك بعد مرور ربع قرن على إعلان حالة الطوارئ في مصر، التي ظل معمولاً بها منذ العام 1981 عقب اغتيال الرئيس السابق أنور السادات، ليصبح هناك جيل كامل ولد ونشأ في ظل quot;الطوارئquot;، فالذين ولدوا يوم إعلانها صاروا الآن شباباً في الخامسة والعشرين من عمرهم.

ودعت المنظمة الحقوقية في بيان لها الحكومة المصرية لإدارة حوار واسع مع منظمات المجتمع المدني والأحزاب حول قانون الإرهاب الجديد، حتى يتم التحقق من وجود ضمانات دولية لاحترام حقوق الإنسان في مواجهة الجرائم الإرهابية، وأكدت في مذكرتها على انتهاء أسباب وجود حالة الطوارئ بعد ربع قرن على تطبيقها في البلاد مع ضرورة ربطها بحالات محددة، مثل حالات الحرب أو التهديد بها، أو في حالات الكوارث الطبيعية، وهي الأسباب التي لا تتوافر في الوقت الحالي، كما رأت المنظمة أيضاً أنه يجب على الحكومة الانتباه لأهمية الحفاظ على ضمانات احترام حقوق الإنسان، والالتزام بالمعايير والمواثيق الدولية في القانون الجديد المزمع أن يحل محل قانون الطوارئ .

الإصلاح والطوارئ
ودأبت الحكومة المصرية على تمديد العمل بحالة الطوارئ لمدة ثلاثة أعوام بصفة دورية، وقبيل موعد انتهاء العمل بالقانون بعدة شهور، وذلك تفادياً لفتح باب الجدل بشأن الإجراء الذي تقول الحكومة إنه لا يُستخدم إلا في مواجهة الإرهاب وتجارة المخدرات والإضرار بالاقتصاد الوطني، وquot;في أضيق الحدودquot; الممكنة، وفق ما تواترت عليه التصريحات الرسمية من قبل المسؤولين المصريين في مناسبات مختلفة .
وقالت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان إن إلغاء العمل بحالة الطوارئ أصبح مطلباً جماهيرياً تغذيه حالة الجمود السياسي التي أصابت المجتمع، وواكبتها أزمة اقتصادية طاحنة لا يمكن تجاوزها دون إصلاح سياسي شامل، يهدف أساساً لتعبئة المجتمع وكافة قواه من أجل الإصلاح الشامل سياسياً واقتصادياً، ورصدت المنظمة انتهاكات مصاحبة لقانون الطوارئ، وفي مقدمتها التأثير السلبي على روح البنية التشريعية المصرية، بما جعلها تميل بشدة نحو التشدد والإطاحة بحقوق وحريات عديدة كفلها الدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان .
من جانبها أعلنت الجبهة الوطنية للتغيير تبنيها لحملة إنهاء حالة الطوارئ قبل موعد تجديدها في أيار (مايو) القادم، مشيرةً إلى تبني حملة إعلامية واسعة من خلال وسائل الإعلام لفضح استمرار حالة الطوارئ، وتفعيل حركة برلمانية متواصلة بمشاركة جميع نواب الجبهة، ومن ينضم إليهم لإنهاء حالة الطوارئ، والتنسيق بين الحركات والتجمعات والأحزاب وجماعات حقوق الإنسان في نفس الصدد، وإيجاد قناعة ورغبة وإرادة شعبية لإنهاء حالة الطوارئ من خلال تنظيم سلسلة مؤتمرات وتظاهرات جماهيرية بالقاهرة والمحافظات وجمع أكبر قدر من التوقيعات النخبوية والشعبية ضد الطوارئ .
وأكدت الجبهة الوطنية للتغيير أن مصر استظلت طوال الربع قرن الماضي بالظلالِ الكريهةِ لقانونِ الطوارئ والذي ارتبط ارتباطًا وثيقًا بحكم الرئيس مبارك، حتى إنه لم يحكم يومًا واحدًا في ظلِّ القانونِ العادي، والذي فرضَ وجدَّد حالةَ الطوارئ والتي لا يجوز فرضُها إلا في حالاتِ الحروبِ والكوارثِ والظروفِ الاستثنائية، وهو ما يتعارض مع ما يتشدَّق به النظام من أمن واستقرار مصر.
واعتبرت الجبهة أن هذا القانون أهدر كل الحريات الخاصة والعامة التي نصَّ عليها الدستور باعتبار أن إعلان حالة الطوارئ يجعل من رئيس الدولة - وهو في نفس الوقت رئيس الحزب الحاكم - حاكمًا عسكريًّا له سلطاتٌ كبيرةٌ وواسعةٌ، والذي زاد من خطورتها تحويل هذه السلطات إلى وزير الداخلية والذي أصبح بالتالي متحكمًا في مصائرِ جموعِ الشعب بسلطة الاعتقالِ، وفضِّ الاجتماعات، ومصادرةِ الصحف، إلى آخر ما أعطاه له قانون الطوارئ من سلطات واسعة دون رقابة .

