علم الأنساب أداة عملية لتوثيق روابط القرابة
موريتانيا : أصول القبائل وعاداتها وحكاياتها

سكينة اصنيب من نواكشوط : لا يزال عالم الصحراء يشغل بال العلماء رغم تأثير الحياة العصرية في المجتمعات، ويتساوي في ذلك الذين اختلطت طفولتهم برمال الصحراء ونخيلها، أو الذين لم يعرفوا هذا العالم إلا من خلال زيارات قصيرة. وتناول هؤلاء العلماء عالم الصحراء وخصوصيته وأسراره وسحره، وظل بعضهم حبيس هذا الفضاء الذي لا يزال في جعبته الكثير ولا يزال قادرا على ادهاش الباحثين. وقد تعددت الدراسات العلمية والاجتماعية التي اهتمت بتاريخ القبائل البدوية وقدمت معلومات شاملة عن تاريخ القبائل من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأنثروبولوجية، فدرست أصولها وأنسابها وعاداتها وهجراتها والترابط القائم بينها.

وفي موريتانيا التي لا يزال سكانها مقسمين الى عدة قبائل، قدم علماء الاجتماع دراسات تاريخية وافية للحياة المادية والثقافية للبدو من خلال متابعة أعرافهم وعاداتهم ومراقبة حياتهم داخل الأسرة والقبيلة وحيال المنتسبين إليهم وتدوين مأثوراتهم وأساطيرهم، وتفاعلهم مع سلطة الشيوخ والأعراف البدوية، وكان الراحل صالح ولد الرشيد أهم عالم اجتماع بموريتانيا قدم دراسة هامة عن تاريخ القبائل وأنسابها، أثارت جدلا واسعا لأنها رتبت القبائل حسب قوة نسبها وسلطت الضوء على نواح مهمة في فهم النظرة الاجتماعية الدونية لبعض القبائل التي سُجل تاريخها مختلطا بالأسطورة، وهو ما أثار حفيظة بعض القبائل.
وتستوطن أولاد حسان وهم عرب من بطون معقل، موريتانيا منذ مئات السنين وانقسموا الى قسمين quot;عرب محاربونquot; وهم حملة السلاح الذين يتولون مهمة الدفاع عن القبيلة، وquot;الزواياquot; وهم حملة القلم الذين يتولون مهمة نشر العلم والدين، إضافة إلى التابعين من رعاة وصناع وعبيد وquot;إيكاونquot; وهذه الفئة الأخيرة هي التي احترفت الغناء والطرب داخل المجتمع الموريتاني .

وقد أثارت هذه التراتبية المجتمعية التقليدية اهتمام بعض الأوربيين فتناولوها بالدرس والتحليل، ومن بين أولئك الأوروبيين الذين اشتغلوا بالتوثيق التاريخي لجانب من تاريخ عرب الصحراء الكبرى الباحث الفرنسي الشهير بول مارتي الذي تجول في ربوع شتي أثناء الحملة الاستعمارية الفرنسية للمنطقة وألف كتاب quot;القبائل البيضانية في الحوض والساحل الموريتانيquot;، وبالإضافة إلى قيامه بتسجيل الحكاوي المتعلقة بأصول القبائل، قام بمعالجة القبائل من الناحية الجغرافية وصنفها إلى مجموعات بحسب المناطق الجغرافية المختلفة على خلاف ما هو متبع بكتب الأنساب.

ويعد الكتاب من أهم الكتب التي بحثت موضوع القبائل والعشائر في مرحلة زمنية مهمة تعد فترة فاصلة في تاريخ البلاد قبل أن ينتشر نفوذ الاستعمار، ويتناول الكتاب القبائل من حيث تكويناتها وتطورها ودورها السياسي وتاريخ هجراتها.

ويقول رئيس الفدرالية المغربية لعلم الأنساب محمد بركاش أن هذا العلم الذي سبق الاجتهاد في تأسيسه وضبط قواعده ومناهجه للعرب، ولم يتفطن إلى أهميته الغرب إلا في وقت متأخر، لم يعد اهتمامه مقصورا على ضبط الأنساب المتصلة بآل البيت بل أصبح أداة لتوثيق روابط القرابة وتاريخ الأسر والسلالات البشرية والتأثيرات الحاصلة بينها على مستويات اللغة والثقافة والمعتقد.

وأشار صاحب كتاب quot;عائلة في عمق التاريخquot; الذي خصصه للبحث في شجرة أنساب أسرته وأصولها وفروعها وتاريخ تنقلاتها وحمولاتها الثقافية، إلى أن الفيدرالية المغربية لعلم الأنساب التي تأسست في فبراير 2005، انضمت إلى quot;الكونفدرالية الدولية لعلم الأنساب والشعاراتquot; في 23 أغسطس الماضي، بعد موافقة 70 دولة من أعضائها، ليكون المغرب بذلك أول بلد مسلم عربي وإفريقي ينضم إلى هذه المنظمة.