تاريخ الطوارئ
ولتطبيق حالة الطوارئ في مصر قصة طويلة بدأت في العام 1958 حين صدر القانون 162 لسنة 1958 المعروف بقانون الطوارئ، وهو القانون الذي اقترن به صدور قرارات استثنائية في صدارتها ما يعرف بالأوامر العسكرية، وأصدر الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر قرارا جمهورياً حمل رقم 1174 وأمر فيه باستمرار حالة الطوارئ حتي تم إلغاؤها في 24 آذار (مارس) من العام 1964، ثم ما لبث أن عاد العمل بقانون تدابير أمن الدولة رقم 119 في نفس العام 1964، ومنذ ذلك الحين لم ترفع حالة الطوارئ عن البلاد، بل وأصبحت كما يقول فقهاء القانون بمثابة دستور ثان للبلاد لما منحته من صلاحيات واسعة للسلطة التنفيذية أثرت بشكل هائل على مجريات الحياة السياسية في مصر.
ومنذ العمل بحالة الطوارئ قبل نحو نصف قرن مضى، واصل الحاكم العسكري (أي رئيس الدولة) ونائبه (رئيس الوزراء) في إصدار أوامر لها قوة القانون، من دون عرضها على البرلمان الذي يمثل السلطة التشريعية التي منحها الدستور حق الرقابة على أعمال الحكومة، فضلاً عن حق التشريع، وقد اعتمدت السلطة التنفيذية في تجاوزها للسلطة التشريعية على نص المادة الثالثة من قانون الطوارئ، التي أجازت للحاكم العسكري أو نائبه عدم التقيّد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية في وضع قيود علي حرية الأشخاص وتفتيش الأماكن وغيرها، ومن هنا شُرِع في إصدار قرارات لها قوة القانون اصطلح على تسميتها quot;أوامر عسكريةquot;، فضلاً عن المناخ القانوني الاستثنائي الذي يدشنه العمل بهذه الحالة من اعتقالات إدارية وغيرها .
غير أن محامين ونشطاء حقوقيين يقولون إن حالة الطوارئ معمول بها في البلاد منذ العام 1958 وليس 1981 كما يشاع في الأدبيات السياسية التي تتناول مسألة الطوارئ في مصر، وكما يوضح عبد الحليم مندور المحامي فإن قصة إعلان حالة الطوارئ في مصر ترجع إلى القرار الجمهوري رقم 162 لسنة 1958، الذي أصدره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ليطبق في القطر السوري والمصري أيام الوحدة، وعندما انفصمت عرى الوحدة كان منطقياً بطلان كافة التشريعات التي تنطبق على مصر وسورية، لكن بقيت حالة الطوارئ قائمة، وعقب وفاة الرئيس جمال عبد الناصر وحكم خلفه أنور السادات، أنهى الأخير حالة الطوارئ عام 1980، ولكن عندما تولى صوفي أبو طالب رئيس البرلمان المصري مؤقتاً الرئاسة بعد اغتيال السادات، بادر إلى إعلان حالة الطوارئ بالقانون 560 سنة 1981، لتظل مشهرة حتى اليوم .